فرنسا، عاصمة نوادي العراة في العالم
أتساءل: لماذا اختار برنامج التحقيق الأسبوعي يوم الخميس على القناة التلفزيونية 8 الفرنسية فضح أسرار «نواد العراة» وأماكنهم، وفي فرنسا العديد من (مراكز) العراة ونواديهم؟
أنظر إلى الأمور بعين عربية، فأنفر من الأمر كله، ولست من هواة نوادي التعري التي كانت منذ أكثر من ربع قرن ضد القانون، ويؤكد ذلك فيلم من سلسلة أفلام الممثل الهزلي المبدع (لوي دو فينيس) حيث كان في الفيلم شرطياً في «سان تروبيه» الفرنسية (البلدة الساحلية الشهيرة) في فرنسا ويهابه العراة إذا عرفوا بمداهمة رجال الشرطة لهم، ويرتدون ثيابهم فوراً.
اذهب إلى فرنسا صيفاً للتعري!
في التحقيق الأسبوعي مؤخراً (يوم الخميس) على القناة الفرنسية الثامنة، لا ينسى الصحافي تحديد عناوين «نوادي العراة» إذا كنت منهم لتعرف إلى أين تذهب لخلع ثيابك كلها!!
والشواطئ ليست نادرة في هذا المجال لهواة التعري الكامل، بل ثمة مطاعم خاصة بالعراة التي لا تستطيع الدخول إليها إذا لم تخلع ثيابك كلها قبل ذلك! ولا أعتقد أن عربياً سيذهب إليها للعشاء مهما كان طعامها شهياً! يبدو أن فرنسا هي البلد الأكثر احتضاناً لنوادي العراة في العالم، كما جاء في التحقيق المتلفز لميخائيل بيرات، ويقول إن فرنسا هي الوطن الأول في العالم لعراة عددهم 13 مليوناً من أبناء البلد والسياح ويدعون أنفسهم بالطبيعيين (Naturalist) أي الذين اختاروا الحياة حتى في المجتمع عراة دونما ورقة توت آدم وحواء.
عراة حتى على شاشة التلفزيون!
مقدمة البرامج التلفزيونية ايفلين توماس، أفسحت المجال «للعراة» ذات يوم للحضور إلى الأستوديو حفاة عراة لشرح وجهة نظرهم، وكان مخرج البرنامج يخفي الأماكن من أجسادهم التي كانت غير مقبولة اجتماعياً، ويبدو أن المشتركين في البرنامج لم يقتنعوا بوجهة نظرهم، بل كان النفور يسيل من نظراتهم، ومن عيني العربية كمتفرجة. ولا أظن أن كوكب الأرض سيصير مكاناً لآلاف العراة كالقردة.
المرأة العربية في فرنسا قد ترتدي الحجاب (أي الكثير من المسلمات) ولكن نوادي العراة بذريعة الحرية الشخصية والمسابح الخاصة بهم تلقى تعاطفاً أكثر من التعاطف مع امرأة مسلمة اختارت الحجاب لا التعري. ولكن بعض العراة ينظرون إلينا ونحن نرتدي الثياب كما لو كنا قردة «بثياب»!
بين مقاهي العراة ومقاهي بيروت الأدبية!
في فرنسا الكثير من نوادي العراة كما ذكرت، مما ذكرني بالمقاهي الأدبية في بيروت، حيث يرتدي الأديبات والأدباء ثيابهم ويعرون أفكارهم. أذكر مقهى الهورس شو، مقابل موقع جريدة «النهار» القديم، ومقاهي «اكسبرس» و«الويمبي» و«مودكا» و«كافيه دو باري» و«الدورادو» هناك كنت تجد معظم أدباء لبنان (بكامل ثيابهم!).. واشتهر أيضاً يوم وصولي إلى بيروت لمتابعة دراسة الماجستير في الجامعة الأمريكية ومقابلها مقهى ومطعم (الأنكل سام) ومقهى ومطعم «فيصل» كما مقهى «إليسار» شارع بليس، وكلها مقابل الجامعة الأمريكية. وكان ثمة مقهى ومطعم «ايجلزفنت» على بعد خطوات من شارع بليس.
أما على شاطئ البحر فكنا نجد أيضاً مقاهي المثقفين والأدباء، كمقهى «دولشي فيتا» ومقابله مقهى «ديبلومات» وعلى شاطئ البحر مباشرة مطعم ومقهى «دبيبو» المطل على «صخرة الانتحار!» ومقهى «ماي فير» حيث كنت ألتقي وغسان كنفاني وكان قرب بيتي في الروشة، ومقاهي «الحاج داوود» وقهوة القزاز (أي الزجاج) ومقهى «تروبيكانا» «وذكرني بها نوادي التعري في فرنسا؛ لأن الأدباء كانوا يأتون إليها عراة من الأفكار المسبقة ويقولون صدق أفكارهم عارية من أي زيف ويتحاورون حولها.
اختر مائدتك للتعري فكرياً!
في مقهى (الدولشي فيتا) كانت هنالك مائدة المفكر الراحل منح الصلح، والحوار فيها جدّي، ومائدة (النديم) للساخرين، وتنتقي المائدة التي تروق لك ليلتها لشرب القهوة.
أما في مقهى «الديبلومات» فكنت تلتقي ببعض رجال السياسة والنواب والصحافيين، وهناك التقيت الصحافي الكبير أسعد المقدم، واصطحبني معه إلى موعده في مجلة (الأسبوع العربي) وكانت الأكثر مبيعاً. والتقيت يومها رئيس التحرير ياسر هواري، وصرت أكتب عموداً فيها، كما فعل فيما بعد الشاعر نزار قباني حين صار أسعد المقدم رئيساً للتحرير. وكنا جميعاً نرتدي ثيابنا لا كما في نوادي التعري الفرنسية، فتعرية الأفكار أكثر لفتاً للأنظار من تعرية الأجساد.. والكاتب يعري جسد دماغه!
ذكريات… ونوادي العراة!
تلك المقاهي اللبنانية أضحت ذكريات، أما نوادي العراة الفرنسية فتتجدد باستمرار ويتدفق عليها دم جديد من أفكار أخرى غربية يحب أهلها خلع ثيابهم كلها.. هذا ريثما كلها.. هذا ريثما يأتي الشتاء (ويهذبهم)!
بعيني العربية لم ترق لي يوماً «نوادي العراة» ولا مطاعمهم أو نواديهم، أما مقاهي بيروت الأدبية فقد طحنها الزمان والحروب اللبنانية، ولكنها تمضي وتتجدد.. فالعري الجسدي له موسم الصيف، أما العري الفكري فالأيام كلها مواسمه، والمقاهي كلها تتبدل أسماؤها دون أن تتبدل روحها، وهو الحوار الفكري العاري.
في عالمنا العربي عامة وفي بيروت، لاحظت أن حرية القول صارت ترتدي ثياب الصمت أحياناً، خوفاً من إيذاء كل من يعري أفكاره، بل وقد يكون الاغتيال هو الثمن الذي يدفعه.
ولن أدون قائمة الذين تم اغتيالهم أو نجوا من الاغتيال، أي أن نادي التعري الفكري اللبناني صار أحياناً يدفع الثمن غالياً. وأترك لكل قارئ تدوين قائمة الذين تم اغتيالهم في بيروت في الأعوام الأخيرة لأنهم تعروا فكرياً وقالوا الصدق كما يجدونه.