ثورة الامام الحسين ( ع ) من منظار قانوني
زهير كاظم عبود
وفقا لمعيار العصر الحديث فان المحاولة التي قام بها حاكم الشام معاوية بن ابي سفيان كانت انقلابا على الخليفة ٫ودون الخوض في اسباب ومقدمات وأساليب هذا الانقلاب فانه أحدث تغييرا جوهريا في بنية الحكم القائم في تلك الفترة ٫ التغيير يكمن في تحول الحكم من سلطة (الشورى) والاختيار التي سنتها سلطة الخلفاء الراشدين الى سلطة الملكية والتوريث والحاكم المالك الذي ينقل السلطة الى أولاده واخوته واهل بيته من بعده ٫ وهذا التحول سينتج احداثا ووقائع مؤثرة في حياة الناس وتماسك الامة الإسلامية ٫ ولغرض إضفاء نوع من التعمية والغطاء سيتم الاحتفاظ بلقب (امير المؤمنين) على الحاكم مثلما كان معتمدا في العهد السابق ٫ وبهذا الانقلاب انتهى عهد الشورى وانتهت معه مفاهيم الاختيار في الدولة الإسلامية لتتحول الى دولة القبيلة والبيت الواحد .
بهذا الانقلاب أصبح الإقليم الذي يحكمه معاوية بن ابي سفيان في الشام مركز الدولة بعد ان كان في المدينة ٫ وبعد ان تمكن الحاكم ان يبسط سيطرته الفعلية على بقية الأقاليم وبوفاة الحاكم السابق وتنازل واعتزال الامام الحسن بن علي ( ع ) الذي يخلفه شرعا شرط ان يبقي الحكم (شورى ) ٫ ولما استتب الامر لوالي الشام نكث بوعده ٫ واصبح قائد الانقلاب الملك والسلطان والخليفة وامير المؤمنين الذي يأمر فيطاع ويقرر فيتم التنفيذ ٫ وفق هذا المنظار العام قرر معاوية بن ابي سفيان ان يكون ولده ( يزيد ) الخليفة وامير المؤمنين والملك القادم من بعده ٫ ومن الطبيعي ان تلقي رغبته ورايه موافقة واستحسان من المستشارين ووعاظ السلطان سيان كان غير مؤهل ليكون حاكما فعليا او انه لا يستحق ان يكون في هذا المركز بالإضافة الى اجماع أهالي الشام وهي مركز السلطة على هذا الاختيار .
ولما كان هذا الانقلاب يفتقد للشرعية القانونية دون حصول موافقة الأقاليم ٫ حصلت حالة من الرفض من الحجاز حيث رفض اهل المدينة البيعة ٫ فقصدهم معاوية وتحت تأثير الضغط والتهديد بالتصفية تمت مبايعة بعض منهم ٫ ومع وجود تلك المعارضة تم الإعلان عن تنصيب (يزيد بن معاوية بن ابي سفيان) خليفة واميرا على المسلمين كافة.
لا يغيب عن بالنا ان البيعة في تلك الفترة تتجسد في كلمة ٫ لم تكن هناك دوائر رسمية لتوثيق الموافقات والاتفاقات ٫ يتم احترام الكلمة باعتبارها ميثاق الشرف المعتمد عرفا ٫ ويتم اعتمادها واعتبار قيمتها ماديا ومعنويا وحين يعجز الحاكم عن استحصال كلمة البيعة وموافقة المعارض سيفتقد للشرعية التي تؤهله لان يكون حاكما او اميرا ٫ بالإضافة الى افتقاد الحاكم الجديد لصفات الكفاءة والقيام بأعباء المنصب وقدرته على التحكم بالعقل والمعيار الشرعي المطلوب للمنصب ٫ غير ان أساليب جديدة تم اعتمادها لمعالجة حالة التعارض الفعلي ورفض البيعة ٫ ظهرت ملموسة في التصدي بالقوة والسلاح والتهديد والتنكيل للحصول على البيعة قسرا واذعانا ٫ وتم اعتماد مواجهة حالات المعارضة بأساليب ومفاهيم لم تكن معتمدة سابقا.
