كاظم حبيب
مقاطعة الحزب الشيوعي العراقي للانتخابات المبكرة … فما العمل ؟
وأخيراً حسم الحزب الشيوعي العراقي موقفه السياسي من الانتخابات النيابية القادمة بمقاطعتها ، في ضوء بيان اللجنة المركزية بتاريخ 24/07/2021 عارضاً ، برؤية تحليلية واقعية وموضوعية ، مجرى الأحداث منذ عام 2003 حتى الوقت الحاضر ، كاشفاً عن أوضاع البلاد المتزايدة تعقيداً وتردياً وإساءة للمجتمع واحتكاراً وتهميشاً للدولة ومؤسساتها ، وتجاوزاً فظاً مستمراً على الدستور وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية ، ومحدداً بوضوح العواقب التدميرية التي نتجت عن وجود نظام سياسي طائفي محاصصي فاسد وتابع ما انفك يمارس عمليات انتخابية نيابية فاسدة ومزيفة وغير عادلة ، ألحقت أفدح الكوارث والمآسي والموت والاحتلال بالشعب وشوهت إرادته وغيبت مصالحه وضيعت مستقبل أبناءه وبناته ، وهمشت استقلال وسيادة الوطن . وإذ عجزت قيادة الحزب عن حسم الصراع الدائر منذ سنوات في الموقف من العملية السياسية الفاسدة برمتها والجارية في العراق ، كما حَسَمَ الاستفتاء الحزبي الموقف من خوض العملية الانتخابية القادمة أو مقاطعتها لصالح الموقف الأكثر نضجاً ووعياً بما جرى ويجري في البلاد داخل اللجنة المركزية ومكتبها السياسي . لقد حسمت القاعدة الحزبية ومن هم حولها عملياً في الداخل والخارج الموقف لصالح المقاطعة في استفتاء نادراً ما استخدمته قيادة الحزب الشيوعي العراقي .
أرى بأن قرار مقاطعة الانتخابات القادمة الذي اتخذته اللجنة المركزية في ضوء الاستفتاء صائباً وأنهى فترة من التشوش والتردد والقلق والتخبط ، والخلاص من وهَمْ القدرة على التغيير من خلال العملية السياسية الفاسدة الجارية ، حين أشار القرار إلى أن هذا الموقف لا يعبر عن رأي القاعدة الحزبية فحسب، بل وعن رأي ومزاج الجماهير الواسعة في العراق من العملية الانتخابية التي ما كانت يوماً خلال السنوات المنصرمة نظيفة ولا نزيهة ولا عادلة بأي حال. لقد كانت القاعدة الحزبية باحتكاكها المباشر بالجماهير ومعاناتها المباشرة مدركة عدة دروس جوهرية:
- على الحزب في نضاله اليومي أن يأخذ بنظر الاعتبار كل تجارب ودروس العقود المنصرمة ، لاسيما السنوات الأخيرة ، في مجال التحالفات الاجتماعية والسياسية في مواجهة كل أنواع القوى الظلامية التي أغرقت البلاد بالمحاصصة الطائفية المذلة والفساد السائد والدمار الواسع والرثاثة المميتة ؛
- وأن يدرك بأن القوى الطائفية لا يمكنها أن تتحول إلى قوى تلتزم بمبدأ المواطنة الحرة والمتساوية أولاً ، وأن قوى الفساد الحاكمة لا يمكنها محاربة الفساد الذي أصبح نظاماً سائداً ومعمولاً به بفضل وجودها على رأس الدولة بسلطاتها الثلاث ثانياً ؛
- وأن العراق بحاجة إلى عملية تغيير جذرية لا يمكن إنجازها إلا عبر وحدة القوى المدنية الوطنية والديمقراطية الواسعة ، في شارع عريض يضم كل القوى المدنية والوطنية واللبرالية والديمقراطية الرافضة لنظام المحاصصة الطائفية والفساد والتبعية .
