قيس لا يعشق «الجزيرة» والحكومة «العثمانية» لا تستفيد من الدروس!
«طاحت الصمعة علقوا الحجام» (سقطت الصومعة، فشنقوا الحلاق). مَثل مغربي ينطبق على سلوك نظام «قيس» التونسي مع قناة «الجزيرة» القطرية، إذ سرعان ما قام بإغلاق مكتبها في تونس، وأخرج مَن فيه، حتى دون أن يسمح لأحد بجمع أغراضه. وذلك كي لا يتسنى للقناة تقديم الصورة في شموليتها لما يحدث هناك، عقب الإطاحة بالبرلمان المنتَخب وإقالة أعضاء الحكومة.
ألا تذكّر هذه الواقعة بما فعل عبد الفتاح السيسي مع عدد من القنوات المحلية والعربية والأجنبية مباشرة بعد إعلان الانقلاب العسكري في مصر منذ سنوات؟
يقول التاريخ المعاصر إنّ أول ما يفعله الانقلابيون هو أنهم يولّون وجوههم نحو الإذاعات والتلفزيونات، بهدف السيطرة عليها، وتمرير خطابهم نحو الشعب. إنها رغبة في تكريس الواقع الجديد والخطاب الأوحد.
وللإعلاميين حكايات مع الانقلابيين يستحق بعضها أن يُروَى: سَرَد المذيع المغربي المخضرم محمد بن ددّوش، في حوار أجرته معه قناة إلكترونية، تفاصيل ما حدث في الإذاعة المغربية خلال المحاولة الانقلابية الفاشلة ضد العاهل الراحل الحسن الثاني في قصره في مدينة الصخيرات القريبة من العاصمة الرباط عام 1971، فقال إنه نُودي عليه من طرف أحد مسؤولي الإذاعة في الرباط، ليُفاجأ بعسكر يحتلون استوديوهات الإذاعة، حيث كان المطرب الراحل النجم عبد الحليم حافظ بصدد إكمال المونتاج لإحدى أغانيه التي أهداها إلى ملك المغرب بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني. ورافقه آنذاك الملحن المغربي الشهير عبد السلام عامر.
حينما وقعت أعين بعض القادة العسكريين الانقلابيين على عبد الحليم حافظ، أمروه بأن يقرأ بيان الانقلاب، فطلب منهم إعفاءه من ذلك لكونه مصريا، ولا يريد أن يقع في حرج مع المغاربة. ومن ثم، وجّهوا الأمر إلى الملحن المغربي الضرير عامر، حيث لقّنوه بضع كلمات، وكان هو مَن تلا البيان تحت الضغط والخوف. كما أن المذيع محمد بن ددوش وجد نفسه مطالبًا بإلقاء الكلمات الانقلابية نفسها التي كان يتكرر بثها مع فواصل من الموسيقى العسكرية. قبل أن يكتشف الجميع فشل المحاولة الانقلابية، لتعود الإذاعة إلى بث النشيد الوطني المغربي والإعلان عن ذلك الفشل الذريع.
نداء الشعب
حكاية ثانية رواها «تلفزيون سوريا» المعارض، وتتعلق بالمذيع محمد قطان الشهير بتلاوة البيان العسكري للانقلاب الذي قاده الراحل حافظ الأسد عام 1970، حينما كان وزيرا للدفاع، ضد رفيق دربه القائد العسكري البعثي صلاح جديد وضد الرئيس نور الدين أتاسي. تقول الحكاية إن المذيع المذكور تلا البيان الذي تسلّمه من العسكر، دون الرجوع إلى إدارة الإذاعة حينها. وعندما وبّخه المدير بأن ما حدث انقلابٌ، ردّ عليه «بل هو تصحيح، وقد لبّيتُ نداءً حزبيا».
صاحب الانقلاب أو «الحركة التصحيحية» حافظ الأسد، كافأ المذيع محمد قطان على ولائه المطلق، وليس على كفاءته المهنية، حسب تقرير للتلفزيون السوري المعارض، ليصبح مديرا للإذاعة والتلفزيون، ومن ثم مديرا للمؤسسة العربية للإعلام، كما عُيّن لاحقًا مديرًا لإذاعة حلب، فمُدرّسا للغة العربية في قسم الإعلام في جامعة دمشق.
وبقيت كلمات المذيع البعثي، قارئ بيان الانقلاب، مُسجلَّة في صفحات التاريخ، ممّا جاء فيها: «كان لا بدّ لقواعد الحزب مدعومة بتأييد جماهيرنا الكادحة من أن تتصدى مرة أخرى لهذه العقلية، فتبعدها عن مسرح الأحداث وعن مواقع المسؤولية».
