نوري المالكي : أمس: الطبقة السياسية فشلت فشلاً ذريعا ، وأنا منهم .. ، واليوم: عائدون للحكم !!!
بيدر ميديا.."
كاظم حبيب
نوري المالكي : أمس: الطبقة السياسية فشلت فشلاً ذريعا ، وأنا منهم .. ، واليوم: عائدون للحكم !!!
من يتابع مسيرة العملية السياسية المشوهة والفاسدة الجارية في العراق، يرى العجب العجاب ، يرى سقوط أخلاقي كامل لا مثيل له للطبقة السياسية الحاكمة . فقبل سنوات ، وبعد إسقاط حكومة نوري المالكي تحت عبء ارتكابها أفحش الأخطاء السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والبيئية وأكثرها فشلاً وخيبة ، وبعد الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب العراقي وبحق أتباع دياناته ومذاهبة واتجاهاته الفكرية الديمقراطية ، وبعد المجازر والإبادة الجماعية التي تعرض لها بنات وأبناء وطننا المستباح بالطائفية والفساد في الموصل وعموم محافظة نينوى ، من الإيزيديين والمسحيين والشبك والتركمان ، بعد كل المآسي التي تسببت بها سياسات البيت الشيعي الخرب بقيادة نوري المالكي ، بعد كل ذلك صرح نوري المالكي بعظمة لسانه وأمام كل من تابع اللقاء التلفزيوني مع شبكة الإعلام العراقية (شاع) في برنامج آفاق بما يلي :
” بالحقيقة ، المتصدين من السياسيين ، والشعب يعلم ، وأنا أعتقد ، أن هذه الطبقة السياسية ، وأنا منهم ، ينبغي أن لا يكون لها دور في رسم خارطة العملية السياسية في العراق ، لأنهم فشلوا فشلاً ذريعا ، وأنا منهم ، ينبغي أن يبرز جيل آخر بخلفية الوعي لما حصل وبخلفية الأخطاء التي ارتكبوها..”. (أنظر : المالكي : انا وجميع السياسيين فشلنا ويجب عدم اعطاءنا اي دور في رسم خريطة العملية السياسية في العراق ، 31/03/2015 ، شبكة شاع).
عبَّرَ هذا التصريح عن صحوة ضمير قصيرة جداً ، للحظة واحدة ، لرئيس وزراء استمر ثمانية أعوام في الحكم بين 2006-2014 ، كانت سنوات عجاف مليئة بالدم والدموع والخراب والدمار والاجتياح للعراق من بوابة الموصل وما اقترن به من نزوح وهجرة لمئات الألاف من أبناء وبنات وطننا المستباح ، إضافة إلى عشرات آلاف القتلى والجرحى والمعوقين والمسبيين والمغتصبات ، وبضمنهم شهداء مجزرة معسكر سبايكر التدريبي.
لم يكن الفشل الذي تحدث عنه نوري المالكي قد شمل الطبقة السياسية الحاكمة فحسب ، بل شمل الفشل النظام السياسي الطائفي المحاصصي الفاسد والمشوه كله ، هذا النظام الذي أقيم بالعراق عبر قوى الاحتلال الأمريكي – البريطاني ، وقوى النظام السياسي الثيوقراطي الاستبدادي الإيراني في العراق ، وقوى الدولة العميقة المجرمة التي برزت في البلاد ابتداء من عام 2004 وما بعدها.
وهذا الفشل الذريع لم يقتصر على حكومة نوري المالكي ، بل شمل كل الحكومات التي أعقبت حكومته ، وبشكل خاص حكومة ، الذي أطلق عليه شعب لقب “جزار الشعب العراقي” عادل عبد المهدي ، وهو المسؤول عن أفعال الطرف الثالث ، أي الدولة العميقة ، في قتل المتظاهرين بالاشتراك مع أجزاء من الأجهزة الأمنية ، في انتفاضة الشعب الباسلة في تشرين الأول/أكتوبر 2019 . هذه المجموعة من قادة الحكومات المتعاقبة يجب أن يقدموا للمحاكمة لا أمام القضاء العراقي فحسب ، بل وأمام المحكمة الجنائية الدولية لتهم ارتكابهم مجازر دموية في العراق أو تسببهم في ارتكاب مجازر وإبادة جماعية واختطاف واغتيالات وقتل مستمر لنشطاء الحركة المدنية في العراق . اقترح على نقابة المحامين العراقي ومنظمات مجتمع مدني أخرى ، أن تدرس سبل تقديم دعوى قضائية ضد هذه الطبقة السياسية التي تحدث عنها نوري المالكي ، ومنهم مثلاً رؤساء الحكومات ورؤساء مجالس النواب ووزراء ومسؤولين كبار وقادة عسكريين خلال الفترة المنصرمة حتى يومنا هذا إلى المحكمة الجنائية الدولية ، تماماً كما حصل اليوم لدكتاتور السودان السابق عمر البشير وأثنين من مساعديه، حيث وافقت حكومة تسليمهم للمحكمة الجنائية الدولية لمحاكمتهم على الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب السوداني لاسيما في دارفور .
