لعراق …وحرب المياه
محمد جواد فارس
بما ان الماء هو أحد أبرز الموارد الطبيعية في كوكبنا ، والذي تسكن عليه البشرية ، منذ الخليقة ، حيث يحتل الماء بحدود 71 بالمائة من أجمالي المساحة الكاملة لسطح الكرة الأرضية بما فيها من المحيطات والبحار والبحيرات والانهار ، وللماء فوائد جمة لما يقدمها للإنسان ، ومنها تجهيز الأطعمة والمشروبات ، استخدام الماء في الزراعة للحصول على محاصيل منتجة تلزم الانسان والحيوان للتغذية ، و الاسستفادة من الماء في الموارد الصناعية الثقيلة والخفيفة ومنها الطائرات والسيارات ، وتوليد الطاقة الكهربائية ، والانسان بحاجة الى الماء للاستخدامات الشخصية ،كالاستحمام و التنظيف ، وكذلك من اجل البقاء محافظ على توازن حرارة الجسم ، والاكثار من شرب الماء يقي الانسان من امراض القلب و الكلية ويقي الجسم من امراض السرطان ، كسرطان الدم ,ذلك من خلال حمايته من الجفاف ، ويحافظ على مستوى السوائل في الجسم ، وللماء فوائد كثيرة من أجل الحفاظ على صحة الانسان والحيوان و الطبيعة في الزراعة والصناعة ، ممن هنا تكمن الأهمية القصوى لوجود الماء ، وتظهر الإشكالات الجمة في تقاسم المياه بين دولة المنبع وكذلك الدول التي يمر من خلالها الأنهار ، ومن هنا تنشأ النزاعات بين البلدان حول الحصص المائية ، والمياه كانت تاريخيا مصدر للتوتر وعامل أساسي في النزاعات بين الدول ، وتعتبر الأمم المتحدة النزاع على المياه نتيجة المصالح المتعارضة لمستخدمي المياه سواء كانت شخصية او عامة ، تشكل المياه في العالم نسبة عالية من مساحة كوكبنا حيث البحار تشكل نسبة 75 % من مساحة الكرة الأرضية وبذلك تكون نسبة اليابسة 25% ، مياه البحر الماحة تشكل 99% في العالم ، بينما المياه العذبة 6%وتمثل الأنهار الجليدية 27% من المياه العذبة و 72% من المياه الجوفية ، يتجدد المياه العذبة ب ديمومتها من خلال تساقط الامطار والجليد ، مجموع جريان المياه في القارات بنحو 41000 كم مكعب في السنة ، منطقة الشرق الأوسط فقدت احتياطيات المياه العذبة بسرعة كبيرة خلال 6 أعوام كما في تركيا و سوريا والعراق التي تتقاسم حوضي دجلة والفرات 144كم مكعب من مجموع المياه العذبة المخزونة 60%منها الناتجة عن ضخ المياه في الخزانات الجوفية . ومن اهم الأنهار في المنطقة هي : نهر النيل الذي يمر عبر أوغندا و أثيوبيا و السودان ومصر ، نهر الأردن والذي ينبع من لبنان وسوريا و من ثم يعبر الى فلسطين ، نهر الفرات الذي ينبع من جبال تركيا ليعبر الى سوريا ويصب في العراق ، نهر دجلة وهو الاخر ينبع من جبال تركيا ويمر عبر الأراضي السورية ويصب في العراق بعد ان يلتقي بنهر الفرات ليشكلا شط العرب ومن ثم الى الخليج العربي ، تكتسب قضايا المياه في الوطن العربي أهميتها تشمل في أبعادها سياسية و اقتصادية واجتماعية ، ويختلف الطلب على المياه بين البلدان بنسبة عدد السكان و التنمية الاجتماعية والاقتصادية السائدة في هذا البلد أو ذاك ان مشاريع إقامة السدود على الأنهار من أجل تخزين المياه وكذلك للاستخدام في الطاقة وتوليد الكهرباء ، كما هو الحال بالنسبة لتركيا ، كم هو الان سد إليسو وهو سد اصطناعي من أضخم السدود ، أقيم على نهر دجلة عام 2018 في قرية على طول الحدود بين محافظتي مارديني وشرناق ، وهو أكبر سد بعد سد أتاتورك ، و صل عدد السدود في تركيا الى 579 سدا الغرض منها امداد المياه للزراعة والري و توليد الطاقة الكهربائية وهذه السدود اضرت بالجانبين السوري والعراقي ، فالتربة ستصاب بالملوحة و قلة المياه للأستخدام الزراعي ، ولم تلتزم الحكومة التركية بالاتفاقات و المعاهدات الدولية حول المحاصصة المائية بين دول المنبع والمصب .
