حذار من المخدرات الفتاكة!
منذ أسابيع، حين أقيمَ في أوروبا مهرجان (يوروفيجن) الغنائي، حيث يقدم كل بلد أوروبي مطرباً يمثله لاكتشاف الرابح، ربحت إيطاليا الدرجة الأولى، وفرنسا الثانية (المغنية باربارا) ولكن أحد مغنيي الفريق الإيطالي اتُّهم بتناول الكوكايين بناء على صورة متلفزة له وهو ينحني على الطاولة أمامه وكأنه (يشم الكوكايين) وتم تحليل دمه وتأكيد البراءة، وبالتالي ظلت إيطاليا هي المنتصرة.
وذكرني ذلك بالمغني الفرنسي برتران كانتات، وعشيقته الممثلة الفرنسية ماري ترنتينيان، ابنة الممثل المشهور فرنسياً جان لوي ترنتينيان، فقد قتلها كانتات في «شجار مسعور» ضرباً بيديه وكانا ثملين بالكحول وبالمخدرات ولم يخطر بباله كما قال، أنها ستموت! وكانا في حالة لا واعية بسبب المزيج المتفجر من الكحول والمخدرات.. وتم الحكم عليه بالسجن سبعة أعوام، وحين غادر برتران كانتات السجن، حاول من جديد أن يعود إلى إقامة مهرجان غنائي مع فرقته (نوار ديزير ـ الشهوة السوداء) وأعلن عن إحدى حفلاته، ولكن الجمعيات النسائية تضامنت ضده في تظاهرة منعت الدخول إلى مكان الحفل.. وانتهى مستقبله الفني.
صديقة مدمنة والموت الباكر
صديقة ثرية من بلد عربي وزوجها اختارا بيروت ما قبل الحرب للإقامة، وصارحتني صديقتي أن السبب هو سهولة الحصول على (الحشيش) للتدخين وعلى المخدرات: إل.اس.دي LSD والكوكايين!!
لم يكن ذلك عالمي، فأنا أعجز حتى عن ابتلاع دخان سيجارة وأصاب بالسعال، فرئتاي ترفضان هذا السم/النيكوتين. وكانا يحدثاني عن (رحلتهما) مع مخدر LSD وقررت تجريب ذلك مرة معهما للكتابة عن مشاعر الإنسان وقتئذ في كتابي الذي كنت أعده للنشر تحت عنوان «السباحة في بحيرة الشيطان». وحين كنت طالبة في لندن، سمعت بعشرات من الذين أوهمهم المخدر أن بوسعهم الطيران وتحطموا على أرض الشارع، وكنت قد قررت أن أتظاهر بتناول حبة الـLSD ثم أبصقها سراً وأرقبهما تحت تأثيرها وأكتب عنهما ما كنت أجهله.. لكنني فوجئت بما لم أكن أتوقعه، وهو أنك ما تكاد تضع على لسانك مخدر LSD حتى تشعر بلسعة كهربائية ويمتصه الجسم!
وهكذا سقطت في الفخ وصرت مخدرة مثل صديقتي وزوجها.
الجسد فخ والكتابة قارب نجاة!
وقررت كتابة كل ما أشعر به أو أتوهمه وأنا تحت تأثير ذلك المخدر، إذ يشعر المرء فجأة أنه في مكان آخر، وحين نظرت من النافذة إلى شاطئ البحر صرت هناك!. ثم إنني شعرت بالألم وبالإغماء ربما لدقائق، وحين صحوت تابعت كتابة مشاعري وهلوساتي في لحظات أغمائي العابرة، كنت عاجزة عن الكتابة، لكنني دونت كل شيء بعد (شبه) صحوي ووعدت نفسي حين بدأت أعود إلى الصحو بعد ساعات بألا أعيد التجربة، وهو ما فعلته. لكنني ربحت نصاً يجده القارئ في كتابي «السباحة في بحيرة الشيطان» ولم أكرر تلك التجربة ثانية، إذ تكفي مرة واحدة للكتابة!
حذار منهم!
لاحظت أن الذين يتعاطون المخدرات يسعدهم ضمك إلى (ناديهم). لست مضطراً لقطع علاقتك بهم، لكن لا تشاركهم أفعالهم. أما المزيج المتفجر من الكحول والمخدرات فهو يؤدي إلى أفعال يندم عليها المرء. كما حدث لبرتران كانتات، الذي قتل حبيبته ماري ترنتيتيان، ربما دون أن يدري أنه كان يقتلها! إنه جنون من نمط خاص يسببه مزيج الكحول والمخدرات.
الجسد يعاقب صاحبه
قررت أن أجرب الكثير من السموم من أجل رسم ما يدور، وذلك في كتابي «السباحة في بحيرة الشيطان» وذهبت إلى صديقتي وزوجها ذات صباح، وقلت لهما سأجرب الكوكايين معكما، وسعدا بذلك، ولاحظت أن الذين يتعاطون المخدرات يسعدهم انضمام شخص جديد إليهم. وهكذا، كان عليّ يومها أن أتنفس مسحوقاً أبيض الكوكايين وفعلت، ووضبت الورقة والقلم لوصفي مشاعري. لكن حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد رفض جسدي ذلك العدوان عليه، وما كاد الكوكايين يستولي عليّ حتى شعرت ببساطة بالاختناق. لم يعد بوسعي التنفس، كأنني أصبت بشلل في حنجرتي. قلت لصديقتي إنني بحاجة للذهاب إلى أي مستشفى لتناول الأوكسجين، لأنني صرت عاجزة عن التنفس، رفضت الفكرة ربما خوفاً من رجال الشرطة، وقالت بذكاء: حسناً، سنمشي إلى المستشفى، ولم تقل لي إنه وخلال الطريق والحركة والمشي قد يتلاشى مفعول الكوكايين بالتدريج. كان جسدي ببساطة يرفض التخدير، ولا يصلح لتناول المخدرات، وهكذا مشيت معها من الروشة البيروتية حتى مدخل باب مستشفى الجامعة الأمريكية، لكنني كنت بعد الحركة كلها قد صحوت نسبياً ولم أعد بحاجة إلى طبيب، بل إلى ذاكرة لكي لا أكرر التجربة ثانية. ولم أكتب حتى ولو فصلاً في كتابي «السباحة في بحيرة الشيطان» حول ذلك الصباح البائس.
الكحول والمخدرات هي السم!
كتبت كل ما تقدم لتحذير القارئ العزيز من السموم التي يتناولها البعض سراً. وبلا أسرار أقول ببساطة: حذار من المخدرات بأنواعها كلها، بما في ذلك «الحشيش» فصديقتي المدمنة توفيت قبل أن تبلغ الخمسين عاماً من العمر، كما زوجها. وأظن أن ثمة أساليب أخرى للموت غير الـL.S.D والماريوانا، وبقية السموم الذي تفتك بالرئة وتسبب السرطان. لا أنصح أحداً. لكنني فقط أسرد جانباً من تجربتي الشخصية. وهي لا تحمس على تناول المخدرات، بل العكس تماماً، لكن لكل قارئ حريته في اختيار أسلوب موته السريع.. أو العمر الطويل بإذن الله.