كيف ولماذا اضطهد التوراتيون العالِمَ طومسون وحولوه من أستاذ جامعي إلى بواب!
علاء اللامي*
إنه توماس ل طومسون، العالِم اللاهوتي الذي دفع ثمن إخلاصه للحقيقة حين كشف لا تأريخية التوراة وخرافيتها، فلفظته أميركا وحاصره التوراتيون فطُرِد من كرسيه كأستاذ جامعي واضطر لاحقا ليعمل بوابا وصباغا “دهانا” للبيوت لفترة!
*ولد توماس طومسون (Thomas L. Thompson) في 7 يناير 1939 في ديترويت بالولايات المتحدة الأميركية. نشأ متخصصا بحثيا في الدين الكاثوليكي وتخرج بشهادة (ليسانس / بكالوريوس الآداب) من جامعة دوكين، بيتسبرغ، بنسلفانيا، في عام 1962.
*أصبح مدرساً لاهوتياً في جامعة دايتون من عام 1964 إلى عام 1965، ثم أستاذًا مساعدًا لدراسات العهد القديم بالجامعة في ديترويت من عام 1967 إلى عام 1969.
*درس اللاهوت للكلية الكاثوليكية بجامعة توبنغن، وأكمل أطروحة الدكتوراه الخاصة به حول “تاريخ الروايات. البطريركية: البحث عن إبراهيم التاريخي”، في عام 1971.
*رُفِضت أطروحته للدكتوراة لأن أستاذه الذي أجرى الامتحان والتقييم، الأب جوزيف راتزينغر، أستاذ علم اللاهوت ورجل الدين الذي سيصبح سنة 2005 بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر، اعتبرها غير مناسبة لعالم لاهوت كاثوليكي.
*فكر طومسون في تقديم أطروحته إلى الكلية البروتستانتية في توبنغن، والتي اضطر إلى تركها في عام 1975 دون دبلوم. تمت دعوته بعد ذلك لإكمال دراسته في جامعة تمبل في فيلادلفيا، حيث تخرج أخيراً لدراسات العهد القديم بتقدير امتياز في عام 1976.
*رفضت الصحافة الجامعية الكاثوليكية موضوع أطروحته وأطروحته إلى حد كبير، ولكن نشره الناشر دي غرويتر برس في عام 1974 تحت عنوان “تاريخ الروايات البطريركية”. *أدى الجدل الذي أثارته هذه الأطروحة المنشورة في الأوساط الأكاديمية الأمريكية المحافظة إلى منع كاتبها من الحصول على وظيفة في إحدى جامعات الأميركية.
*ظل غير قادر على تأمين وظيفة له في الأوساط الأكاديمية الأمريكية في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، واضطر للعمل كمدرس في مدرسة ثانوية وكبواب عمارة وصباغ منازل حتى عام 1984.
*حصل سنة 1984 على منصب أستاذ زائر في مدرسة القدس للكتاب المقدس. ولكن هذه المدرسة تعرضت لانتقادات شديدة من قبل الدوائر الصهيونية الإسرائيلية التي عارضت الشكوك التي أثارها طومسون حول موضوع تاريخية القصص ذات الأصل اليهودي وطُرد من وظيفته.
*عمل طومسون على أسماء الأماكن الفلسطينية لمصلحة منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة، لكن المشروع توقف بسبب اتهامات التي وجهتها له الأوساط الصهيونية بأنه معاد للسامية بمعاداة السامية، وبسبب انتقاد طومسون لممارسات “نزع التعريب” الإسرائيلية في فلسطين وفرض العبرنة بدلا منها.
*على الرغم من سمعته العلمية المتنامية والاعتراف بقيمة أبحاثه، إلا أنه لم يتلق أي منصب ثابت يليق بعلمه، وقد ألقى طومسن باللوم فيه على الدوائر الكاثوليكية المحافظة، وبشكل خاص تحت تأثير الأب راتزينغر.
*في بداية كتابته لرسالة الدكتوراه كان اتجاهه العلمي منسجماً إلى حد بعيد مع ما كان سائداً من الأفكار والنظريات المتعلقة بتاريخ اسرائيل والعهد القديم. وكان سببه أن حضارة نوزي، وقوانينها الاجتماعية والعادات والتقاليد الموجودة في تلك البيئة وجدت أشياء مماثلة في العهد القديم ترجع في تاريخها إلى تلك الحقبة من حضارة نوزي. ولذلك نظر الباحثون إلى أنه من الممكن جداً من الناحية الحضارية أن المنطقتين، فلسطين ونوزي – أعتقد ان المقصود منطقة نوزي الأكدية في شمال بلاد الرافدين شرق كركوك- شهدا تطوراً مماثلاً في العادات والتقاليد، والقوانين. لكن تومسون تبين له فيما بعد أن النصوص المكتشفة في حضارة نوزي قد قرئت خطأ، وفسرت تفسيراً خاطئاً متعمدا لإيجاد تشابه بين نصوص العهد القديم ونوزي. وبعد اكتشاف هذه الحقيقة تغيرت نظرة تومسون إلى الموضوع، وبدأ يدرس العهد القديم من جديد، وفي ضوء تلك الدراسات انهارت النظريات العديدة المتعلقة بالعهد القديم.
