الراحل ميثم الجنابي: الغزارة النوعية للعقل النقدي التقدمي المستقل.. وداعا!
علاء اللامي
رحل عن عالمنا يوم أمس الباحث العراقي المتميز د. ميثم الجنابي، بعد تدهور صحته في الأيام الأخيرة إثر إصابته بفيروس كورونا. هنا تعريف سريع بالراحل ومنجزه الفكري:
في تعريفه بكتاب “الإمام علي – القوة والمثال” وبمؤلِفهِ، المنشور على الغلاف الثاني للكتاب، يكتب الراحل هادي العلوي: “من هذه الساحة الواسعة – ساحة الصراع بين الحكم والمعارضة في التراث العربي الإسلامي ع.ل – لميثم الجنابي جولات في تاريخنا السياسي والثقافي تضعه في طليعة المريدين الشجعان الذين أمسكوا دفة التاريخ بأيديهم في وقت مبكر من نموهم الفكري فاستوعبوه بعمق النظر ودقة المنهج وشرف القصد. والضابط لهذا كله عند ميثم استقلالية الباحث الذي لا يكتب داخل التوازنات، ولا يتوخى إرضاء قرائه بقدر ما يسعى إلى استفزازهم وحملهم على التفكير خارج المسلمات الاعتقادية حتى يتوصلوا إلى تقييم عادل لتاريخهم وأبطالهم”.
أعتقد أن العلوي لخص في سطور قليلة كل ما يمكن قوله بصدد ميثم المنظّر والباحث النقدي التقدمي المستقل في ميادين التاريخ والفلسفة وتاريخ الفلسفة وفلسفة التاريخ والفكر والسياسة والتراث، بصوته الأصيل والخاص والذي لا يساوم على مضامينه وأسلوبه الكتابي المتفرد الذي ينأى عن التبسيط المحاذي للتسطيح على حساب الفكرة بهدف إرضاء القارئ – كما لاحظ العلوي في تعريفه آنف الذكر- فهو لا يقيم كبير اعتبار لشهرة ورواج عابرين، تميز بزهد نادر بهما في الوسط الثقافي العراقي، فقد كان يتهرب من الأضواء الإعلامية والوجاهة والمديح و”البضائع” الأخرى التي يلهث خلفها أغلب المثقفين وأشباه المثقفين هروب الجواد الأصيل من الأعنة.
وفي مراسلاتي القليلة مع الراحل – إذ لم أتعرف عليه مباشرة ووجها لوجه، وهي الحالة نفسها مع معلمنا ورفيقنا هادي العلوي – تعرفت على جانب آخر من جوانب شخصية الراحل الجانبي؛ فثمة التواضع الجم والزهد الطبيعي لا المفتعل والنأي عن الأنا وعن الانشغال بالذات، بل ثمة تركيز على عناوين الحديث وجوهره واحترام عميق لعقل الآخر دون مجاملات ومساومات.
ثمة صفة نادرة أخرى تميز بها الراحل وهي الغزارة والنوعية الرفيعة في كل ما أنتج من تراث فكري ضخم ورفيع في ميادين متقاربة كالفلسفة والتاريخ والسياسة والتراث. وأزعم أن من الصعوبة أن يجمع باحث هاتين الميزتين معا، أي الغزارة في الإنتاج البحثي حيث ظل يكتب حتى أيام مرضه الأخيرة ولم يتوقف عن الكتابة إلا حين فقد القدرة الجسدية تماما على الحركة، وقد تلازم ذلك الروح الكفاحي لديه مع قدرة نادرة على تقديم الجديد والمتطور والمفاجئ وعلى استيلاد الأفكار والأسئلة الثقيلة المنتجة ووضعها في نسق منهجي تفرد به، ولا تكاد هذه الميزة تغيب عن جميع مؤلفاته وهي بالعشرات وبعضها كتب تأسيسية ومرجعية في بابها النظري.
