نحلم بعراق جديد
زهير كاظم عبود
تخلصنا من زمن الدكتاتورية البغيض ٫ وتجمعت الأحزاب والشخصيات التي كانت تتعارض وتتقاطع مع النظام السابق لتصبح حكومة وتمسك زمام البلاد ٫ صار لنا دستور يرسم لنا طريقنا القانوني وشكل دولتنا ونظام حكمنا ٫ وسنفترض ان الزمن كفيل بان يوفر العراق جميع الحقوق التي يطالب بها المواطن ٫ كل الحكومات والأحزاب والشخصيات تعمل من اجل تحقيق حقوق المواطن وحماية امنه وكرامته.
صار لنا عراق ديمقراطي وفيدرالي وتنص مواد دستوره على ان للفكر حرية وللعقيدة حقوق وأن لنا الحق في الحياة والأمن والحرية والتعبير عن افكارنا وعقيدتنا بكل الوسائل ، وأن كرامتنا كعراقيين مصانة قبل حياتنا .
كيف لنا أن نتعلم أن طرق البناء متعددة وسنختلف عليها ، ولكن علينا أن نعرف أن هذا الأختلاف في عمليات البناء لا الهدم ، وفي عمليات الترميم لا للتخريب ؟
كيف لنا أن نتعلم أن لا زعيم أوحد بعد اليوم ، ولاحزب واحد يقود الجميع مثل القطيع ، وأن القيادة للجميع والكل مدعو للمساهمة في البناء دون أي استثناء ؟
كيف لنا أن نتعلم أننا أديان مختلفة وقوميات مختلفة ومذاهب مختلفة وكنا ولم نزل نتعايش بسلام ومحبة وتآخي وصفاء وانسجام لم يعكر علينا الحياة سوى مجيء صدام البائد للسلطة .
كيف لنا أن نفهم أن الفيدرالية ليس تكريس الانقسام القومي ولاتقسيم للوطن، أنما هي صيغة دستورية وشكل من أشكال الحكم شرعها فقهاء القانون ، ومارست تجربتها العديد من الدول التي نجحت في تطبيقها واستفادت من تجارب الآخرين ، وعلينا الاستفادة من تجربة الجميع .
كيف لنا أن نعرف أن نظام صدام ولى الى مزبلة التاريخ، ونتذكره حين يرد أي شيء سيء في بالنا ؟ أن علينا أن نتوحد ونتكاتف ونلتحم لنختصر الزمن ، فأمامنا طريق طويل للبناء ، وهذا الطريق هو أمانة الأجيال القادمة في رقابنا .
كيف علينا أن نعيد تنظيم مجتمعنا ، ونتفحص القيم البذيئة والسيئة التي جاء بها عصر صدام حسين المنحط ، وعلينا أن نرمي القيم السيئة والتافهة ونستعيد قيمنا الجميلة وأعرافنا الأجمل ؟
علينا أن نتفاهم بالمحبة العراقية وبقدر مساحة الحزن التي تبرقعت بها أرواحنا ، وبقدر مساحة الأرض التي توزعنا عليها ، وها قد عدنا الى بقعتنا المباركة ونخلتنا البائسة التي تيبس سعفها وكاد يموت جمارها ، علينا أن نتجاوز الكثير من رغباتنا الشخصية ونطفئ الكثير من أحقادنا ونتجاوز العديد من خلافاتنا ونتسامح في العديد من قضايانا الشخصية ، وعلينا أن ننثر المحبة حقيقة بين بيوتنا نحصنها بها ونسيجها بالقيم العراقية التي كنا نتبجح بها ونتفاخر بها قيم الشارع والمحلة والمدينة ، قيم التسامح والعفو عند المقدرة ، قيم العطف على الفقراء والمحتاجين ، قيم حماية الملهوف والدخيل ، قيم المصالحة والخير والمحبة .
القيم الجميلة والعريقة التي كان يتحصن بها مجتمعنا ن وتزيدنا قوة وأصالة ، القيم والأعراف الجميلة المتناسبة مع تطور الأنسان والزمن .
