الكاتبة العراقية منال الربيعي: الروايات الرومانسية تحد من وطأة الحياة
بعد عملها الروائي الأول «حتى آخر العشق» تنقلنا رواية «الخط الفاصل» للروائية والإعلامية العراقية منال الربيعي الصادرة عام 2020 عن دار أبعاد للنشر والتوزيع، إلى سبعينيات القرن الماضي، حيث أجواء الحرب اللبنانية، لترصد قصة حب رومانسية تُزهر في الجنوب اللبناني، ما بين شاب مسلم وفتاة مسيحية، ليصطدم العاشقان بظروف قاسية باعدت بينهما، كالسفر والزواج، ومع نهاية تلك الحرب ينتصر العاشقان لحبهما، رغم تعثره لسنوات. وفي هذا الحوار تتحدث الربيعي عن تجربتها الروائية والإعلامية..
■ ألا ترين أن جرعة الرومانسية العالية في روايتك «الخط الفاصل» حولت بطليها (ريتا وكريم) إلى شخصيات مثالية؟
□ الروايات وتحديداً الرومانسية منها، تفترض جرعات كبيرة وعالية من الحب الطوباوي، وإلا كيف رسخت في أذهان الناس بعد مرور كل تلك السنين قصص حب عظيمة، مثل قيس وليلى، أو روميو وجولييت، كما أن هذا الزمن الذي سيطرت عليه الماديات بشكل مفرط، بات يحتاج إلى منسوب أكبر من الرومانسية، أو روايات الحب، حتى تخفف من وطأة وصعوبة العيش، وهو ما لمسته من خلال طلب الكثير من القراء روايات رومانسية، خلال مشاركتي في معرض بيروت الدولي للكتاب منذ سنتين، وروايتي فيها مستوى عال من الوفاء والتضحية وهو أعلى مستويات الحب.
■ ماذا لو فرضنا أن هذا الحب الذي جمعهما في ظروف غير ظروف الحرب الأهلية؟ هل سيغير مسار هذه العلاقة؟
□ العلاقة بين ريتا وكريم واجهت الكثير من التحديات على مستويات عدة، منها ما هو شخصي بما يخص الاختلاف في الأديان، في مجتمع شرقي يقيم وزناً جسيماً لهذا الوازع. وثانيا على مستوى العام، أي الوطن، حيث واجهت هذه العلاقة تحديات الموت والتهجير والغربة، وهي تحديات كبيرة استطاعت في فترة من الزمن أن تتغلب على هذه العاطفة، ونتج عنها انفصال زمني حاول كلاهما أن يبدأ من جديد، لكن يد القدر تدخلت لتجمعهما من جديد، لينتصر الحب كما انتصر الوطن.
■ في روايتك «حتى آخر العشق» كانت الشخصيات مختلفة إلى حد كبير مع شخصيات الخط الفاصل، فـ«حسنا» امرأة تمسكت بحبها حتى الرمق الأخير، لم تثنها الظروف عن هدفها، يا ترى ما مدى ملامستك للواقع في تركيبة الشخصيات في هذه الرواية؟
□ «حتى آخر العشق» هي روايتي الأولى التي أسقطت عليها كل ما أتمناه وأحب أن أعيشه شخصياً في علاقات الحب، حيث فيها الكثير من الوفاء والتضحية ونكران الذات، وفي الوقت نفسه، فيها رسالة عن مواجهة المرأة للمجتمع، رغم صعوبة الموقف، حيث ممكن أن يتخاذل الرجل ويهرب، وبالفعل في جزء منها كانت هناك مثالية مبالغة، أو حتى لا أظلم «حسنا» بطلة الرواية، فقد تكرس فيها عدم قدرة على تكرار قصة حب كانت الأولى في حياتها وأعطتها كل ما تملك.
■ التحدث عن مظلومية المرأة في كل مناسبة، أصبحت عنواناً عريضاً لكثير من الشخصيات النسوية العربية، لكن بالنسبة لك يبدو أن هذه الحالة ليست من أولوياتك، لماذا؟ أم أنك تدافعين عن المرأة بطريقتك الخاصة؟
□ لي رأي خاص في هذا الموضوع قد يزعج بعض المدافعات الشرسات عن حقوق المرأة التي هي عنوان واسع وعريض، وقد تندرج تحته مسائل شائكة قد تضر المرأة أكثر مما تفيدها. أولاً كوني امرأة وإعلامية، وحاليا أتلمس عالم الرواية، واجهت الكثير من التحديات والمنافسة من بعض الرجال، الذين لا يزالون ينكرون قدرات المرأة في شتى الميادين، لكن في الوقت نفسه، المنافسة الشرسة كانت من عالم النساء لأسباب متعددة. وبالتالي، كي تنجح مساعي المرأة لتحصيل حقوقها ـ وهي قد قطعت شوطاً مهماً ـ عليها أن تتحرر في علاقتها مع الصديقة، والزميلة، والمنافسة، كي تكوّن جبهة موحدة للمواجهة، ليس في وجه الرجل، إنما في مواجهة أحكام وقوانين وأعراف وأدبيات فرضت عليها، من المنظومة الاجتماعية ككل، أما طريقتي في الدفاع عن المرأة فهي تظهر بالطريقة التي رسمت فيها صورة بطلاتي (ريتا وحسنا) حيث التضحية والمواجهة والصمود، وهي أرقى مستويات التحرر.