ألا ترون أن الانقلابيين في جلّ الدول يرددون كلاما شبيها بهذا، إذ يقولون إنّ ما يقومون به هو مجرد تلبية لنداء الشعب، ثم سرعان ما ينقلبون على الشعب نفسه؟
قارئةُ البيان
الحكاية الثالثة تعود إلى عام 2016، حين حاول ضباط أتراك الانقلاب على رئيسهم رجب طيب أردوغان، فوجدوا أن أيسر السبل لإعلان خطوتهم تلك هي السيطرة على مبنى التلفزيون، وإجبار مذيعة على تلاوة بيانهم، تحت التخويف والتهديد.
لحظات عصيبة عاشتها المذيعة تيجان كاراش بمعية زملائها العاملين في القناة التركية الرسمية، مثلما أظهر تسجيل فيديو بُثَّ في ما بعد. وصارت كاراش تروي تفاصيل ما حدث لأكثر من وسيلة إعلامية؛ قالت إن العسكر هددوها وزملاءها بالسلاح، وربطوا أيديهم خلف ظهورهم.
فشل الانقلاب في لمح البصر، وظهر أردوغان من جديد، مُوجّها رسالة إلى المواطنين، وسرعان ما توافد كثير منهم إلى مقر التلفزيون. وهناك، وسط الحشود المبتهجة، نقلت الكاميرات مشاعر تيجان كاراش التي وصفت ما حدث بالكابوس، وأعربت عن أسفها لتلاوة ذلك التصريح مكرهة. ومع ذلك، نالت شهرة عالمية واسعة!
أسطوانة مشروخة
الحكومة المغربية الحالية لا تستفيد من الدروس ولا تأخذ العبر من الأحداث. كلّ همّها فقط هو توجيه اللوم إلى المواطنين الذين تعتبرهم السبب في ارتفاع أعداد المصابين بفيروس «كورونا» خلال الأيام الأخيرة، وصار الحديث المتداول عبر التلفزيون حول إجبارية ارتداء الكمامة والتباعد الجسدي وغسل اليدين وتفادي الأماكن المزدحمة… بمثابة أسطوانة مشروخة من فرط التكرار والاجترار.
لكنّ حكومة سعد الدين العثماني تتجاهل مسؤوليتها هي في تردّي الوضعية الوبائية في البلاد. يتذكر الجميع أن حالات الإصابة بالفيروس شهدت ارتفاعا صاروخيا، العام الماضي، نتيجة إصرار السلطات المغربية على إقامة شعائر عيد الأضحى المبارك، مع ما رافق ذلك من حركة كثيفة لتنقل المواطنين نحو المدن، من أجل الاحتفال بالمناسبة الدينية في مسقط رأسهم وبين والديهم وأقاربهم، كما جرت العادة بذلك.
العام الحالي، كان بإمكان الحكومة أن تتدارك الأمر، وتتجنب تكرار المشهد نفسه بالإعلان عن عدم ذبح الأضحية، وبالتالي تتفادى كثرة أسفار المواطنين وتضاعف حالات الإصابة بالفيروس.
كما كان بإمكانها الاستمرار في تشديد الإجراءات الاحترازية في المواصلات العامة وفي الأسواق التجارية الشعبية بالخصوص، وفي غيرها من الفضاءات العمومية. لكنها استكانت واستسلمت للحالة المطمئنة التي كانت سائدة قبل أكثر من شهر، ليعود الفيروس اللعين إلى الفتك بضراوة!
«خفي حنين»
عاد عثمان الفردوس، الوزير المغربي المكلف بالثقافة والشباب والرياضة، بخفي حنين من الألعاب الأولمبية المقامة في طوكيو.
وعوض أن يخلد إلى الصمت ويتجرع مرارة المشاركة الهزيلة للرياضات المغربية هناك، والتي خيبت آمال المغاربة، اختار أن «يغرّد» خارج السرب، ويكتب تدوينة ينطبق عليها المثل العربي «العذر أقبح من الزلة»، إذ اعتبر أن بعض الرياضيين المغاربة «تمكنوا من التأهل على الرغم من التعقيدات اللوجستية والنفسية المتعلقة بالشكوك التي أحاطت بإقامة الألعاب.»
أصدقُ تعبير عن حال الرياضة المغربية في طوكيو، هو ما رسمه فنان الكاريكاتير لصحيفة «هسبريس» الإلكترونية، إذ يبدو شخص مغربي بعيدًا عن منصة التتويج الخاصة بالمراتب الثلاث الأولى، وهو يفكّر في «التباعد» الذي التزم به، اقتداءً بنصيحة السلطات الصحية والتزامًا بالخطاب الذي يتكرر صباح مساء عبر مختلف وسائل الإعلام المغربية!
كاتب من المغرب