- وأن الوصول إلى التغيير السلمي المنشود يستوجب تعبئة واسعة ومضنية لكل الفئات الاجتماعية ذات المصلحة الحقيقية في التغيير الجذري ، وتحريك تلك الفئات الصامتة حتى الآن بفعل عوامل كثيرة ، منها التضليل الديني أو العشائري الذي تمارسه الأحزاب والإسلامية السياسية الطائفية ، شيعية وسنية ، وشيوخ دين متخلفين وقوى رجعية مستفيدة من الأوضاع المزرية القائمة ، بهدف تغيير ميزان القوى في النضال السلمي الجاري منذ سنوات والذي تجلى بوضوح كبير في انتفاضة تشرين الأول 2019 ؛
- وأن عملية تغيير ميزان القوى يستوجب برنامجاً وطنياً وديمقراطياً واقعياً يسهم في إقناع المزيد من بنات وأبناء الشعب بضرورة النضال لإنجازه والذي لن يتم إلا بمشاركتها الواعية والفاعلة والمتسعة .
من المعروف عالمياً بأن الانتخابات تعتبر أداة واحدة من بين أدوات كثيرة في النضال من أجل إقامة حياة حرة وديمقراطية وعادلة ، وأن مقاطعتها لا يعني التخلي عن مبدأ الانتخابات العامة ، بل يعني ويؤكد بأن قوى الإسلام السياسي الحاكمة وكل القوى التي تقف معها ضد أي تغيير منشود وضد ممارسة الحياة الديمقراطية بمضامينها وأدواتها المختلفة ، بل لكي يتم فضح رفض هذه القوى مكافحة الفساد وتقديم كبار الفاسدين للعدالة وهم يوجهون السياسة والحكم في البلاد أيضاً ، وضد تقديم قلتة المتظاهرين والنشطاء الذين اغتالتهم الأيدي الجبانة ومن يقف خلفها إلى المحاكمة العادلة، وضد نزع سلاح وحل جميع الميليشيات الطائفية المسلحة العاملة بشكل منفرد او أعضاء في الحشد الشعبي ، الذي يشكل اليوم جيشاً (حصان طروادة إيراني أساساً) مناهضاً للقوات المسلحة العراقية والدستور العراقي وإرادة ومصالح الشعب العراقي . ومن هنا فأن مقاطعة الانتخابات ليست كما حاول الزميل الأستاذ الدكتور عامر حسن فياض تصويره لنا ، مبتعداً بذلك عن كل تجارب مقاطعة الانتخابات في دول العالم ولأسباب كثيرة وعلى مدى عقود كثيرة بقوله “في عالمنا المعاصر ما عادت الانتخابات خياراً بين مجموعة خيارات ، بل أصبحت الخيار الوحيد لمن يريد أن يمارس السياسة الحقة.”، كما جاء في مقاله الموسوم “أفكار بين شقي الرحى سؤال مقاطعة الانتخابات” . هل حقاً هذا كلام لأستاذ جامعي يدّرس علم السياسة في الجامعات العراقية وعميد كلة العلوم السياسية في جامعة النهرين ويحتل موقعاً بارزاً في حزب التيار الاجتماعي الديمقراطي العراقي الذي أحترمه واقدر نضال هذا الحزب الصديق . والزميل فياض لا يكتفي بذلك بل يعمق غوصه في الإساءة لمن يقاطع الانتخابات التي يراد لها أن تجري في العرق في أكتوبر القادم بقوله : ” إن من يعرف أنه سيفشل في الانتخابات يقدم تبريرات لا تخدم سوى خصوم الديمقراطية الذين بعضهم لا تروق له سوى الفوضى ، ولبعضهم الآخر إعجاب بالانقلابات وبعضهم الثالث يقتنص فرصة مقاطعة الانتخابات لتبني نهج الانتخابات والمراهنة على حصد نتائجها بالتزوير وبقوة المال والسلاح.”. في هذا المقطع القصير يؤكد الدكتور فياض جملة من الأفكار التي لا يمكن أن تعبر عن وعي بما جرى ويجري في العراق ، بما في ذلك انتفاضة تشرين الأول 2019 ، فهو يرى :
** بأن لا خيار لأي حزب أو قوة سياسية غير خوض الانتخابات ، وهي مخالفة فظة لعلم السياسية والحياة السياسية عموماً والعراق خصوصاً ،
** وهو يرى بأن مقاطعة الانتخابات تخدم خصوم الديمقراطية، وبالتالي فهو يعتقد بأن العراق يعيش حياة ديمقراطية ، وليس فيها ما يلحق أفدح الأضرار بالحياة الديمقراطية ويلغيها أصلاً ،
** وهو لا يرى وجود فوضى سائدة في العراق ، وكأنه ينعم بالحريات العامة وبعيداً عن الفوضى ، بل يعتبر إن مقاطعة الانتخابات ستتسبب بالفوضى! ،
وأن مقاطعة الانتخابات ستسمح بانتصار من يستخدم المال والسلاح ، وكأن المشاركة فيها سيمنع من استخدام المال الفاسد والسلاح المنفلت السائدين !
