مآثر:ستالين–بيريا ومفوضية(المسوخ)للشؤون الداخلية!
أحمد أبو شيبه .
“لا احد يتخلى عن السلطة طوعا.مهما كان الانسان المتربع على العرش طيبا ومتسامحا،الا انه يشكل خطرا دائما،لانه يستطيع استخدامالسلطة لاهداف شريرة“..
–سالوستيوس–
لن نسترسل في السرد والحديث عن كل مآثر وانجازات ستالين ووحوش مزرعته!.فهذا الامر يحتاج لمئات الاوراق،حتى نغطي جانبا مناعماله الباهرة في ترويض وتقويم الشعب السوفييتي،وسوقه بالسلاسل الى الامام صوب(اشتراكيت“ه“)المزعومة!.بل ستكون جولة لتقليبالصفحات الملطخة بالدم من تاريخ الاتحاد السوفييتي،حقبة ستالين ابان التطهيرات والتصفيات والتنكيل،ووقفة للتمعن والتأمل فيها كعبرةودرس،وحتى لاتتكرر تلك التجربة المرة والمدمرة. مرة اخرى..
ذلك الصعود السلطوي لرجل لم يقرأ ماركس يوما،ومسخ وشوه افكار لينين وهو يتصور انه الاكثر امانة ووفاءا لفكره!فهو لم يكن اكثر من“رجل دولة من الطراز الشرقي الاسيوي“كما وصفه بيرداييف،تسلق هرم السلطة في غفلة من التاريخ،وقاد البلاد الى منعطف مغلق بقرابينمن الضحايا دون ان يرف له جفن،او يهتز له ضمير..
بعد اغتيال كيروف،تضخمت هواجس ستالين باحتمال تعرض حياته لخطر الاغتيال،والذي لم يكن سوى وهما،فليس في الوثائق ما يؤكد وجودمحاولات للاغتيال،ولكن جهازه الامني كان يعزز ذلك الهاجس،والذي تحول الى رهاب،من خلال التقارير التي كانت تصله،فقد كتب له اورليخ:
“الى سكرتير اللجنة المركزية الرفيق ستالين
في16كانون الاول(ديسمبر)من هذا العام،اصدرت الهيئة العسكرية للمحكمة العليا للاتحاد السوفييتي حكما في قضية مجموعة منالجواسيس والارهابين الذين كانوا يعدون لعمل ارهابي في الساحة الحمراء في7/11/1935 بتكليف من المانيا.حكم بالاعدام فريمان وشوروبيفزنير وليفينسكي“..
بعد تقرير كهذا،ستتضاعف حتما خشية ستالين على حياته،وسيشدد من قبضته،ويرفع من وتيرة القمع،ونشر الارهاب البوليسي على نطاقواسع..
وبدلا من مقارعة خصومه الايديولوجيين داخل الحزب فكريا وبالحجة المنطقية،لجأ الى تلفيق التهم ضدهم واعدامهم بدم بارد،ونفي عوائلهمالى معسكرات الاعتقال الرهيبة حيث قاسوا من الجوع والبرد والسخرة باعمال شاقة!.
واعلن ان البلاد تتجه لبناء:“مجتمع اشتراكي غير طبقي“!!ومن ثم استنتج ك“منظر“:ان تحقيق ذلك ممكن،ولكن فقط:“من خلال تعزيز اجهزةديكتاتورية البروليتاريا،ومن خلال مفاقمة الصراع الطبقي“!.
ونحن نعرف جيدا معنى“تعزيز“الاجهزة،و“مفاقمة“الصراع الطبقي“!.وكان من نتائج ترجمة هذا الاحتدام للصراع الطبقيالستاليني،وتنشيط وتفعيل“ديكتاتوريت“ه” البروليتارية“!ان اصبح الحزب بعد المؤتمر السابع عشر،خاليا من تلك النواة القياديةالبلشفية،التي كانت موجودة قبل عشر سنوات(اي في المؤتمر الثالث عشر للحزب)وفي المكتب السياسي،ولم يعد في الحزب من القياداتالسابقة سوى ستالين وحده لاشريك له!.فقد تبخرت وفنت تلك النواة الحزبية المحترفة كهشيم في محاكمات موسكو المأساوية مابينعام1936و1939حيث تعرض جميع اعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي ورفاق لينين للقتل من خلال المحاكمات الصوريةالهزليةة،وباستثناء من انتحروا،ومن دخل لبيت الطاعة الستاليني واصبح مهرجا وهتافا لستالين!!،(محاكمةال16(زينوفييف،وكامنييف،وسميرنوف،الخ)ومحاكمةال17(رادك،بيتاكوف،سوكولينكوف،الخ)“والمحاكمة العسكرية السرية“لماريشالاتالجيش الاحمر(توخاتيشفسكي ورفاقه)ومحاكمة ال21(بوخارين،وريكوف،وراكوفسكي،الخ)!.