الإعلام بمفهومه الحديث تصدى للكثير من القضايا في العالم، وعلى كل المستويات، حتى أصبح يسمى بالسلطة الرابعة، وتحديداً في البلدان الديمقراطية، حيث استطاع كشف الكثير من الأسرار، وجعل أصحابها يخضعون للمحاسبة والمساءلة ولو كانوا في أعلى المراتب.
■ البعض ينظر للطروحات التي تتعلق بحقوق المرأة والدفاع عنها في عالمنا العربي، على أنها تعبير عن مشاريع سياسية، قبل أن تكون أصواتا حقيقية تعبر عما تطمح إليه المرأة العربية بالفعل، ماذا تقولين في ذلك؟
□ لا شك في أن طروحات التحرر النسوي مرت بمراحل كثيرة، تنوعت وتعدلت معها المطالب بتغير الظروف والزمن، وهو مسار طبيعي لكل حركات التحرر في العالم، أو بالأحرى التطور المجتمعي، وقد بدأت من البيت، حيث جهدث لإثبات حقها في التعلم والعمل، وبعدها انتقلت للنضال بما يخص حقوقها المدنية والقانونية، كما نجحت في بعض الأماكن بإثبات وجودها في المعتركات السياسية والنضالية، والأسماء في عالمنا العربي كثيرة، وكذلك الأمر في ما يخص مساهمتها في عالم الكتابة والفن والإبداع، ولو أنه لا يمكن التعميم في كل البلدان العربية عن مستوى الإنجاز نفسه، حيث تتقدم في بعض الدول وتتراجع في دول أخرى، وتحديداً في موضوع قانون الأحوال الشخصية والمشاركة السياسية التي تحتاج لمسار طويل .
■ وكيف تنظرين لدعاوى تحرر المرأة العربية؟ هل هذه الدعوات حققت شيئاً ملموساً للمرأة العربية على أرض الواقع؟ أم أن هذه الدعوات تريد فرض الأنموذج الغربي الرأسمالي على المرأة العربية؟ أم أن لها أهدافاً أخرى؟
□ لا يمكن إسقاط نموذج المرأة الغربية في كلّيته على واقع المرأة العربية، لاعتبارات كثيرة، وهو ينطبق أيضا على المجتمع الغربي نفسه، حيث تختلف القوانين والأنظمة المرعية، لكن تتوحد في ما يخص حقوق الإنسان، رجلاً كان أم امرأة، وهنا بيت القصيد الذي يميز القوانين الغربية عن العربية، التي تسقط في فخ التمييز، لكن لا يمكن شيطنة هذه المطالب بالمطلق، ونحن نعلم أن الكثير قد تحقق عبر سنوات من النضال النسوي، لكن أيضا لا يزال ينتظرنا الكثير.
■ العديد من الشخصيات النسوية التي لعبت درواً كبيراً ومحورياً في التاريخ العربي والإسلامي،لماذا لم نسمع عن تلك الشخصيات النسوية، على الرغم من تأثيرها وحضورها طروحات تدعو لتحرر المرأة؟
□ بالنسبة للشخصيات النسائية الرائدة في العالم الإسلامي، رغم تعددهن، فلنا أسوة حسنة في السيدة زينب، التي مارست العمل السياسي والقيادي في معارك مفصلية في تاريخنا العربي والإسلامي، كما أن أصوات نسائية أبدعت بالشعر، بل تميزت بالجرأة قياسا لزمنها، لكن لا يمكن مقارنة مشاكل ومتطلبات أي زمن مع الزمن الآخر، ليس على صعيد المرأة فقط، بل بالمطلق، حيث كان وجود المرأة قديما يتناسب مع ظروف حياتها، وكلما تبدلت هذه الظروف، سعت إلى تحقيق مكاسب أكبر، باختصار طالما دورة الحياة موجودة، فإن المرأة والرجل في حالة تطور مستمر، وهذه هي سنّة الكون.
■ إلى أي حد استطاعت الربيعي توظيف خبرتها الإعلامية في مجال الأدب؟
□ الإعلام بمفهومه الحديث تصدى للكثير من القضايا في العالم، وعلى كل المستويات، حتى أصبح يسمى بالسلطة الرابعة، وتحديداً في البلدان الديمقراطية، حيث استطاع كشف الكثير من الأسرار، وجعل أصحابها يخضعون للمحاسبة والمساءلة ولو كانوا في أعلى المراتب. وفي ما يخص تأثير عملي الإعلامي على كتاباتي الأدبية، أجزم أنها أثرت بشكل كبير في أسلوبي الذي لا يرهق القارئ، بل يجعله يستمتع بالصورة الأدبية بدل من إلهائه بتفكيك رموزها، وطبعاً لا أقصد الركاكة في المعالجة. كما كان للحوارات الإعلامية الي أجريتها مع شرائح متنوعة رجالاً ونساءً، مثقفين، رجال دين، شخصيات مجتمعية، دور كبير في سبر أغوار الناس، لتوظيفها في بناء الشخصيات في أعمالي الروائية. وفي كل الأحوال، لقد أفادني الإعلام كثيراً من جهة التسويق لأفكاري التي تضمنتها رواياتي، وجعلتها تصل للناس بشكل أسرع، وتلمس أحاسيسهم وتعالج قضاياهم اليومية، وهذه هي رسالة الإعلام والأدب على حد سواء.