رسالة مفتوحة إلى السيد مقتدى الصدر وأتباعه
كاظم حبيب
أين أنتم وأتباعكم من حقوق الإنسان وهيبة الدولة ودستورها والقضاء العراقي ؟
إلى الرجل الذي لم يكن قد وُلِد بعد حين كان حكام العراق الملكي يمارسون الحكم بالحديد والنار … وكانت السجون الملكية مليئة بالمناضلين في سبيل الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة للشعب العراقي كان التعذيب الوحشي يمارس ليل نهار. إلا أن هذا الرجل الذي وُلِدَ في 4 أب/أغسطس 1974 وأصبح منذ 2003/2004 يملك سطوة غير رسمية كبيرة عبر مليشيا “جيش المهدي” وميليشيا “سرايا السلام” ومنظمة حزبية تدعى “سائرون” ، هذا الرجل لم يكن مسئولاً عما كان يجري في العراق في فترة الحكم الملكي أو في فترة حكم البعث الفاشي ، بل كان بيت الصدر من ضحايا نظام البعث ، ومنهم والده السيد محمد صادق الصدر وشقيقيه مؤمل ومصطفى حيث قتلا على أيدي جلاوزة البعث وجلاديه بعملية دهس أولاً ثم بالإجهاز عليها مباشرة.
هذه الميليشيات الطائفية المسلحة التي يملكها الصدر، تمارس اليوم مختلف أساليب التعذيب ضد من ينتقد مقتدى الصدر أو يتحدث عنه ، ويقال أن لديه معتقلات سرية ويجري التعذيب فيها منذ البدء وبعد قتل عبد المجيد الخوئي ابن المرجع الديني الشهير السيد أبو القاسم الخوئي. وفي هذا لا تختلف ميليشيات الصدر عن بقية الميليشيات الطائفية المسلحة في عمليات الاعتقال والتعذيب والسجن. والغريب أن الجلادين لا يتورعون عن تصوير أساليب التعذيب التي يمارسونها ضد الضحية ونشرها في فيديوهات من أجل نشر الرعب في صفوف الشعب ، لاسيما ضد من ينتقد مقتدى الصدر ، كما لا يخشى الجلادون الحكومة والقضاء العراقي فكلاهما عاجز عن اتخاذ أي إجراء رادع بحق هؤلاء ، فهم مهددون كغيرهم من هذه الميليشيات .
تسلمت صباح هذا اليوم ، 31 تموز/يوليو 2021 ، عبر الإنترنيت 2 من الفيديوهات ، الأول يعرض مشهداً قاسياً حيث يجري تعذيب شاب يتراوح عمره بين 18-20 سنة باستخدام الفلقة حيث يمسك شخصان قدميه بواسط عصا غليظة ومشدودة بحبال ومرتكزة على قائمتين خشبيتين ، ثم يقوم أثنان أو أكثر بالتناوب على ضربه بعصا غليظة أو بخيزران شجرة الرمان على باطن قدميه ، والشاب يتلوى ويصرخ من شدة الألم دون أن يجد صراخه صدى لدى جلاديه ، بل يصاب الجلادون بحماس سادي مرضي استثنائي فتزداد قسوتهم السادية ووحشيتهم. أما الفيديو الثاني فيعرض علينا الشاب نفسه يجلس على كرسي ليعتذر عن فعلته وهو مرتبك لا يعرف كيف يتحدث . يقف أمامه الجلاد الصدري ليملي عليه ما ينبغي عليه أن يقوله ليعرض على الناس ويخيف به من “تسول” له نفسه انتقاد البيت المقدس البيت الإلهي !!! ، وليدركوا بأن من ينتقد مقتدى الصدر يكون حسابه عسيراً. يملي الجلاد على المجني عليه الشاب جملاً من الاعتذار المتكرر لمقتدى الصدر وعائلته وجماعته. كلنا يتذكر كيف أعلن مسؤولون في التيار الصدري وسائرون ، دون حياء ، بأنهم سيعاقبون بأقسى العقوبات ويسحقون رؤوس من ينتقد مقتدى الصدر أو العائلة الصدرية!! وهذا أمر غير ممكن وغير مقبول وسيء جداً في دولة مدنية تدعون لها في برنامج “سائرون”. وأنتم أدرى بأن ليس هناك من هو معصوم من البشر عن ارتكاب الأخطاء، صغيرة كانت أم كبيرة. وبالتالي فلا بد هناك من يوجه النقد لمثل هذه الأخطاء على وفق تقدير الناقد، وهو حق مطلق يكلفه الدستور العراقي واللواح الدولية ووثائق وعهود شرعة حقوق الإنسان. كما إن النقد هو الضوء الذي يمكن أن ينير طريق المخطئين ، لاسيما في السياسة ، وأخص بالقول في واقع العراق الراهن، الذي يستوجب ممارسة النقد البناء، بعيداً عن الإساءة الشخصية أو العائلية. والطريق الوحيد لمحاسبة من يسيء إلى الصدر أو غيره دون وجه حق هو القضاء العراقي وليس ممارسة دور القضاء بأي حال.