وكانت تهم الجميع هي الجرائم المزعومة اياها:ك“اعداء للشعب“وضد الثورة،والعمالة والتجسس للفاشية!.كما جرى لليعاقبة اخلص الثوار فيحقبة الترميدور،فقد اتهموا هم ايضا بالعمالة لانكلترا!!.باستثناء من انتحروا،ومن دخل لبيت الطاعة الستاليني واصبح مهرجا وهتافا له!!.
كان ستالين محقا في تشخيصه وتحليله السياسي والاقتصادي لتفاقم الصراع الطبقي داخل المجتمع وبالاخص داخل الحزب،وبعدانتصاره في صراعه الطبقي وديكتاتوريته البروليتارية، التي افرغت الحزب من المع وانبل واخلص البلاشفة،بتلك الحجج السقيمة،وتسويغالتسلطه وهيمنته على القرار بمعونة شريحته البيروقراطية التي كانت تدعمه للحفاظ على امتيازاتها وحياتها المرفهة على حساب جوع الملايينمن الكادحين..
ففي اجتماع اللجنة المركزية تشرين الاول(اكتوبر)1937 ابعد24 عضوا وعضوا مرشحا من تشكيلة تلك اللجنة!كلهم بلا استثناء كانوا بلاشفةومناضلين قدماء في صفوف الحزب،تلك الكوادر التي لاتعوض،وكانت جزءا مهما وفاعلا في بنية الحزب،وسموا ظلما ك“اعداء الشعب“!وكانمصيرهم كالعادة تراجيديا.وستالين لم يكتفي بابادتهم فحسب،بل كان لابد من شطب تاريخهم الكفاحي الثوري بوحل الخيانة والعمالة،حتىيبرر تصفيتهم قانونيا وسياسيا..
وفي اجتماع كانون الاول(ديسمبر)1937اقر بالتصويت القرار التالي:“اعتمادا على معلومات دامغة،يقر اجتماع اللجنة المركزية بانه منالضروري طردهم من عضوية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي،واعتقالهم ك“اعداء للشعب“،وهم:باومان،وبنوف،فقد تبين انهمجواسيس للالمان وعملاء للحرس القيصري،وميخائيلوف،وريكوف،ولهم علاقات باعمال الثورة المضادة“!.وكتب ستالين بخط يده علىالقرار:“كل تلك الشخصيات اعترفت بأنها مذنبة“!.
–من الجدير بالاشارة الى جميع الذين اعدموا،لم يتوفر ضدهم اي دليل مادي ملموس،او وثيقة دامغة تدينهم فعلا،فقط اعترافات،واعترافاتعلى اعترافات!
فنتيجة لوشاية خصم او تبليغ مخبر مغرض،وغيرها من وسائل تجيدها الاجهزة القمعية البوليسية،والتي تقود الى شبكة من الاعترافاتالمتسلسلة،تبدأ بالاضعف حتى نهاية الهدف المطلوب!.وليس هناك من حاجة لذكر كيفية واساليب انتزاع تلك الاعترافات،حيث يكون المعترفجاهزا حتى للاعتراف بانه شارك في صلب المسيح!!.فانتزاع الاعترافات كان يتم باقصى درجات الحسنى،ومنتهى الاحترام لكرامة وحقوقالمتهمين!.فجميع الجلادين كانوا ملائكة وفي منتهى الرقة والالتزام الصارم بالقوانين الوضعية والاخلاقية في معاملة المعتقلين!!..
