تفجيرات مرفأ بيروت: ضحايا بسمنة وضحايا بزيت!
في 4 آب/ أغسطس من 2020 شهدت العاصمة اللبنانية بيروت فاجعة إنسانية واقتصادية تمثلت في انفجار مرفأ المدينة الحيوي، الذي أطلق عليه مصطلح “بيروتشيما” تشبيهًا بما جرى لمدينة هيروشيما جراء الانفجار النووي.
لقد حدث الانفجار الضخم على مرحلتين، مما أدّى إلى أضرار كبيرة في المرفأ وتهشيم الواجهات الزجاجية للمباني والمنازل في معظم أحياء العاصمة اللبنانية.
وفقاً لموقع ويكبيديا فإن عدد القتلى تجاوز 209 أشخاص، وجرح ما يزيد على 6500 آخرين. كما أُعلن محافظ بيروت في حينه عن تضرّر مباشر لنحو 50 ألف وحدة سكنية. يومها قدرت الخسائر المادية الناجمة عن الانفجار ما بين 10 إلى 13 مليار دولار أمريكي، تضاف إلى إجمالي ديون لبنان التي تصل إلى 90 مليار دولار، وفقاً لبيانات الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي.
توقع المراقبون أن تسير عملية التحقيقات بشفافية عالية، لأن حجم الكارثة وتداعياتها يتطلب في حده الأدنى تنفيس الاحتقان في الشارع، وملاحقة شفافة للمسؤولين المتورطين والمتهاونين بحيوات الأبرياء. لكن رغم وعود القضاء اللبناني بتحقيقات تقنية وفنية تضمن عدم تمييع القضية لمصلحة الزواريب الطائفية والحزبية والتحالفات المشبوه، إلا أن ذلك لم يحصل حتى اليوم ونحن نقترب من اقفال سنة على التفجير المروع.
إن الأمر الذي يثير التساؤلات إزاء هذه القضية، ليس التأخر في التحقيقات وحسب، بل أيضاً العنصرية الفاقعة ضد الضحايا الأجانب الذين قضوا في التفجير، والتوظيف السياسي للحادثة المؤسفة طمعاً بحصد مكاسب حزبية.
لكن هذا السلوك ليس بغريب على “العهد القوي”، فهو صاحب الحصة الأكبر في التمثيل النيابي، الذي رغم مركزه الأساسي في السلطة لايزال يحتكر “المظلومية التاريخية”، وذلك تحت شعار “حماية المسيحيين”، مع العلم أن المسيحيين أنفسهم عانوا من ويلات هذا التيار أكثر من غيرهم.
موقع درج الالكتروني نشر قبل أيام خبراً جاء فيه أن تكتّل “لبنان القوي” النيابي التابع لرئيس الجمهورية ميشال عون يلاحق ضحايا تفجير مرفأ بيروت إلى القبور. هناك يفرزهم “عنصرياً” عبر اقتراح قانون قدمه النائب العوني جورج عطالله يستثني ذوي الضحايا غير اللبنانيين من التعويضات المقررة قانوناً لجميع الضحايا.
هكذا برر تصرفه متذرعاً بأن غير اللبنانيين لديهم بوليصات تأمين على حياتهم وأن بإمكان ذويهم الاستفادة من التأمين.
إن “المفكرة القانونية” وضعت هذا الاقتراح في خانة التمييز غير المبرّر الذي “يقرب من التمييز العنصري”، ودحضت بالأرقام مزاعم عطالله وتياره السياسي. إذ بلغ عدد الضحايا الأجانب في تفجير الرابع من آب/أغسطس 51، بينهم 30 من الجنسية السورية عدد منهم دخل لبنان بطريقة غير شرعية ولا يشملهم التأمين.