لقد تذكرت بعد مرور 66 عاماً (1955/1956) على ما جرى لي حين كنت معتقلاً ومن ثم سجيناً بين 1955-1958 على أيدي جلاوزة النظام الملكي في دائرة التحقيقات الجنائية (أي الأمن العام حالياً) ، وفي سجن بغداد وبعقوبة ، ومن ثم معتقلاً لدى البعث في عام 1978 ، من أساليب وحشية في التعذيب وأبسطها، رغم قساوتها ، الفلقة ، التي مورست معي من قبل التحقيقات الجنائية وشرطة سجن بغداد وأشكال تعذيب أخرى في سجن بعقوقة . (أنظر الملحق).
أتوجه إلى رجل اليوم ، إلى مقتدى الصدر ، وإلى من يمارس التعذيب من أتباعه لأقول لهم اتقوا ربكم وشعبكم أولاً ، ولأوكد لهم جميعاً ، ومعهم كل الميليشيات الولائية وغير الولائية ، بأنهم خاسرون إن واصلوا هذه الأساليب الدنيئة والمحرمة دولياً في “تأديب” الناس ، فهذا يعني تهميش الدولة ودستورها والقضاء العراقي والاعتداء المباشر على هيبة الدولة ودورها في محاسبة من يتجاوز على الآخرين ، وليس من حق أي إنسان ، أياً كان موقعه الديني أو الحكومي ، أن يأخذ ، ما يمكن أن يكون حقه ، بيديه أو عبر أتباعه ، فهم عند ذاك يستحقون المحاسبة وإنزال العقاب الرادع بهم وبمن يخولهم باستخدام العنف والتعذيب . إن ممارسة السطوة والعنف والتعذيب ضد الشعب هي سلاح الفاشلين والخاسرين في المحصلة النهائية ، وهي جزء من أدوات ووسائل عمل القوى الفاشية في الحياة السياسية!
الملحق: “كان الضرب مبرحاً. جاءوا بشرطي آخر وأوقعوني أرضاً ورفعوا ساقّي إلى الأعلى بعد أن خلعوا حذائي والجوارب حيث بدأت الفلقة. كان الشرطي يحمل في يده خيزرانا من شجر الرمان الذي ألهب بضرباته باطن القدمين ، وكانت أحياناً كثيرة تمس الأصابع فكانت ألامها أشد وقعاً. كان الألم يصعد دون استئذان إلى قحف الرأس ويرهق الأعصاب. أما الشرطي الثاني فقد استخدم عصا غليظة أقل إيلاماً. كانا يتناوبان الضرب على طريقة طرق الحدادين على حديد أحمر كالجمر لتطويعه.
استمر الضرب وكنت أحصي عدد الضربات معهم حتى فقدت العد حين وصلوا إلى الثمانين ضربة. بعد أن توقف الضرب أجبرت على النهوض لأقف على قدمي. شعرت وكأني أقف على مادة مطاطية أو إسفنجية ، وكان الألم مرعباً. طلبوا مني التحرك والمشي ثم الهرولة.. كانت الهرولة في مصلحتي لكي يبدأ الدم المتجمع في أسفل القدمين على التدفق والجريان مجدداً ، ولكن كان الألم لا إنساني ولا يطاق. ولا أعرف أية إرادة كانت تلك التي امتلكتها وساعدتني على تحمل تلك العذابات ، إنها الكرامة التي تمنح الإنسان القوة والشجاعة والتحمل.
عندما كنت أهرول داخل الغرفة كانوا يتناوبون بتوجيه الصفعات واللكمات والركلات دون توقف…” (أنظر: كاظم حبيب : ذكريات مُرّة في ضيافة التحقيقات الجنائية في العهد الملكي·! – في اليوم العالمي لمناهضة التعذيب- الحوار المتمدن ، محور حقوق الإنسان ، العدد 880 بتاريخ 30/06/2004
د. كاظم حبيب