وفي الاجتماع العام للجنة المركزية للحزب شباط(فبراير)1937قرأ كاغانوفيتش مفوض ستالين للطرق والمواصلات تقريره الطويل،والذي وردفيه:“لقد اكتشفنا في الجهاز السياسي في مفوضية الشعب للطرق والمواصلات220عدوا،وفي المواصلات طردنا485من الجندرمةالسابقةو220اشتراكيا ثورياو572تروتسكياو385مخرباو443جاسوساو1415ضابطا ابيض وجميعهم مرتبطون بحركة الثورة المضادة“!!.كلهؤلاء الاعداء للشعب المكتشفون في مفوضية واحدة،فكم ياترى عددهم في المفوضيات الاخرى؟!..
في نهاية عام1938لم يعد هناك مرشحون للمراكز القيادية لسد النقص الحاصل من الابادة الجماعية للكوادر القيادية داخل الحزب!!.
فمن بين139عضوا وعضوا مرشحا في اللجنة المركزية،والذين انتخبوا في المؤتمر السابع عشر للحزب،97شخصا،اي70%منهم اعتقلوابينعامي1937 و1938واعدموا!!.ولم يكن هذا مصير الاغلبية من اعضاء اللجنة المركزية،فقط،بل كان نصيب القسم الاكبر والاساسي منمندوبي المؤتمر السابع عشر،الذين يحق لهم التصويت،ال1225اعتقل1108اعدم اغلبهم،والبقيةتمتعوا بنزهة معسكرات الاعتقال لبقيةحياتهم!وهم من خيرة البلاشفة،والاكثر ثورية وصلابة،بما لايقاس مع الطغمة التي تحيط بستالين،فهم من مدرسة لينين والنضال السريوالانتفاضة والحرب الاهلية،ومنذعام1920،ولكن ستالين لم ينسى انه في ذلك المؤتمر صوت ضده 300لصالح كيروف!من هم؟!لايهم ذلكستالين ،فالمهم انه لايغفر!.
فكل واحد من اعضاء المؤتمر كان يشكل عدوا كامنا وخفيا له،ومن الحكمة ابادتهم!!.
اصبحت لجان القيادات في الجمهوريات والمناطق والمقاطعات فقيرة وهزيلة في كوادرها بعد المجازر والتطهيرات،فقد كانت بدون هيئاتقيادية مسؤولة كفوءة،فكل السكرتاريات الحزبية للجان وقعوا في قبضة كاهن ستالين يوجوف المسعور وتم اعدامهم!.
في عام1938 اقترح ستالين في اجتماع للجنة المركزية للحزب القيام ب“التحقق“من مسؤول الدعاية،ومسؤول قسم النشر،ومسؤول قسمالزراعة،ومسؤول قسم العلوم،والمسؤول عن لجنة المراقبة الحزبية،وعشرات غيرهم!_فهل بقي شخصا خارج دائرة “التحقق“المميتة؟!اشكبذلك!_
هذا التحقق الذي كان جاهزا لانجازه وانجزه بكفاءة واقتدار ،وكسب رضى ستالين هو المسخ البشري كاهن العذاب والموت“مسؤول محاكمالتفتيش“بيريا!وارسل الجميع الى حتفهم!!.
في المؤتمر العشرين للحزب قال خروشوف:“في عامي1937و1938بعث يوجوف لستالين383قائمة بأسماء آلاف كثيرة من اعضاء الحزبوالمجالس والشبيبة والجيش والعاملين في الاقتصاد،وكلها ثبتت من قبل ستالين.لااعتقد ان ستالين توقف عند القوائم تلك فعددها كاناكثر“!.وكانت الموافقة والتوقيع من قبل الكاهن الاكبر تتم بسرعة ودون تمحيص او تدقيق لترسل تلك الجموع الى العالم السفلي،ولكن عملياتالاعدام كانت تجري بموافقات غير ستالين ايضا ومن قبل القادة الاخرين في محفله،وخلفاءه القتلة،فالكثير من الوثاق التي تدين من اعقبستالين في السلطة، اختفت بعد المؤتمر العشرين!!.
“تعلم تقدير الناس،وتقدير الكادر،ووو“غيرها من المواعظ والتعاليم والتوجيهات الجوفاء والميتة،و التي يتشدق بها وتخرج من فم كاهنالكرملين الاكبر كانت مجرد جعجعة بلاطحين.