كاظم حبيب
أينما تمتد الأصابع الإيرانية يرتفع الدخان !
لم يعد خافياً تماماً على أحد من العراقيات والعراقيين ستراتيج وتكتيكات القيادة الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط وعلى الصعيد العالمي ، إلا المغفلين منهم إلى حد اللعنة ، أو النائمين منهم كأهل الكهف ، أو التابعين مباشرة كقطيع سادر في جهله وغَّيه لإيران ، أو المهمشين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وهم كثرة حقاً. فقادة الدولة الفارسية الكبار يعلنونها بصراحة تامة ودون مواربة ، فهم يسعون إلى مدَّ نفوذهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، لاسيما المذهبي أبعد من نفوذهم الحالي في لبنان والعراق وسوريا واليمن وغزة ، ليشمل كل الدول العربية الأخرى وبعض دول غرب آسيا ، لتكون دولة إقليمية كبرى تلعب دوراً قيادياً مهيمناً في المنطقة وعلى الساحة الدولية . فهي تفكر بإقامة دولة فارسية إمبراطورية جديدة لا تختلف في ذلك عما تسعى إليه تركيا الأردوغانية في إقامة إمبراطورية عثمانية جديدة من توسع في المنطقة وغرب اسيا وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة ذات الأكثرية المسلمة . لا يبالي منتهجو هذه السياسة الخارجية العدوانية لتحقيق توسعهم الجغرافي الاستعماري بما يمكن ان يتسببوا به من عواقب على شعوبهم الإيرانية من أزمات سياسية ومصاعب اقتصادية ومالية ومشكلات مع المجتمع الدولي من جهة ، ولا ما يصيب شعوب منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، ومنها : سيادة الفوضى والفساد وسباق التسلح والحروب والموت والخراب والدمار والفقر والحرمان من جهة ثانية . فالقيادة الإيرانية تسعى بكل السبل إلى تأمين :
- التوسع المستمر في إنتاج الأسلحة التقليدية الحديثة من جهة ، والأسلحة ذات التدير والقتل الشملين كالسلاح الكيمياوي والجرثومي والنووي ، إضافة إلى المزيد من إنتاج وتخزين الصواريخ البالستية مختلفة الأبعاد والرؤوس ومنصاتها وتكوين ترسانات هائلة من الأسلحة الدفاعية والهجومية موزعة عل مناطق مختلفة من الخرطة الإيرانية. ويتم ذلك على حساب الإنتاج المدني لإشباع حاجات السكان للسلع والخدمات وتوفير فرص العمل للأعداد المتزايدة من العاطلين عن العمل.
- التوسع المستمر في زيادة عدد القوات المسلحة الإيرانية الرسمية بكل أصنافها ، وكذلك قوات الحرس الثوري وفيلق القدس وقوات البسيج ، إلى جانب جيش جرار من الأجهزة الأمنية والجواسيس والعيون المبثوثة في كل أنحاء الجمهورية لمراقبة الناس والتحكم بسلوكياتهم حتى في بيوتهم، إضافة إلى إجراء التدريبات والمناورات المستمرة لهذه القوات .
- التوسع في نشاط وزارات الخارجية والدفاع والداخلية والحرس الثوري وفيلق القدس والأجهزة الأمنية المختصة بالعمل في الدول الأخرى لتنشيط دورها وعلاقاتها بالدول والشعوب الأخرى لضمان تأييد ودعم لفعالياتها وسياساتها في الخارج .
- إقامة الميليشيات الطائفية الشيعية المسلحة والأجهزة الأمنية في البلدان الأخرى ، لاسيما في تلك الدول التي تعتبر ضمن “المجال الحيوي لنفوذها” في الدول التالية : (العراق ولبنان وسوريا واليمن) ، إضافة إلى خلاياها الميليشياوية النائمة في دول أخرى منها : السعودية والبحرين والسودان ومصر وليبيا وباكستان وأفغانستان ، كما تحاول النفود والتمدد إلى الدول المغاربية تونس ومراكش والجزائر وليبيا ودول أفريقية أخرى بصيغ مختلفة .
- تأسيس المزيد من محطات الإذاعة الإخبارية وقنوات التلفزة في إيران وفي الدول الخاضعة لها لتوجيه وترويج دعايتها الفكرية والسياسية والمذهبية نحو شعوب هذه البلدان ، بما يتناسب ونهجها الموجه لغرض التوسع والتأثير في فكر وممارسات الشعوب والتي تتسبب في المزيد من الصراعات الطائفية على المستويين الرسمي والشعبي.