** وأن من يرفض الانتخابات يعوَّل على الانقلابات !
فهل مثل هذا المنطق ، إن كان فيه أي منطق ، يصمد أمام وقائع الحياة السياسية اليومية في العراق!
ما كان بودي أن يقع الزميل فياض في مثل هذا المطبّ الكبير وبهذه الصورة المخلة ، كما أرى ، إلا أن المسألة ، كما يبدو ، ليست مطبّاً بالنسبة للزميل فياض ، بل يعبر عن موقفٍ فكريٍ وسياسيٍ التزم به طيلة حياته الفكرية والسياسية ، ولا يمكن إلا أن نحترمها ، رغم ما يمكن أن تلحقه حالياً من أضرار بالنضال اليومي للشعب ضد نظام المحاصصة الطائفية والفساد السائد والتبعية للخارج ، ورغم ما فيه من إساءات مقصودة لمن قرر مقاطعة الانتخابات كالحزب الشيوعي العراقي وغيره ، وأن احترامنا لها لا يعني السكوت عنها أو كشف ما يمكن أن يترتب عنها وعليها من عواقب إضافية سلبية على الحياة السياسية العراقية.
أرى بأن الحزب الشيوعي العراقي قد ترك وراءه خطاً مشوشاً ومقلقاً ، وهو يسير اليوم على طريق التخلص من الأفكار التي رافقته فترة غير قصيرة في السنوات المنصرمة ، لاسيما التصور بإمكانية تغيير الأوضاع دون تغيير القوى الحاكمة الطائفية الفاسدة ، فبيان الحزب واضحاً وجلياً في ها الصدد. يبقى ، كما أشار البيان ، أهمية وضرورة تحويل مقاطعة الانتخابات إلى عملية نضالية في صفوف الشعب من جانب تنظيمات الحزب والمحيط الديمقراطي حوله ،وهو سياجه المنيع ضد محاولات إيذاءه المحتملة وإيذاء من يقاطع الانتخابات أيضاً ، بسبب عدم توفر كل مستلزمات النظافة والنزاهة والعدالة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة وعادلة ، ومنها طبيعة قانون الانتخابات غير العادلة ، وطبيعة بنية مفوضية الانتخابات غير الحيادية ، والمال الفاسد السائد لشراء الذمم ، والسلاح المنفلت في أيدي المليشيات الطائفة المسلحة التي تهدد كل المواطنات والمواطنين في مناطق سكناهم ، ووجود كبار الفاسدين في كل مفاصل الدولة بسلطاتها الثلاث وتأثيرها المباشر على مجرى العملية الانتخابية ، وبسبب استمرار وجود ونشاط القوى والعناصر ومن يقف وراءها ، التي قتلت نشطاء انتفاضة تشرين أول 2019 واغتالت كثرة منهم بدم بارد وبأوامر من الدولة العميقة ومؤسساتها ومكاتبها وميليشياتها المسلحة ومن يصدر الأوامر لها من ورا الحدود الشرقية للعراق ، من الجارة إيران!!!