الرِّدة والتكفير كما يعرضهما باحث إسلامي رصين/ج1 لم ترد عقوبة قتل المرتد عن الإسلام في القرآن!
بيدر ميديا.."
لقد قرأنا الكثير مما كتبه العلمانيون العرب والعراقيون، وسواء كانوا علمانيين تقدميين مناهضين للغرب الإمبريالي ومدافعين عن استقلال بلدانهم أو علمانيين قشريين يروجون الثقافة الغربية المعادية للثقافات المحلية لشعوب الجنوب “العالم الثالث” وأديانها السماوية وغير السماوية، فهؤلاء العلمانيون القشريون جزء عضوي من المنظومة السياسية والثقافية البرجوازية الرجعية وهم يهاجمون ثقافات وأديان شعوبهم ويسكتون عن الرجعيات الدينية والقومية في الغرب الاستعماري، ظانين -عن جهل أو قصد – أن هذه هي العلمانية، وهي في حقيقتها ليست إلا نوعا من الدونية والخداع والتضليل.
واقعاً، فإن كتابات العلمانيين – من الصنفين – تأتي لتعكس آراء من كتبوها، بغض النظر عن نسبة مقاربتها للموضوع ولكنها تأتي عمليا من خارج الرؤية الدينية الإسلامية، وهي لذلك لا تخلوا من النزوع الأيديولوجي العلماني المنحاز قليلا أو كثيرا لمنطلقاته ومتبنياته الفكرية، وهي في ذلك لا تختلف عن آراء وكتابات الإسلاميين – تكفيريين وغير تكفيريين – وأيديولوجيتهم المنحازة للتكفير وإلغاء الآخر ماديا وفكريا، لكننا لم نقرأ إلا نادرا، كتابات تعريفية متوازنة لإسلاميين تحاول أخذ متغيرات العصر الذي نحياه بنظر الاعتبار في معالجة هذه الموضوعة “عقوبة المرتد والمتهم بالكفر”، ومن هذا النادر -الجريء نسبيا- أقترح عليكم أن نقرأ سوية دراسة مهمة – رغم عدم اتفاقي مع استنتاجها الرئيس، للباحث الإسلامي المستقل محمد سليم العوا، والذي كان قد ترشح كإسلامي مستقل في الانتخابات الرئاسية المصرية سنة 2012 إلى جانب مرشحي اليمين الليبرالي والإخوان المسلمين والناصريين وغيرهم – دراسة بعنوان “قضية الردة هل تجاوزتها المتغيرات؟” نُشرت قبل أقل من شهرين: هذه مجموعة فقرات منتقاة من هذه الدراسة القيمة والمتوازنة والموثقة بالمراجع الإسلامية تليها مجموعة من الاستخلاصات التي خرجت بها من قراءتي الشخصية وأطرحها للنقاش:
فقرة1: ورد ذكر الكُفر بعد الإيمان -أي الرِّدة- في القرآن الكريم في بضع عشرة آية. عبَّر القرآن الكريم في بعضها بلفظ “الرِّدة”، وفي بعضها بتعبير “الكُفر بعد الإسلام”./ يورد الكاتب سبعة نصوص قرآنية.
فقرة 2: “جميع هذه الآيات الكريمة التي قدمنا نصوصها لا تشير من قريب أو من بعيد إلى أن ثمة عقوبة دنيوية يأمر بها القرآن لتُوقَّع على المرتد عن الإسلام، وإنما يتواتر في تلك الآيات التهديد المستمر بعذاب شديد في الآخرة، ويُستثنى من ذلك ما أشارت إليه آية سورة التوبة رقم: 74، التي يتضمن نصها الوعيد بعذاب أليم في الدنيا والآخرة. ولكن هذه الآية لا تفيدنا في تحديد عقوبة الردة في الدنيا؛ لأنها إنما تتحدث عن كفر المنافقين بعد إسلامهم. ومن المعلوم أن المنافقين لا عقوبة دنيوية محددة لهم؛ لأنهم لا يُظهِرون الكفر، بل يخفونه ويظهرون الإسلام. والأحكام القضائية في النظام الإسلامي إنما تُبنى على الظاهر من الأعمال أو الأقوال، لا على الباطن الذي انطوت عليه القلوب أو أسرَّته الضمائر”.
استخلاصات:
1-لاتوجد عقوبة محددة في القرآن للمرتد عن الإسلام والكافر به.