هذا الحاكم الدموي ، الذي صحا ضميره للحظة قصيرة ، عاد اليوم ليتحدث عن عودة الطبقة السياسية الحاكمة ذاتها ، للبيت الشيعي الخرب ، لأعوان إيران في العراق ، لمؤسسات الدولة العميقة ، إلى الحكم المباشر ثانية ، وكأنه ومعه الطبقة السياسية ذاتها ، لم يكونوا طيلة الفترة المنصرمة في الحكم ويديرون البلاد بأسوأ صيغ الحكم ، حتى أضحت البلاد مفلسة ومديونة وتدفع ما يقرب من 15 مليار دولار سنوياً فوائد عن القروض الخارجية التي اقترضها العراق من الخارج ، حتى أصبح في العراق ما يتراوح بين 50-60% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر أو عليه ، في مقابل نسبة ضئيلة جداً جداً جداً من السكان من أكلة السحت الحرام واللصوص الذين يسرقون الدولة من الباطن حيث تنهب أموال العراق ، أموال نفطه ونفطه الخام . هذا الحاكم والمستبد بأمره وأمر خامنئي رجل نشر يوم أمس يوستراً دعائياً يحمل صورته وشعار : ” نعيدها دولة ” ، أي عائدون إلى الحكم عبر الانتخابات المبكرة القادمة لنعيد الدولة الهامشية والتابعة التي بنيانها طوال ثمانية عشر عاماً ، إلى دولة أكثر هامشية وتهميشاً وأكثر تبعية لإيران وأكثر تهميشاً لمصالح الشعب . إن المالكي يريد العودة ثانية ليضع العرق ، وأكثر من أي وقت مضى ،تحت “الانتداب الإيراني” !!! لقد نسى المالكي أن يضع مع صورته صورة خامنئي في البوستر ليشكلا معاً وليَّا العصر . وهذا بالضبط هو الذي يجب مقاومته بكل السبل الديمقراطية المتوفرة.
لقد هيأت “الطبقة السياسية” ، التي تحدث عنها نوري المالكي ونعتها صوباً بالفشل الذريع ، مستلزمات عودتها السريعة والكثيفة إلى مجلس النواب العراقي الجديد . فالمعلومات المتوفرة تشير إلى تلك الشروط الستة التي قبل بها مصطفى الكاظمي ليحظى بموافقة البيت الشيعي ويمنحه الموافقة لتسلم رئاسة مجلس الوزراء لإجراء الانتخابات العامة المبكرة على وفق مطالب قوى الانتفاضة التشرينية وبشروطها المعروفة . لكن مصطفى الكاظمي وافق على تلك الشروط المخالفة تماماً لمطالب قوى الانتفاضة والتي أعدتها له قوى “البيت الشيعي” ، والتي تتلخص بما يلي :
** عدم فتح ملفات الفساد لكبار المسؤولين في الدولة والاحزاب الحاكمة الموجودة في ادراج مجلس الوزراء ومجلس النواب وهيئة النزاهة والاستخبارات العراقية .
** عدم التحرش بوجود وعمل وسلاح الميليشيات الطائفية المسلحة والحشد الشعبي.
** عدم فتح ملفات التحقيق في قتلة المتظاهرين أو عمليات الاختطاف والاغتيال السياسي لنشطاء الحراك المدني الديمقراطي ، وعدم تقديم من يعتقل منهم إلى المحاكمة .
** اختيار مجلس وزراء حكومته على أساس المحاصصة الطائفية والأثنية ، وأن يتم ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر على أن يحظى بموافقة الأحزاب الحاكمة .
** عدم اجراء تعديل جدي في قانون الانتخابات وبنية مفوضية الانتخابات ، أي حتى بعد تشكيلها من قضاة يجب أن يكون لهم ارتباط فعلي بقوى المحاصصة الطائفية والاثنية .
** العمل السريع على تنفيذ قرار مجلس النواب في اخراج القوات الامريكية من العراق.
وكل المؤشرات التي تحت تصرف الكاتب تشير إلى الالتزام الثابت للكاظمي بتلك الشروط ، وحين يخرج ولو للحظة واحدة عن تلك الشروط يعيدوه إلى “صوابه!” ، كما حصل في عدد من الحالات الأخيرة بما فيها اعتقال قاسم المصلح وإطلاق سراحه ، أو اعتقال قاتل هشام الهاشمي دون الإعلان عمن يقف خلف هذا القتل …الخ .
لقد عمل الكاظمي على مدار ال 15 شهراً على مسائل جانبية وهامشية حقاً لا تغير من واقع العراق المأساوي ، وترك المسائل التي كان يفترض العمل عليها , أي توفير مستلزمات إجراء انتخابات حرة ،نزيهة وعادلة ، كما طالب بها المنتفضون ، بل التزم بالشروط والمقاسات التي وضعتها له “الطبقة السياسية” التي أعلن نوري المالكي عن فشلها ، وهي ما زالت في الحكم ، وتريد إعادة إنتاج نفسها في الانتخابات المبكرة القادمة ، وهو ما ينبغي معرفته جيداً وتنشيط العمل السياسي المناهض لهذ العملية السياسية المشوهة والانتخابات المشوهة القادمة بين صفوف الجماهير ورفع مستوى الوعي لمقاطعتها والنضال الجسور للخلاص من هذا النظام المشوه والمدمر لوحدة العراق وعيش شعبه وحريته واستقلال الوطن وسيادته .