- إثارة الفتن ، أو التصدي المناهض لنضالات شعوب هذه البلدان ضد حكوماتها ، عبر المليشيات الولائية التي تم تشكيلها في هذه الدول ، كما جرى ويجري بشكل خاص في كل من العراق ولبنان وسوريا واليمن. وهي ما تزال تمارس هذا النهج بشكل مكثف في هذه الدول ، لاسيما في العراق واليمن ، إضافة إلى الدور الذي يلعبه حزب الله والحرس الثوري وفيلق القدس في كل من لبنان وسوريا. كما إن إيران توجه الميليشيات الولائية التقي أقامتها في العراق للعمل “الجهادي!” في سوريا واليمن واستخدام العراق ممراً للسلاح على أعوانها في الخارج.
- دعم هذه الميليشيات بالأسلحة والعتاد والصواريخ وبالمستشارين والخبراء وبالمقاتلين حيثما تطلب الأمر ، إضافة إلى قيام تلك الميليشيات بإنتاج الأسلحة في بلدانها ، كما في لبنان والعراق ، وتقيم قواعد عسكرية ٌلإيران فيها حيث تستخدمهما كمعبر للسلاح إلى الدول الأخرى ، لاسيما إلى سوريا وحزب الله واليمن ولجماعة الجهاد الإسلامي في غزة.
- تنشيط عمليات الفساد المالي والإداري في البلدان الخاضعة لنفوذها بهدف الحصول على مزيد من العملات الصعبة لمواجهة العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي ازدادت ضدها خلال السنوات الخمس الأخيرة والتي ساهمت في خلق مصاعب مالية كبيرة في هذه البلدان لاسيما العراق ولبنان.
- تنظيم المزيد من العمليات العسكرية ونشر فرق الاغتيالات لممارسة التخلص الجسدي من المناهضين لوجودها وسياساتها في المنطقة. وقد كان لبنان ، والعراق بشكل خاص ، مسرحاً لمئات من عمليات القتل والاختطاف والتغييب لنشطاء الحركة المدنية الديمقراطية ولقوى الانتفاضة الشعبية في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2019 حتى الآن. وهي تمارس حرباً ضد الولايات المتحدة لا في بلادها ، بل في العراق وعبر ميليشياتها الولائية أو غيرها .
لقد أصبحت إيران منذ أن صادرت المرجعية الدينية بقيادة شيخ الدين روح الله الخميني الثورة الديمقراطية الإيرانية ضد الشاه عام 1979 تمارس سياسة فارسية شوفينية وطائفية شيعية صوفية بعد أن أقامت دولة ثيوقراطية استبدادية ومتشددة. والقيادة الإيرانية تعمل على عسكرة الاقتصاد والمجتمع وعلى خضوعه الكامل لولاية الفقيه ، البدعة الصوفية السيئة في إطار المذهب الشيعي الاثنا عشري ا(الجعفري) .
ويبدو لي كمتتبع لتطورات الوضع في إيران بأن هذه الاتجاهات المتطرفة ستتعزز خلال السنوات القادمة بعد أن حقق المحافظون المتشددون (الصقور) نجاحاً كبيراً في إيصال إبراهيم رئيسي لرئاسة الجمهورية وعلى أكثرية برلمانية قادرة على تغيير الدفة الإصلاحية المحدودة لجماعة روحاني . وسوفي يلاحظ ذلك في الاحتمالات التالية :
** خلق المزيد من المشكلات في الخليج وبحر العرب ، كما حصل خلال الأيام الأخيرة لأكثر من باخرة إسرائيلية أو غيرها ؛
** المزيد من العمليات العسكرية (صواريخ وطائرات مُسيَّرة ) التي تقوم بها الميليشيات الولائية والحشد الشعبي في العراق ضد القواعد العسكرية العراقية التي فيها قوات أمريكية أو ضد السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء والمطار وضد أربيل ؛