سد النهضة الاثيوبي هو اليوم موضع خلاف بين الدول الثلاث أثيوبيا و السودان ومصر ، سد النهضة هو سد على النيل الأزرق في أثيوبيا بدء العمل به منذ 2011يقع على بعد 15 كم شرقا من الحدود الاثيوبية السودانية ، وكان الهدف منه هو الطاقة الكهربائية لتجهيز أثيوبيا تكلفته بلغت 4 مليار دولار امريكي ، واليوم اثيوبيا تصر على ملئ ثان لمياه السد دون الاتفاق مع السودان ومصر بشأن كمية المياه التي سوف تطلق الى البلدين لتغطية الحاجة الى الزراعة والطاقة ، ولم تستجب اثيوبيا لكل المناشدات الدولية والإقليمية والافريقية للجلوس على طاولة التفاوض والاتفاق بما يخدم كل الأطراف المتنازعة ، مصر تطالب بأن تكون حصتها من مياه النيل 55،5مليار متر مكعب و حصة السودان 18،5 مليار متر مكعب ، وهناك اليوم حشود عسكرية من كل الأطراف يتوقع من خلال المناورات العسكرية ان تحدث اصطدامات عسكرية تؤدي الى خسائر بشرية ومادية ، ومن خلال المتابعة للدراسات التي أشار لها المحللون في هذا لمجال ، ان التعنت الاثيوبي ناتج عن تنفيذ مخطط (إسرائيلي ) صهيوني للضغط على مصر والسودان لتنفيذ مطاليب دولة الكيان الصهيوني في مجال الحصول على حصة لها من المياه .
العراق اليوم يعاني من ازمة حادة في نقص مياه دجلة والفرات وخاصة في مياه الشرب النقية وملوحة التربة و عطش الأرض الزراعية في بلد الرافدين ، وهذا ناتج عن عدم وجود تخطيط اداري منذ 2003 احتلال العراق وهيمنة الطغمة الحاكمة على شؤون البلد في كل المجالات الزراعية والصناعية والتعليم والصحة ، وعدم وجود كوادر مخلصة في هذه المجالات . عند قراة كتاب الدكتور عدنان عزيز جابرو وجدت في الفصل العاشر من كتابه لمحات دراسة مستفيضة عن مستقبل المياه في المنطقة أقتبس بعض ما جاء فيها : المستجدات بعد عام 1991 العراق : كبقية الدول العربية فإن معظم موارد الماء فيها تأتي من خارج حدودها ، فتركيا تسيطر على نهري دجلة والفرات و لاتزال تنفذ مشاريعها على منابع هذين النهرين مما ولد شحة شديدة أثرت على الزراعة ومشاريع تصفية مياه الشرب في معظم مناطق العراق . وتتلخص مشاريع تركيا في انشاء 22 سدا على نهر الفرات لزراعة 1،7مليون هكتار وبذلك ستنخفض كمية المياه في هذا النهر إلى 40%مما كانت عليه عام 1980 وماتزال تركيا مصرة على إن ( لكم النفط ولنا الماء وليس لأحد حق في مياه تركيا سوى تركيا وليس لأحد حق في نفط العراق سوى العراق ) . أما في الجانب الشرقي فقد قامت ايران ببناء سدود على كافة المصادر المائي الواقعة في أراضيها وتحويل مياه هذه الأنهر الى داخل ايران . انتهى الاقتباس وفي نهاية مقاله يقول الدكتور عدنان عزيز جابرو : ان الحل لهذه المأساة هو تطوير المصادر المائية لزيادة كمية المياه الصالحة للشرب وترشيد استخدام الماء والحد من الهدر في التخزين والنقل والري . انتهى الاقتباس
نحن اليوم في العراق نحتاج الى حكومة وطنية تأخذ على عاتقها مهمة النهوض بالمشاكل المائية الحالية ومنها اقامت السدود والخزانات المائية للاستفادة منها في شحة المياه و توفير الطاقة الكهربائية ، وقف هدر مياه الشرب ، عدم استخدام المياه الجارية في الأنهار في نصب مجاري المياه الثقيلة فيها و الاهتمام بالبيئة ، ولنحافظ على زراعتنا وكذلك الثروة السمكية و الحيوانية ، ونفكر بالاجيال القادمة .
طبيب وكاتب