يا نزار… لم تعد بيروت «ست الدنيا»
(من زمان) كتب الشاعر نزار قباني قصيدة لقب فيها بيروت باسم «ست الدنيا» ولو كان حياً لسمّاها اليوم «حزن الدنيا». السائح لم يعد يأتي إلى بيروت. وكل مغترب ينوي الذهاب إلى بيروت شوقاً، ينبهه الأهل والأصحاب في مخابرة هاتفية إلى (وفاة) الكهرباء معظم الوقت في بيروت.. وكوارث أخرى!
أذكر أنني كنت في بيروت يوم 13ـ5ـ2020 وسمعت صوت الرئيس سعد رفيق الحريري يعد اللبنانيين بعودة التيار الكهربائي بعد عام، وسجلت ذلك، وكان مخلصاً في وعده كما أعتقد. ولكن للأسف، لم يحدث ذلك، وأجهل تفاصيل العراقيل التي تفرضها مصالح البعض، بحيث لم تعد الكهرباء كما وعد الرئيس الحريري، ولم تتشكل الوزارة من الخبراء للأسف، حتى لحظة كتابة هذه السطور.
وهي لم تتشكل لأنه ربما ثمة من تقضي مصالحه عدم وجود وزارة (خبراء) بل (أزلامه) في لبنان، الذي كان عاصمة للديمقراطية العربية وكنا نتمنى (لبننة) العالم العربي، وصرنا نتمنى (لبننة لبنان) على الأقل!
من «سفينة المرح» إلى «التيتانيك»!
كان لبنان من زمان يشبه المسلسل التلفزيوني «سفينة المرح» يوم وصلت إليه من دمشق لمتابعة دراستي في الجامعة الأمريكية في بيروت، أما اليوم فقد صار يشبه باخرة «التيتانيك» التي غرقت بكل من فيها وحتى الركاب (الأثرياء) الذين استحوذوا على مراكب النجاة غرق بعضهم أو مات برداً. وبلغة أخرى واقعية، الذين لا يبالون بالشعب اللبناني بل بمصالحهم، سيغرقون معه إذا (غرق) في الفقر والظلام. والأموال التي قاموا بتهريبها لن يتركهم الشعب اللبناني الغاضب يستمتعون بها!
ما الذي ذكرني بفيلم «التيتانيك»؟ لم يذكرني به إعادة عرضه في التلفزيون الفرنسي (القناة 8) منذ أيام فحسب، بل ذكرني به إمكانية غرق لبنان في الفقر والظلمة وربما في الحروب الأهلية ثانية.
حمى الله لبنان من الذين يريدون تدميره، ربما دون أن يلحظوا أن الشعب اللبناني صار يكرههم.. وكل ما يدور ينذر بانفجار ما. فقد تعب الناس في بيروت وبالضبط في لبنان بأكمله.. وباخرة «تيتانيك» لبنان بدأت تغرق، ولن ينجو أحد من الذين تسببوا في ذلك من أجل مصالحهم الخاصة. ويا نزار قباني.. لو عدت اليوم إلى الحياة لما لقبت بيروت بـ«ست الدنيا» بل ضحية المصالح الخاصة و«التيتانيك» الغارقة. أي «ست الخوف والحزن»!
جائزة نوبل في تدمير الذات
فاز فيلم «التيتانيك» بالعديد من الجوائز السينمائية، أما لبنان فلم يفز مؤخراً بغير جائزة نوبل في تدمير الذات (لو وجدت) وفي وسع الكثير تعداد أسماء (أبناء الحلال) اللبنانيين من (الزعماء) و(المسؤولين) الذين يتسببون في غرقه مثل «التيتانيك».. إنه يغرق في الظلمة والبرد والوحشة بعدما كانت الإقامة في بيروت أو الاصطياف في لبنان حلماً عربياً ممتعاً.
السوري نزار الذي لقب بيروت بـ»ست الدنيا» وسعد بحصوله على الجنسية اللبنانية، لو لم يرحل لكتب حزنه عليها.
وحتى لحظة كتابة هذه السطور، يبدو لبنان مرشحاً لجائزة نوبل في تدمير الذات، والمأساة أن الذين يدمرونه لا يلحظون أفعالهم لانشغالهم بإحصاء أرباحهم وتهريب أموالهم.
صار مالنا صدقة علينا!
اتصلت بي صديقة من بيروت وقالت لي إن البنوك قررت إعطاء من لهم حسابات فيها مبلغاً هو جزء زهيد مما أودعه البعض.. هل انحدرنا إلى المدى الذي نفرح فيه بعدم سرقتنا سرقة كاملة؟ أي صار مال الناس صدقة عليهم!! أما الكهرباء فهي تودع شبابها وتأتي ساعات بخيلة، وعليك تدبير أمورك إذا كنت تريد القراءة ليلاً أو إذا كان المسنون بحاجة إلى المصعد للوصول إلى البيت، وصار الأصدقاء ينصحونك بالبقاء حيث أنت وعدم العودة إلى بيروت.
في الصين وليس في لبنان!
نحلم بإعادة تعمير لبنان بدلاً من أن يتحول نهائياً إلى التيتانيك الغارقة.. في الصين يعيدون تعمير نسخة طبق الأصل عن «التيتانيك» كما قرأت، وهي ليست للنزول إلى الماء، بل كجزء من متنزه ترفيهي.
نحن في لبنان نريد إعادة بنائه لا على طريقة الصين كفندق ترفيهي بعيدا عن الماء، بل كوطن هو وطن القلب اللبناني وكل من عاش فيه وأحبه كنزار قباني الذي لقب بيروت بـ«ست الدنيا».
لبنان ليس بيروت وحدها، إنه وطن عربي لا يستحق الغرق بل يحتاج إلى أن (يطفو) مجدداً في بحر التاريخ.. تُرى، متى يعي الذين يدمرون (تيتانيك) لبنان أنهم سيغرقون معه أياً كانت النقود المسروقة التي هربوها خارج لبنان؟.. وكم يحزنني أنني كلما اتصلت ببعض الأصدقاء في لبنان لأقول إنني (مشتاقة) وسأحضر لزيارة ولتعبئة بطاريات الكتابة، يقولون لي: لا تحضري.. أنت بحال أفضل حيث أنت!
حتى سائق التاكسي الذي يأتي عادة إلى مطار بيروت وزوجته لاصطحابي إلى بيتي، قال لي لا تحضري، رغم حاجته إلى حوالي مئة دولار أدفعها له (إكرامية) حين أحضر وأعرف مدى حاجته إليها.
كأنه يعز عليه أن يكذب عليّ من أجل حفنة من النقود، وهو يعرف أن بيروت مدينة ساحلية لكنها سفينة على وشك الغرق. وقال لي إن طريق المطار قد يكون (مقطوعاً) والكهرباء في بيتي (ميتة) لحظة وصولي!
ويا نزار، لم تعد بيروت «ست الدنيا» بل صارت «تيتانيك» العالم العربي!