** المزيد من توجيه الضربات العسكرية من الحوثيين ضد المملكة السعودية ؛
** توجيه ضربات صاروخية ضد إسرائيل حليف الولايات المتحدة في المنطقة .
إن الهدف من وراء ذلك استفزاز الولايات المتحدة ودفعها باتجاه الموافقة على العودة إلى المفاوضات النووية دون أي تغيير في الشروط السابقة ، لأنها تدرك بأن الولايات المتحدة غير مستعدة لخوض حرب جديدة في المنطقة ، وتحاول منع إسرائيل قدر الإمكان من القيام بعملية عسكرية في العمق الإيراني ، وليس خارج حدود إيران لتجنب توسع العمليات العسكرية وتحولها إلى حرب في المنطقة. علماً بأن إيران ذاتها لا تريد الحرب لأنها تدرك بأنها لن تكون قادرة على تحمل عبء حرب لتحالف دولي واسع ضدها. إنها المحنة التي تواجه أمريكا ضغط إيراني وضغط إسرائيلي باتجاهين يبدوان متعارضين ولكن الحصيلة واحدة ، أي المزيد من التوتر في المنطقة ومصاعب جديدة أمام المفاوضات النووية المباشرة في فيينا ، وكذلك سيزداد تعقيداً الموقف من تحجيم إنتاج الصواريخ الباليستية الإيرانية والطائرات السيرة وإيقاف تدخل إيران الفظ في شؤون دول الشرق الأوسط .
والجدير بالإشارة إلى أن الولايات المتحدة في سياساتها الخارجية لا تعرف الصداقة ولا المعاهدات والاتفاقيات الدولية حين تصطدم بمصالحها الأساسية واستراتيجيتها الدولية وحليفها الرئيسي إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط ، وبالتالي يمكنها أن تساوم مع إيران على الوضع في العراق ، مع احتمال اقتراب الصقور الإيرانية من إيجاد حلول لمشكلات العقوبات الاقتصادية مع الولايات المتحدة ليبرهنوا للشعب عن قدرتهم في التفاوض ، التي يمكن أن تتسع تلك العقوبات دون مساومات معينة ، وبالتالي ، تتسبب العوامل المتراكمة في انتفاضة شعبية إيرانية هائلة تقود إلى إشكاليات جديدة للدولة الثيوقراطية العسكرية المستبدة وتهزّها من الجذور ، كما نرى ما يجري حالياً في خوزستان (عربستان أو المحمرة).
والعراق سيكون واحداً من أدوات اللعبة الأمريكية-الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط ، وهو ما ينبغي ان تدركه القوى المدنية والديمقراطية ، إذ يبدو لي بأن الولايات المتحدة غير راغبة بتغيير الأوضاع في العراق ومرتاحة لطريقة تعامل رئيس الوزراء مع الوضع العام ، فهو يرفض توجيه الصواريخ الميليشياوية ويدينها ، ولكنه لا يتخذ إجراءات ضدها ، كما يدين الضربات الجوابية للولايات المتحدة ضد الميليشيات الولائية والحشد الشعبي ويدينها أيضاً ، ولكنه غير قادر على اتخاذ إجراءات ضدها ، وبالتالي يحافظ على الوضع القائم دون التحرش بالفاسدين الكبار ولا يحاسب من يقف وراء القتلة ومطلقي الصواريخ ، ولا ضد من فرط بأموال العراق ، كما لا يتحرك صوب تغيير فعلي في مستلزمات إجراء انتخابات حرة ونزيهة وعادلة ، بل يرى مفيداً له مقاطعة قوى الانتفاضة والقوى المدنية الديمقراطية لها ، لأنها تجنبه نشوء مشكلات مع القوى الحاكمة الذي هو منها ويرتبط بها بألف خيط وخيط . وليس أمام الحركة المدنية والديمقراطية سوى النضال الدؤوب والجاد من أجل التغيير والعمل في صفوف الشعب لتغيير ميزان القوى لصالحها ولصالح تحقيق التغيير في الواقع العراقي الراهن. إنها عملية كبيرة لم تتبلور عواملها الذاتية بعد لكي تنطلق الانتفاضة الشعبية مجدداً لتحقق ما عجزت عن تحقيقه انتفاضة تشرين الأول 2019 ، رغم التضحيات الكبيرة التي قدمتها على مذبح الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ، “أريد وطناً” غير خاضع لإيران وشبه مستعمر منها ، و”نازل اخذ حقي” ممن اغتصبها منذ 18 عاماً ويمارس الاستبداد والإرهاب والخديعة التجهيل للبقاء في حكم البلاد!