وفي كتبه عن العراق، والتي اطلعت عليها فقد كان يحرص على إهدائي نسخا منها وخصوصا في كتابيه المهمين “العراق ورهان المستقبل” و “العراق ومعاصرة المستقبل”، يقدم الراحل فتوحا نظرية وقراءات نقدية غنية ومُغْنية، بلغة أنيقة منتقاة وأسلوب سلس يحاول قدر الإمكان التخفيف من وطأة التعقيد الأكاديمي الموروث من احترافه لتدريس الفلسفة والكتابة فيها، ولكن دون السقوط في التبسيط والتسطيح كما أسلفت. وسواء كنتَ تختلف أو تتفق مع ما يطرحه الراحل من أفكار فأنت تخرج من تجربتك في قراءة كتبه بالمزيد من الوعي بالموضوع المبحوث وبالكثير من المعلومات التي كنت تجهلها أو تعرف عنها القليل أو الغامض.
على أن قراءة نثر الراحل الجنابي والتآلف مع أسلوبه التعبيري يحتاجان إلى نوع من الدربة والتعود وربما كان هذا الأمر واحدا من أسباب عدم اتساع دائرة كتاباته وتنظيراته وبطء انتشارها جماهيريا في ميادينها، رغم أن هذا الواقع لم يؤثر قط على مستوى انتاجه الفكري كما ونوعا.
رحل ميثم الجنابي باكرا، وبرحيله توقف ينبوع ثقافي وفكري أصيل عن رفد المكتبة العربية والعالمية بنصوص ملهمة وأصيلة وجديدة وتأسيسية، ولكننا قد نجد بعض العزاء في ضخامة التراث المكتوب المنشور الذي خلَّفه لنا وكأنه في رهانه على المستقبل يرهن الماضي “المنجز” ومعه الحاضر كله بغية مقاربة واكتناه الحق والحقيقة والسير باتجاههما وباتجاه المستقبل سيرا وئيدا وأكيدا وواثقا بالمستقبل ذاته.
كان الراحل حين يكتب عن العراق، يفيض من نثره الشغف والحب الممتزجان باللوعة الشخصية على ما آل إليه العراق قبل وبعد الغزو الأميركي.. ها هو – مثلا – يبدأ مقدمة كتابه الضخم “العراق ورهان المستقبل” بالكلمات التالية منذ السطر الأول (عندما قيل لأحد المتصوفة “من أي شيء هذه الآه؟، أجاب “من كل شيء!”؛ وهو وصف يمكن تطبيقه على بقايا العراق ولسان حاله الواقعي. فعندما ننظر إليه فإنه يبدو كياناً يتأوه بين تاريخه الواقعي وفرضيات المستقبل/ ص7). وفي السطور الأخيرة من هذا الكتاب يودعك الجنابي بالوصية الحزينة المشوبة بالأمل والإصرار الكفاحي عليه فيكتب (في هذا الانتقال – من سيادة الحدود إلى سيادة القانون – يمكن للروح العراقي التمتع الفعلي بما يمكن دعوته بسيادة الأمل الدائم. وهي سيادة تفترض على الدوام العيش حسب قواعد الفلسفة العقلانية لمواجهة النفس، وتأمل التاريخ الذاتي، وتأسيس البدائل الواقعية للإشكالات التي يواجهها العراق. آنذاك فقط يمكن لتموز والسيادة أن يلتقيا ويتداخلا بوصفهما مصيرا في ضمير العراقيين وعقولهم وأفئدتهم، ورمزا عن وحدة الحرية والسؤدد في العراق/ ص390).
وداعا أيها العقل الحر المتألق والمتوحد مع معقولاته من أجل الإنسان وقضاياه،
وداعا ميثم الجنابي!
ولا قرتْ أعينُ المتثاقفين المتاجرين بالكلمة والمعنى والمشتغلين في مؤسسات دولة الفساد والرداءة.
وتعسا لدولة الجهل والرثاثة واللصوصية التي تفرط بأمثال الجنابي وتتجاهلهم أو تجهلهم وهو الأرجح، ولكنها تزخرف مؤسساتها بحثالات المتزلفين.
أدناه عناوين غالبية مؤلفاته:
1. التراجيديا السياسية للطوباوية الثورية. دار الأهالي، دمشق، 1990.
2. علم الملل والنحل . ثقافة التقييم والأحكام. دار عيبال، دمشق. 1994.
3. الإمام علي بن أبي طلب- القوة والمثال. دار المدى، دمشق – بيروت . 1995. قدم له على غلافه الثاني الراحل هادي العلوي.
4. التالف اللاهوتي الفلسفي الصوفي (أربعة أجزاء) ، دار المدى، دمشق – بيروت 1998.
