تسامح شيوخ جامع باريس
اعترف أنني دهشت حين شاهدت الفرنسية الشابة ميلا (17 سنة) في مدخل جامع باريس! فقد سبق لها أن شتمت الدين الإسلامي والقرآن الكريم على موقعها، وجاءتها مئات الرسائل من مسلمي فرنسا بينها تهديد بالقتل أو التشويه أو غير ذلك. وأقامت الدعوى على بعضهم الذين يعتزمون قتلها لإهانتها القرآن الكريم. القضاء الفرنسي حكم بالسجن مع وقف التنفيذ على الذين أعلنوا اعتزامهم على قتلها لإهانتها دينهم. ولم تعد تغادر بيتها دون حارس مسلح يرافقها. وشكت من انزعاجها من ذلك في أحاديث صحافية مع بعض المجلات الفرنسية.
ها هي في جامع باريس!
ولذا، دهشت حين شاهدتها على شاشة التلفزيون في مدخل جامع باريس مع شيوخه وهم يستقبلونها وتتعلم عبرهم تسامح الإسلام الكريم، بل وقدموا لها كهدية نسخة من القرآن مترجمة للفرنسية لتطالعه قبل أن تتطاول عليه ثانية، وتعاملوا معها بكثير من التسامح الإسلامي. تُرى، هل ستعي «ميلا» كم أخطأت في حق دين تجهله حين كانت فكرتها عن الإسلام مستلهمة من (الإسلاموفوبيا) التي تفتك بعقول الكثيرين في الغرب؟ المهم في نظري أن شيوخ جامع باريس أحسنوا التصرف، ولقنوها ومتفرجي التلفزيون درساً في التسامح الإسلامي الحنيف.
بطولات تثير الاشمئزاز!
لا أشعر بغير النفور أمام (بطولات) البعض في التهام الطعام.. مثل ذلك الأمريكي المتمرس في الأكل السريع الذي استطاع التهام عشرات من شطائر (الهوت دوغ) حين التهم 73 شطيرة في دقائق عديدة، محطماً بذلك رقمه السابق القياسي!
في هذا العالم جياع يحلمون بشطيرة واحدة لكي لا يناموا بلا عشاء.. وأعتقد أن الزمن تجاوز هذا النوع من (البطولات) والمسابقات التي تعبر عن «البطر» في عالم لا ينقصه جوع البعض! ثم إنه يؤذي صحة (أبطاله)!!
بطولة شرب الكحول!
ثمة مسابقات أخرى في الغرب من هذا النمط عمن يستطيع ابتلاع كمية كبيرة من المشروبات الكحولية (النبيذ.. الويسكي.. وسواهما) قبل أن يثمل الشارب حتى الإغماء، ولا أرى بطولة في ذلك في حقل قوة الاحتمال.
الأذى الذي قد يدعو بعض الشبان إلى تقليده دون التفكير بأن شرب الكحول حتى الإمعان نمط من أنماط التسمم.
ويعجبني في تلفزيون باريس أنهم لا يذكرون أي دعاية للكحول دون إضافة جملة: تستطيع شربه مع الاعتدال. وحتى في البرامج التلفزيونية المسلية مثل برنامج ناجي، واسمه: لا تنسى الكلمات (عن الأغاني الفرنسية) لا يذكر أحدهم كلمة الكحول إلا ويضيف ناجي عبارة (مع الاعتدال) كسواه من مقدمي البرامج. الطعام والشراب يمكن أن يتحولا إلى سم أو أذى يسبب المرض كما في مسابقات من يستطيع التهام أكبر كمية من الطعام في مسابقة الأكل السريع.. وأعتقد أن ذلك كله حان الوقت ليصير جزءاً من ماضي (البطولات) السخيفة لالتهام 75 شطيرة (هوت دوغ) في دقائق.. هذا كله تجاوزه العصر ولم يعد يثير غير النفور في عالم يحلم بعض أطفاله في التهام شطيرة ولو واحدة في اليوم.
لماذا يغامرون بالهجرة وربما الموت؟
من الأخبار التي تسبب لي الحزن حقاً ما يحدث لبعض مهاجري القوارب بهجرة غير شرعية، الذين يحلمون بحياة أفضل في أوروبا، وتغرق أحياناً قواربهم ويموت الكثير منهم، كما حدث مؤخراً حين انتشلت 21 جثة من الحالمين بحياة أفضل من حياتهم في إفريقيا وسواها، ويرغبون في الوصول إلى أي شاطئ أوروبي.
قوارب خشبية تحمل مئات الحالمين بحياة أفضل تنقلب ويغرق معظم من فيها، ويتم إنقاذ البعض وانتشال جثث البعض الآخر، ويظل السؤال قائماً: لماذا لا تجعل بعض الدول الحياة فيها ممكنة بالحقوق كلها التي يتمتع بها أبناء الدول الأوروبية؟
نقرأ عن انتشال 21 جثة قبالة ساحل تونس لم تتمكن سفينة «اوشن فايكينغ» من إنقاذهم قبل موتهم، وهي التي تعمل كسفينة إنقاذ بحري في وسط البحر المتوسط. الذين يهاجرون لحياة أفضل في أوروبا لا يفكرون بمدى المخاطرة على حياتهم في تلك القوارب، ولعله لا يخطر ببالهم أنه من الأفضل جعل أوطانهم أمكنة صالحة للحياة والنجاح بدلاً من الهجرة الخطرة وبأي ثمن.
هل سمعت بمهجّر أوروبي إلينا؟
لم يحدث مرة أن قرأنا عن مراكب للمهاجرين من أوروبا إلى لبنان أو أي بلد عربي هرباً من الحياة في أوروبا وحلماً بالحياة الأفضل في عالمنا العربي أو في إفريقيا.. وحين يحدث شيء كهذا سنعرف أن أوطاننا العربية صارت تغري بالهجرة إليها والمغامرة بحياة الأوروبي للوصول إلى (نعيم) بلادنا!
الحل ببساطة هو جعل بلادنا العربية أماكن تصلح للحياة المعافاة، بحيث لا يهاجر أحد منها، بل ويحلم البعض بالهجرة إلينا كما يحدث الآن، حيث يركب الكثيرون (مراكب الحظ) للوصول إلى الغرب على أمل حياة أفضل!
ليس بوسع سفينة «أوشن ميديتيرانية» إنقاذ الجميع. لا مفر لنا من إنقاذ أنفسنا في أوطاننا بالذات.