يحق لنا بان نحلم بعراق يضمن حقوق الأيزيدية ويلتفت اليهم مشيراً بكل وضوح لدينهم القديم والجميل ونصوصهم الدينية الإنسانية والممتلئ بقيم المحبة والخير وتقديس الله وأن يمنحهم الحق في ممارسة طقوسهم بكل حرية ، وان يكون لهم قانون للأحوال الشخصية مثل باقي البشر في ارض الله الواسعة ، وان يكونوا فعلا متساوين في الحقوق والواجبات مع بقية العراقيين ؟
و يحق لنا بان نحلم ان للصابئة المندائية في العراق حضور في هذا الدستور وأن لهم قانون للأحوال الشخصية يليق بديانتهم القديمة والأصيلة، وان لا نجبرهم على الامتثال لغير قانون ديانتهم ، وان يعطهم الدستور ما يتناسب مع حجم عطائهم الوطني وتضحياتهم العراقية ؟
وان نحلم بعراق يعطي للكورد الفيلية ما يتناسب مع فجيعتهم الانسانية وتضحياتهم التي فاقت خيالات الأنسان وقصص الاساطير في كمية الظلم والتهميش والتشريد الذي تعرضوا له والذي تسبب بتقطيع علاقاتهم الاجتماعية ؟ وأن نعيد حقوقهم المسلوبة ومواطنتهم الممزقة وأن نمسح دموع أطفالهم ونضمهم الى القلب بعد ان نعوضهم عن الخسارات التي لحقت بهم .
ونحلم بوطن يعيد للشبك المسلمين حقوقهم ويرفع عنهم الظلم والحيف ويعيد لهم الاعتبار وماضاع عليهم من حقوق وماتحملوه من قساوة السلطات التي اختلفت في المناهج لكنها لم تختلف في تغييبها لهذه الشريحة من الطيبين الأصلاء ؟
ونحلم بعراق يكرم الآشوريين الذين صاروا مع عجين تراب العراق قبل أن يكتب التاريخ حروفه الاولى ؟ المعلمين الأوائل والبناة الذين خطوا لنا الأحرف الأولى ، ورسموا لنا الحضارة ٫ وأن نعيد لهم المجد والمكانة التي تليق ببناة تلك الحضارة ؟
ونحلم بعراق يلتفت للكلدان الذين كانوا ولم يزلوا يرسمون المحبة والعطاء للعراق الكبير الذين بنوا حجارته واحدة لصق اخرى؟ ورصفوا تأريخه بمحبتهم وبعرقهم وجهودهم التي لم تزل معالمها حاضرة حتى اليوم ، الشريحة الطيبة والعبقة التي تعطي ولأتأخذ بصمت القانع المبتلي بمحبة العراق .
ونحلم بعراق يعطي للتركمان ما منعته عنهم السلطات البائدة والشوفينية البغيضة التي تنزع عنهم اصالتهم ووطنيتهم وتضحياتهم الجسام من اجل العراق ؟ وأن نعيد لهم بهائهم وتألقهم ولغتهم التركمانية العراقية وخصوصيتهم داخل القلب العراقي.
يحق لنا ان نحلم بوطن يحفظ للأرمن كل مالهم من حقوق ويزيل عنهم الأذى والظلم والتغييب وهم الشريحة التي كانت تعطي بصمت؟ وان نضمن لهم عدم تكرار المجازر التي حلت بهم .
ونحلم بوطن يقر بحق الأنسان في الحياة ويعترف أن جميع العراقيين مهما اختلفت قومياتهم او ديانتهم حقاً شركاء في هذا الوطن ، وان لهم كل الحق في اختيار شكل السلطة التي يريدون .
و نحلم بعراق تشيع فيه المحبة والألفة وينتشر التسامح والتآخي، وأن تختفي مظاهر السلاح والقنابل اليدوية من كل الظاهر وبأي شكل كان ، وأن تمنع السلطة حتى لعب الأطفال من الأسلحة والمسدسات والرشاشات المرعبة ، وأن احلم بعراق يختفي في بيوته وشوارعه صوت التفجيرات والالغام ، وأن نزرع شجر الدفلى وورد الياسمين على حافات الطرق العامة التي يحددها الآس ، وأن نستمع لصوت البلابل وهي تغرد فوق أشجار البرتقال والرمان وتغفو بين سعفات النخيل ؟
نحلم بعراق خال من الاضطهاد والقمع والتهديد والاغتيال ومظاهر القسوة والتنكيل والدسائس؟
ونحلم بوطن يفيض فرحه المشع فوق ليله وحتى نهاره وتتحول ايامه الى زاهية ومشعة ومفعمة بمظاهر الانسانية ؟
ونحلم بعراق خال من الإرهاب أيا كان مصدره ومنبعه ، وبعيد جدا عن التجارب المتطرفة والتفخيخ والبهائم التي تتمنى أن تموت ومعها المئات دون ذنب ؟
ونحلم بوطن يدعى عراق يحميه الله والأنبياء والأوصياء، وطن محمي بكل الديانات الأسلام والمسيحية واليهودية والصابئة المندائية والأيزيدية والزرادشتية ، وطن محمي بالعرب والكورد والتركمان والأشوريين والكلدان والأرمن .