5. “الإسلام السياسي” في روسيا، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض، 1999.
6. الغزالي. دار ادوين ميلين بريس، نيويورك، 2000 (بالروسية)
7. الإسلام السياسي في جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض، 2001
8. روسيا – نهاية الثورة؟، دار المدى، دمشق، 2001.
9. حكمة الروح الصوفي (جزءان)، دار المدى،دمشق، 2001.
10. اليهودية الصهيونية في روسيا وآفاق الصراع العربي اليهودي، دار العلم، دمشق، 2003
11. الإسلام في أور آسيا، دار المدى، دمشق، 2003
12. العراق ومعاصرة المستقبل، دار المدى، دمشق، 2004
13. اليهودية الصهيونية وحقيقة البروتوكولات، دار الحصاد، دمشق، 2005
14. العراق ورهان المستقبل، دار المدى،دمشق، 2006.
15. الحضارة الإسلامية – روح الاعتدال واليقين (ج1)، دمشق، 2006
16. جنون الإرهاب المقدس، بغداد 2006.
17. المختار الثقفي – فروسية التوبة والثأر، دار ميزوبوتاميا، بغداد 2007.
18. أشجان وأوزان الهوية العراقية، دار ميزوبوتاميا، بغداد، 2007,
19. فلسفة الثقافة البديلة، دار ميزوبوتاميا، بغداد، 2007,
20. العراق والمستقبل – زمن الانحطاط وتاريخ البدائل، دار ميزوبوتاميا، بغداد، 2008.
21. هادي العلوي-المثقف المتمرد، دار ميزوبوتاميا، بغداد، 2009.
22. حوار البدائل، دار ميزوبوتاميا، بغداد، 2010
23. التوتاليتارية العراقية- تشريح الظاهرة الصدامية، دار ميزوبوتاميا، بغداد، 2010
24. فلسفة المستقبل العراقي، دار الكتاب الجامعي، العين- الإمارات العربية المتحدة، 2010.
25. الفلسفة واللاهوت عند الغزالي،دار المرجاني، موسكو، 2010، (بالروسية)
26. فلسفة الهوية الوطنية، دار ميزوبوتاميا، بغداد، 2012
27. الحركة الصدرية ولغز المستقبل، دار ميزوبوتاميا، بغداد، 2012
28. ثورة “الربيع العربي” (فلسفة الزمن والتاريخ في الثورة العربية)، دار ميزوبوتاميا، بغداد، 2013
29. فلسفة الإصلاحية الإسلامية الحديثة، دار صدره، موسكو، 2014 (بالروسية)
30. الإسلام: حضارة وثقافة وسياسة، دار صدره، موسكو 2015، (بالروسية)
31. المركزية الإسلامية الحديثة – الظاهرة الإسلامية. كيولن، ألمانيا 2016، (بالروسية)
32. فلسفة البدائل الثقافية (البحث عن مرجعية الفكرة العربية)، دار ميزوبوتاميا، بغداد،2018
33. الفكرة الإصلاحية الإسلامية الحديثة، دار ميزوبوتاميا، بغداد،2018
34. العقلانية واللاعقلانية في الفكر العربي الحديث، دار ميزوبوتاميا، بغداد،2018
35. الفكرة الإسلامية المعاصرة وآفاقها، دار ميزوبوتاميا، بغداد،2018
36. فلسفة الفكرة القومية العربية الحديثة، دار ميزوبوتاميا، بغداد،2018
37. التآلف اللاهوتي الفلسفي الصوفي عند الغزالي، مطبعة الجامعة الروسية، موسكو، 2018(بالروسية)
38. تأملات حول الحضارة الإسلامية، دار العارف، بيروت، 2018
39. الزمن والتاريخ (نقد الراديكالية والأوهام “المقدسة”.)، دار العارف، بيروت، 2018
40. محمد – رسول الإرادة، دار العارف، بيروت، 2018
41. الأشباح والأرواح (تجارب المثقفين والسلطة)، المركز الاكاديمي للأبحاث(العراق-تورونتو – كندا) بيروت 2019.
42. الاستشراق والاستعراب الروسي (المرحلة التأسيسية)، المركز الاكاديمي للأبحاث(العراق-تورونتو – كندا) بيروت 2019.