أحدهم بحّار قضى على إحدى البواخر الراسية في المرفأ ولم تكن أوراقه قانونية، وبالتالي لم يكن مشمولاً بالتأمين، فضلاً عن طفلتين أكد ذويهما لـ”المفكرة” أن لا تأمين لديهم. أما أهل الضحية الفلسطينية الوحيدة فأكدوا بدورهم أنّه لم يشملهم التأمين.
ضحايا المرفأ وفقاً لـ “موقع درج” كانوا من 8 جنسيات بينهم عمال من بنغلادش واثيوبيا أيضاً، لكنهم جميعاً استثنوا من التعويضات بفضل مشروع القانون.
أما اذا ما تم التصديق على اقتراح النائب العوني جورج عطالله فسيصبح حينها القول إن هناك “ضحايا” بسمنة هم “أهل البلد”، الذين يحتضرون هذه الأيام، وضحايا بزيت هم الأجانب واللاجئون الفارون من بلادهم بحثاً عن الأمان.
هذه الجرأة الفجة في التمييز ضد الأجانب ستكون لها عواقب وخيمة على المستقبل اللبناني، ما لم يتم تطوير قوانين وتشريعات تكفل فكرة العدالة والمساواة والحقوق للجميع أمام القانون، دون النظر إلى خلفياتهم المذهبية والطائفية التي كرسها النظام المحكوم بالتوازنات والمصالح البغيضة بين رموز المافيا والميليشيا والسلاح.
لا دواء في العهد القوي
انتشر منذ أيام وبصورة غير مسبوقة على وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات العربية من بينها “بي بي سي” عربي، فيديو أقل ما يقال عنه إنه مأساوي ومدمّر.
بطل هذا الفيديو أب من مدينة طرابلس الشمالية، فقد أعصابه بعد أن لف صيدليات العاصمة كلها بحثاً عن بنادول الأطفال لطفلته، التي لم تنخفض حرارتها عن الأربعين درجة لمدة أسبوع كامل.
أب فقد الأمل في الحياة وكاد أن يفقد عقله.. لا دواء في المدينة. ومن يمرض من المواطنين فليمت دون إحداث ضجة يقلق بها راحة المسؤولين، الذين “أفنوا” أنفسهم في سبيل الوطن!
ولكن المريضة هذه المرة طفلة صغيرة جداً ولا تقدر تعب الطبقة الحاكمة، ولا تعرف كيف تضبط دموعها أو تتعالى على أوجاعها.
بكت بصوت لم يؤثر إلا بوالديها :
أم جلست إلى جانبها تتقطع على وجعها وأب خرج بسرعة ليحضر لها الدواء.
وحين لم يجده لم يحتمل شعوره بالعجز. ركن سيارته وخرج منها وهو يصرخ بأعلى صوته ويبكي بحرقة:
أريد دواءً لابنتي الصغيرة.. معي فلوس ولكن ينقصني الدواء. لقد وصل وزن ابنتي لثلاثة كيلو غرامات ونصف. وجفّ جسدها!
إلى أين أوصلنا العهد القوي؟ ماذا بعد؟
لقد تعدينا مرحلة الخوف من المرض وفوبيا سعره لنصل إلى مرحلة الرعب من عدم ايجاد الدواء.
أوصلتنا الطبقة السياسية إلى مرحلة لا نخشى فيها المرض، لأنه قد ينهي حياتنا بل نخشاه لأن معظمنا وببساطة شديدة لا يحمل في جيبه أربعة ملايين ليرة لبنانية كلفة ليلة واحدة في العناية الفائقة. نخشاه لأن سعر الأدوية تخطى الملايين، وهذا طبعاً إن وجدت تلك الأدوية لأنها وفي معظمها مفقودة.
لبنان يتخبط داخل أزمات متعددة: أزمة أدوية وأزمة وقود وأزمة كهرباء وأزمة خبز!
وما زالت الطبقة السياسية هي هي. وما زال هناك من يدافع عن زعماء الفساد وقياداته.
لبناننا ضاع، وضعنا معه، وما من أمل بفرج ولا حتى بعيد.