وطن سيحميه الله وكل الناس الغافين على المحبة والتآخي .
متى نبدأ البناء؟ سؤال يدور في أذهان العقلاء من أبناء العراق.
متى نوفر الكهرباء والماء الصالح للشرب والمواصلات والتي تليق بنا وبالسكن الدي يحفظ كرامتنا ؟ متى نبني مدارسنا ونقيم مستشفياتنا ونعيد ترميم مصانعنا ونبلط طرق مواصلاتنا وان يصير عندنا قطار حديث ومترو يختصر الطرق والمسافات وان تساهم حكوماتنا بحملات لإعادة زراعة الحدائق والساحات العامة ؟ متي تعاد الخدمات الأساسية التي تعيد بهاء عاصمتنا ومدننا التي صارت بائسة وتعود افراحنا وانوار بيوتنا ونستمتع بايام عمرنا ؟
كيف لنا أن نساهم بالمحبة في أن يستعيد أخوتنا ممن أخطأوا بحقنا وكتبوا عنا تقاريرهم ونظروا لنا ولأهلنا نظرات الاحتقار والريبة والحذر، وراقبوا جلساتنا وخلواتنا؟
كيف لنا أن نعيد لهم ثقتهم بأنفسهم من أنهم جزء منا وهم أولادنا وأخوتنا ماداموا لم يرتكبوا الجرائم التي يحاسب عليها القانون والشعب ؟ وكيف لنا أن نضعهم أمام واقعهم و نبصرهم بالخطأ الذي كانوا به يعمهون ، وأن الطاغية كان يريدهم حطباً وأعواد الكبريت التي يشعل بها بيوتنا وحياتنا ومستقبلنا ويحرقهم معنا ؟
كيف لنا أن ندفع أخوتنا من المتوهمين والسذج للوعي من أن عليهم أن يقدموا لوطنهم وشعبهم مايساهم في البناء الجديد ؟
كيف لنا أن نستعيد أنفاسنا ونتخلص من عواطفنا ونسترجع حقيقة أن من كان يقع في تيارات الوهم هم أخوتنا وأصحابنا قبل أن يسقطهم الطاغية في شباكه وخرائبه ؟
كيف لنا أن نبدأ بتعليم أنفسنا دروس الديمقراطية الحقيقية التي نريد ؟ وأن نتقبل الفكر الآخر والرأي المخالف ، وأن نسمح للمعارض أن يقول اعتراضه ، وأن نسمح للنقيض أن يكتب ما يريد بكل حرية ودون مساس بشخصه أوكرامته .
أعطينا من الشهداء مالم تعطه أمة مثلنا ، ولم نزل نلملم عظام شهدائنا ، ولم نزل نتعرف على ما طمرته الأرض المجهولة في ربوع العراق من أجداث شهدائنا ، ولم نزل نعطي ونقدم الشهداء في مسيرة البناء ، ومع كل هذا العطاء علينا أن نفكر بالبناء .
الخراب الذي حل في أرواحنا ومجتمعنا وأرضنا ومعاملنا ومدارسنا وبناياتنا والبنى التحتية لعراقنا ، الخراب الذي لحق مياهنا وأهوارنا وسمائنا ، الخراب الذي لحق جيشنا وشرطتنا وقوانيننا ودستورنا ، والخراب الذي لحق اقتصادنا وثرواتنا البشرية والمادية والطبيعية ، الخراب الذي لحق سمعتنا بين الأمم ، كل هذا الخراب بفعل صدام البائد ولابد لنا من ترميم ما نقدر على ترميمه وبناء ما أنتهى في الزمن البائد .
أن عملية البناء أصعب من الهدم بالتأكيد ، وعلينا أن نضاعف جهودنا مثلما نضاعف سعة قلوبنا ومحبتنا ، وأن نداوي جروحنا ونلملم ما تناثر من شعبنا ووطننا ، وأن نتصافى ونتدارك الزمن قبل أن يفوتنا هذا القطار السريع الانتقال