2- يوكل أمر المرتد والكافر بدينه الإسلام إلى الله ليعاقبه يوم القيامة.
3- العقوبة في الدنيا الواردة في الآية 74 من سورة التوبة خاصة بالمنافقين وليس بالمرتدين وهي لا تحتوي على عقوبة محددة.
*الفقرة 3: إن استنباط عقوبة المرتد أو تأسيسها على فهم بعض الآيات المتقدم ذكرها، التي تبين عقاب المرتد في الآخرة ينافي صريح قوله تعالى: “لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ” (البقرة: 256). وقد فطن ابن حزم -رحمه الله- إلى هذا التعارض بين تقرير عقوبة المرتد استناداً على بعض الآيات التي فيها وعيد المرتدين، وقوله تعالى: “لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ”، فذهب إلى أن هذه الآية الأخيرة من منسوخ القرآن.
*الفقرة 4: ولكن دعوة النسخ في هذه الآية غير مسلمة؛ فالنسخ لا يكون إلا بنقل صريح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو عن صحابي يقول: “آية كذا نُسخت بآية كذا”. و “لا يُعتمَد في النسخ بأقوال عوام المفسرين، بل ولا اجتهاد المجتهدين… فالمقرر في أصول الفقه أن القرآن لا ينسخه إلا قرآن مثله، أو سُنة متواترة. وقد جمع السيوطي -رحمه الله- الآيات التي صح فيها عند العلماء أنها منسوخة وهي إحدى وعشرون آية، وليس من بين هذه الآيات قوله تعالى: “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ”.
*الفقرة 5: وعلى ذلك فإن قوله تعالى: “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ” محكم غير منسوخ، وهذا هو المتفق مع ما تكرر تقريره في القرآن الكريم من حرية الفكر والرأي والاختيار، على نحو يشعر بأن ذلك من أصول الإسلام التي لا يدخل مثلها النسخ ولا التبديل.
استخلاصات:
1-آية “لا إكراه في الدين” محكمة وليست منسوخة.
2-هذه الآية تضمن حرية الفكر والاختيار في القرآن لجميع الناس.
3-وهي أصل من أصول الإسلام لا يجوز فيها النسخ ولا التبديل.
*الفقرة 6: أما عقوبة المرتد وكونها من عقوبات الحدود “فيستند فيها إلى” بعض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. وأكثر هذه الأحاديث تداولا ثلاثة أحاديث هي:
أ – حديث المحاربين من عكل وعرينة (وعُكْلٌ: قَبيلةٌ مِن قَبائلِ العرَبِ، وعُرَيْنةُ: حَيٌّ مِن قَبيلةِ بَجيلةَ ومنهما جاء رجال إلى النبي فبايعوه على الإسلام، ومرضوا في المدينة فنصحهم النبي بالخروج مع رعاة إبل المسلمين ليشربوا من ألبانها فتصح أجسامهم فخرجوا مع الفتيان الرعاة وقتلوهم قتلة بشعة جدا ومثلوا بجثثهم وسرقوا الإبل وهربوا. فأرسل الرسول في آثارهم بعض الصحابة فطاردوهم وقبضوا عليهم وجاؤوا بهم الى النبي فأمر بقتلهم بالطريقة نفسها التي قتلوا بها الرعاة الفتيان.
والرأي السائد بين جمهور العلماء -وهو الصحيح من وجهة نظرنا- فهو أن النفر من عكل وعرينة لم يُقتلوا لمجرد الردة، وإنما قتلوا لكونهم محاربين… ولا يصح أن يكون مستنداً للقائلين بأن عقوبة الردة هي القتل حداً؛ لأن جريمة العرنيين لم تكن الردة فحسب وإنما كانت جريمتهم هي الحرابة؛ ولذلك عُوقِبوا بعقوبتهم. أو عُوقِبوا قصاصًا منهم لما فعلوه برعاة الإبل التي سرقوها، حيث إنهم قتلوا الرعاة ومثَّلوا بهم فاقتُصَّ منهم بمثل ما فعلوا.
ب – أما الحديث النبوي الذي يقول : “من بدل دينه فاقتلوه”، فسوف نورد ما ذكره الباحث حوله في الجزء الثاني والأخير من هذه المقالة، وفيه سأنشر روابط الفيديو والدراسة ومتعلقات أخرى… يتبع.