جوبه تنصيب يزيد بن معاوية بحركات معارضة متعددة ٫ كانت ثورة الحسين بن علي ( ع ) اكثرها بروزا وثقلا ٫ حيث تزامنت معها حركة عبدالله بن الزبير الذي لم يبايع معاوية أصلا ٫ وتكرر امتناعه عن المبايعة ليزيد حيث تمت تصفيته وقتله بين اهله ووسط مدينته مكة التي اعلن فيها معارضته بعد وفاة يزيد بن معاوية ٫ وبإعلان الحسين بن علي ( ع ) رفضه البيعة ليزيد فانه بإعلانه هذا شكل جبهة معارضة لشرعية وقانونية الحكم .
تطورت ثورة الامام الحسين (ع ) لتتعدى حالة الرفض في المكان حيث انتقل الى إقليم اخر من الأقاليم الواقعة تحت سلطة الحاكم ينشر معارضته وصولا الى سحب السيطرة والسطوة من يد الحاكم الى يد الشعب بالرفض ٫ ومواجهته بالقوة ان تطلب الامر.
كان من بين اول الأوامر التي أصدرها يزيد بن معاوية الحصول على بيعة اهل الحجاز ٫ تم تكليف والي المينة (الوليد بن عتبة ) ان يأخذ البيعة من الامام الحسين وعبدالله بن الزبير وعبدالله بن عمر اخذا شديدا ليس فيه رخصة حتى تتم البيعة ٫ يعني ان تتم البيعة بالقوة والقسر ٫ وهو اول الأساليب القسرية التي سنها يزيد ومن قبله والده معاوية ٫ واخذ البيعة من الامام الحسين تعني بالإضافة الى بيعة بنو هاشم امتدادها لانصار الامام علي والحسين في البصرة والكوفة .
توجه الامام الحسين بن علي ( ع ) معتمدا الطريق السلمي للمواجهة في رفض بيعة الحاكم ٫ بدليل انه اصطحب معه عياله واصحابه ٫ ولم يكن حينها مستعدا لمواجهة عسكرية وقتال ٫ غير ان القوة التي واجهت الامام في موقعة كربلاء كانت تلح على الامام ان يعطي كلمة البيعة ٫ مجرد كلمة تعصم الامام وتمنحه الحرية في العودة مع اهله سليما وربما غانما ومحفوفا بتقدير السلطة ٫ غير انه ابى ورفض المساومة علي العهد الذي قطعه والراي الذي خلصه من ان الحاكم الذي ورث الحكم لا يمكن ان يكون في مصلحة الامة ولايملك من المؤهلات لتبوء هذا المركز ٫ ولهذا فانه غير مقتنع به حاكما شرعيا فكرا او سياسة .
وعبثا حاول الامام ان يتجنب المواجهة العسكرية غير المتكافئة الا انه أرغم عليها في مواجهة تاريخية جسدت كل معاني الشجاعة والإصرار على الراي والثبات على الموقف ٫ ليسجل عام ٦١ للهجرة حدثا تاريخيا ومأساويا رفع من معيار المبادئ والقيم ٫ وجسد اسمى معاني الشرف في عدم منح الحاكم الشرعية التي يفتقدها ٫ وأيضا يترك لنا صورا بشعة وغاية في الخسة والتجاوز على الأعراف والقيم في محاربة الخصم والتنكيل باهله والتمثيل بالجثث ٫ لتكون السلطة والحكم الهم الأكبر والأول لدى الحاكم المهووس بالمنصب ٫ لتترك ندوبا واثارا عميقة في الجسد الإنساني ٫ وعلامة فارقة من علامات فقدان الشرعية واعتماد أساليب القسوة والبطش في معالجة المعارضة .
الموت مقابل الإصرار على الموقف ٫ ونهاية الحياة امام عدم الإقرار بشرعية الحاكم ٫ القتل مقابل الثبات على المبدأ ٫ الشرعية تنتهي حين يقوم الحكم على أسس تخالف المنطق والاجماع ٫ وحين يكون التصرف مخالفا للعقل والعدالة وحين يفتقد الحاكم لحصافة الراي ويفتقد لتدبير مصالح العباد على حساب التمسك بالسلطة .