*انتهى البروفسور توماس طومسون من رسالته للدكتوراه عام 1971م، حيث فوجئ برد فعل عنيف ضد كتاباته ونتائجه، وثبت له أنه من المستحيل أن يحصل على شهادة الدكتوراه من أوربا، أو ينشر كتابه في أمريكا. حيث رفضت بشكل كامل على أساس أنها لم ترق إلى المعايير الأكاديمية لدور النشر كم نقلت جريدة الحياة. ثم نشر الكتاب في ألمانيا عام 1974م، وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة تمبل بالولايات المتحدة 1976م، ولكن الذين وقفوا في وجهه في أوربا، حضر بعضهم إلى جامعة تمبل وقت المناقشة، وحاول اقناع البروفسور هناك بعدم منحه الشهادة، انظر جريدة الحياة 24/12/1421هـ.
*في هذه الفترة أي عام 1975م نشر باحث كندي اسمه جون فان ستر بحثاً عنوانه “إبراهيم في التاريخ والأعراف والتقاليد (Abraham in History and Tradition ) ونتائج أبحاثه أيدت ما كان يذهب إليه تومسون، بأن قصص العهد القديم ترجع في أصلها إلى القرن السادس قبل الميلاد، أو حتى متأخرة عن هذه الفترة، ثم ظهر كتاب آخر، اشترك في تأليفه عدد من الباحثين، وكانت النتيجة التي توصلوا إليها بأنه لا يمكن الاعتماد على العهد القديم “التوراة” كمصدر تاريخي، وعلى هذا فقد انهارت الاسطورة القائلة إن العهد القديم “التوراة” يشتمل على الحقائق التاريخية.
*في عام 1975م عاد طومسون من ألمانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ونظراً للمعارضة الشديدة لآرائه في الأوساط العلمية الأمريكية، حُرم من التدريس في الجامعات الأمريكية، وهو يتحدث عن نفسه في جريدة الحياة فيقول: تقدمت بأكثر من 200 طلب توظيف خلال 12 عاماَ من 1974وحتى 1986م، لكن لم تسنح لي الفرصة خلالها إلا لمقابلة جدية واحدة.
*لكسب العيش تحول طومسون إلى عامل للدهان “الصبغ” في بيوت الناس، وعامل يدوي يشتغل حيثما يوجد العمل، فعمل لفترة بوابا ولكنه لم ينقطع عن العلم، فكان ينفق وقته مساء في نهاية الأسبوع في البحث العلمي لدراسة العهد القديم، ولقد استمر الوضع هكذا لمدة عشر سنوات، حتى عين أستاذاً مساعداً في المدرسة اللاهوتية بالقدس عام 1985م، واستمر في هذه الوظيفة قرابة سنة.
*وفي هذه الفترة اشترك في البحث مع غونسالفيز الذي كان يعمل استاذاً هناك أيضاً عن أسماء المواقع الفلسطينية، حيث بدآ سوياً في عمل تمهيدي عن التغيير في أسماء المواقع الجغرافية منذ عام 1948م، ووصلا إلى نتيجة مفادها وجود برهان على عمل مبرمج ودؤوب لتجريد كافة أنحاء فلسطين من أسماء المواقع العربية. ومن ثم فقد استغني عن خدماته، ورجع طومسون مرة أخرى إلى صبغ البيوت والأعمال اليدوية الصغيرة، ثم حصل على منحة للبحث من الوقف القومي في عام 1987م، ونشر دراسته كاملة عن العهد القديم في سنة 1992م بعنوان “التاريخ المبكر لبني إسرائيل” (The Early History of Israelite People) وقد تسبب هذا الكتاب بردود فعل أعنف من سابقه ضد المؤلف.
*كما اشتغل في جامعة ماركويت وجامعة لورنس، وهما جامعتان كاثوليكيتان، وخاضعتان للجهات التبشيرية، وبما أن أبحاثه وتوجهاته كانتا في سمت مخالف للجامعة الكاثوليكية، فالجامعة قررت الاستغناء عن خدماته، وحسب القول رب ضارة نافعة، عين طومسون أستاذاً لتدريس العهد القديم في جامعة كوبنهاجن بالدانمارك، وكان ذلك في عام 1993م.
*تقاعد طومسون عام 2009 بلقب أستاذ فخري.
*أصدر أكثر من عشرين كتابا مهما ترجمت خمسة منها إلى العربية. كما أصدر أكثر من 170 مرجعا علميا في تاريخ فلسطين والأدبيات التوراتية.
*رغم تقاعده ما يزال يواصل عمله وأبحاثه العلمية بنشاط، وآخر نشاط علمي له كان تقديمه سلسلة من المحاضرات في فلسطين المحتلة قبل سنتين، رفقةَ زوجته الباحثة أنغريد يلم المديرة السابقة لمشروع تاريخ فلسطين، حيث ألقيا محاضرات وعقدا لقاءات مع الطلاب الفلسطينيين بدعوة من البيت الدنماركي الفلسطيني في جامعة الخليل وفي المتحف الفلسطيني ببيرزيت وفي دار الآثار جامعة القدس – أبو ديس، وفي جامعة القدس البلدة القديمة وأماكن أخرى وقد جمعت وترجمت عشر من تلك المحاضرات وصدرت سنة 2019 في كتاب يحمل عنوان “الماضي العصي” عن دار الناشر في رام الله.
Re: Faktura 365451
Re: Faktura 365451
Fwd: Ditt domännamn är på väg att gå ut
Fwd: Malmö Arab Film Festival 2021