في الذكرى الأولى لجريمة مرفأ بيروت: قصص موجعة وسلطة الطوائف تحمي المتورطين.
مر عام من الوجع والظلم والحزن. عام على تفجير قلب العاصمة بيروت. عام على موت أكثر من 200 لبناني وجر ما يقارب الست آلاف شخص وتدمير عاصمة كانت تعرف يوماً بباريس الشرق.
مر عام وعائلات الشهداء وأصدقاؤهم يتألمون على فراق الأحبة، فيما الحقيقة مطمورة بعناية لا أحد يستطيع نبشها بفضل الحصانات، التي منحتها سلطة الطوائف للسياسيين والأمنيين.
كتب الصحافي الانكليزي مارتن شلوف في مقاله في جريدة «الغارديان» البريطانيّة: «في مثل هذا الأسبوع قبل عام، تسبب أحد أخطر الحوادث الصناعية على كوكب الأرض في أحد أكبر الانفجارات على الإطلاق بتحطيم مدينة كانت بالفعل على حافة الانقلاب. سحابة من المواد الكيميائية حلقت فوق العاصمة اللبنانية في 4 آب / أغسطس 2020 والقوة الزلزالية دمرت منازلها وأشغالها وحلقت في أنحاء العالم حاملة حالة من الرعب الرهيب.
ومع ذلك، عشية الذكرى الأولى للكارثة، لا يزال لبنان مشلولًا. لقد اتضح أن التحقيق في الانفجار غير جدي، ومرتكبيه بعيدين عن المساءلة أكثر من أي وقت مضى».
تطل علينا الذكرى بخجل لتحمل معها انفجاراً جديداً. لكن هذه المرة ليس بسبب تكديس كميات من «نترات الأمونيوم»، التي تم تفريغها في المرفأ عام 2013 . إنه انفجار غضب وحرقة، انفجار براكين من الوجع، ونار مشتعلة في غابات لبنان الشمالية، لا أحد يطفئها.
وبروفات لحروب أهلية مصغرة تنطلق من خلدة بين حزب الله الشيعي وعشائر عربية سنية.
بعد مرور سنة ما زالت مشاهد الدمار واضحة على مرفأ بيروت.
بيروت لم تلملم نفسها. لم ولن تنتفض من رمادها وليست لها القدرة على استعادة جناحيها لتحلق من جديد.
بيروت نائمة في مثواها الأخير. عاد أبناؤها ليحكوا لنا قصة موتها. قصة الرابع من آب/أغسطس.
هكذا جاءت «عروسها» لتخبرنا عن لحظة التصوير يوم الزفاف.
لحظة بيضاء استحالت ذكرى سوداء فاحمة. كانت تقف في ثوبها الأبيض، وحين انفجر المرفأ طارت من مكانها واستفاقت بعدها من الغيبوبة بثوب ملطخ بالدماء.
أما الممثل أسعد رشدان فقد قال والألم يعتصره «أقدم استقالتي من الوطن وأهدي جنسيتي لمن يرغب بها».
لقد أوصلت الطبقة السياسية اللبنانيين إلى حالة من اليأس المستعصي فما نفع الأوطان والسياسيون والسياسة في حضرة الألم الهائل، الذي يعيشه المواطنون؟
يخبرنا مصور من قناة «أل بي سي» اللبنانيّة عن ذاك الوجع الذي عاشه ليلة الرعب وعن لحظة مشحونة بالدموع. يومها جاءته أم من أمهات شهداء الانفجار لتسأله عن ابنها.
قالت له: «يا ابني. اسم ابني عندك باللائحة.
قالولي معك الأسماء..»؟
نظر في عينيها. تخيل وجه أمه. سكت وبكى طويلاً.
يقول: «ما قدرت قلها ابنك مات».
مرت سنة وما زلنا نعيش في نفق مظلم جداً، بل تزيد ظلمته مع مرور كل يوم جديد، لبنان غارق في قبر من الأزمات. لا كهرباء ولا بنزين ولا أدوية ولا حكومة.
لبنان الذي نعرفه مات وأهله يحتضرون يومياً.
ماذا نقول لوالدة الطفلة زهراء، التي ماتت، منذ أيام قليلة، من لدغة عقرب بسبب عدم توفر الدواء؟
ربما واجبنا أن نقول لها الحقيقة، ابنتها الصغيرة توفيت من لدغة السياسيين التي هي أقوى بكثير من لدغة العقارب.
ماذا نقول لأهل الشاب بلال جمعة 24 عاماً، من شمال لبنان، بعد أن أضرم النار في نفسه منذ أيام بسبب عدم قدرته على تأمين الطعام لعائلته؟
ولا أدري لماذا يذكرني موته بسبب رغيف خبز بتلك الموائد الباذخة في عرس ابنة برلماني سابق.
هذا التناقض الطبقي الرهيب في المجتمع اللبناني يفضح حالة البؤس السياسي والاقتصادي التي نعيشها اليوم في ظل التحالف بين ملوك الطوائف الفاسدين.
نترات سورية في لبنان!
أثارت تصريحات المحامي أنطوان طوبيا وكيل قائد الجيش السابق جان قهوجي، لقناة «أم تي في» ، الرأي العام اللبناني.
فقد قال بالفم الملأن أن «حزب الله كان يغطي عملية سرقة نيترات الأمونيوم من المرفأ وتهريبها إلى سوريا التي تشهد حرباً».
وأضاف طوبيا: «إننا نسمع المرصد السوري يتحدث يومياً عن عشرت البراميل، التي يستخدمها النظام. وإن نظام الأسد لا يضع النترات في بلده لأنه معرض للقصف في كل لحظة».
لكن قائد الجيش رفض تصريحات طوبيا وأصدر بياناً اعتبر فيه أن ما قاله وكيله «لا يمثله وهو بمثابة تحليل شخصي صدر عنه».
الأمر الذي يطرح سؤالاً، حول تناقض الموقف بين الوكيل والموكّل.
وهنا نتساءل مرة أخرى، هل وظيفة الدولة اللبنانية هي تأمين «الملاذ الأمن» لنترات الأمونيوم التي يستخدمها النظام السوري ضد شعبه؟
إلا يحق للمواطن اللبناني أن يحاسب المسؤولين في الدولة على تغطية التجاوزات الأمنية والحزبية التي أوصلتنا اليوم إلى حد الانفجار؟
بعد سنة، ويا لمهزلة القدر، ها هم الساسة اللبنانيون ما زالوا يميعون من حجم الكارثة وينعمون في قصورهم العالية. في حين معظم الشعب اللبناني قد هاجر أو مات أو على طريق الموت بسبب الجوع والفقر والمذلة والتعذيب.
في زمن الحزب المسلح والعشيرة المسلحة والعهد القوي يبقى السؤال: متى سيُعاقب المسؤولون عن تفجير قلب العاصمة بيروت؟ متى سيعاقب الفاسدون والقتلة؟ هل سننتظر عاماً آخر أو عمراً آخر؟
لا يهم. لا شيء يهم!
لبناننا انفجر قلبه فمات. وقاتلوه هم من يتقبلون التعازي فيه.