الأعمال المسرحية في روسيا من بداية القرن العشرين حتى ثورة أكتوبر عام 1917
تنبأ الكتّاب في بداية القرن العشرين بالتغيير القادم وجسدوا ذلك في أعمالهم الأدبية. وكانت الأعمال المسرحية في هذه المدة تلبي متطلبات الحداثة ومذهب الواقعية , وابرز من كتب المسرحية في تلك الأعوام “تشيخوف و غوركي” .
نشر انطون تشيخوف في عام 1899 مسرحية “الخال فانيا” التي تصور بروفسوراً شهيراً هو سريبريانيكوف الذي استغل فانيا أخا زوجته الأولى لمدة عشرين سنة , تختلف هذه المسرحية عن اعمال تشيخوف الأخرى بقلة الشخصيات الثانوية فيها و بقلة جاذبيتها وخلوها من الرموز المثيرة , ونشر في عام 1905 مسرحية “الشقيقات الثلاث” التي لاقت نجاحاً منقطع النظير عند عرضها على خشبة المسرح.
تعكس هذه المسرحية الصراع بين الإنسان المتعلم صاحب الفكر السليم والتافهين والأنانيين ومحدودي التفكير فالأخوات الثلاث الحيويّات النشيطات المتعلمات من عائلة كروزوروف يُجبَرنَ على العيش مع أخيهن اندريه في قرية ضمن مجتمع ريفي ضيّق الأفكار حياةً اعتيادية رغم رغبتهن في العودة الى موسكو , وهذا يشكل رمزاً لتحقيق الذات , ولكن ما ان تصير ناتاشا زوجةً لأخيهن حتى تجري تحولات جذرية في حياتهن.
تبدو جليةً في مسرحية “الأخوات الثلاث” احباطات الناس الحيويين. فالإخفاق يلازم الأخوات الثلاث “ماشا و إيرينا وأولغا” بسبب غياب الحب السعيد حتى يُطْرَدْنَ من البيت وتفشل أحلامهن , يسخر تشيخوف كعادته من مثل هذه الشخصيات بسب ضعفها وخمولها وعدم اصرارها على السعي من اجل تحقيق السعادة.
عمل تشيخوف الآخر الذي نال شهرة كبيرة هو مسرحية “بستان الكرز” التي تحدثنا عنها في سابقاً في هذه الزاوية ولا داعي الآن لتكرارها.
أما مكسيم غوركي فقد كانت كتاباته نماذج مثقلة بالسياسة ومثالا للأدب الماركسي الصريح. نالت اعماله المسرحية اهتماماً كبيراً بفضل النواحي الفلسفية التي تتناولها وخاصة في مسرحية “في الحضيض” ومسرحية “ابناء الشمس” وقد تناولنا كل واحدة من هاتين المسرحيتين بشكل من التفصيل. ومسرحية “البرجوازيون الصغار” التي جسدت الواقع الروسي قبيل ثورة 1905 , ومثلت هذه الأعمال بدايات الواقعية الإشتراكية رغم انها كانت تُنسب الى الرومانسية الجديدة التي صارت في روسيا الإتجاه الأدبي الأساسي في بداية القرن العشرين.
وبرزت في تلك المدة مسرحية الشاعر الكسندر بلوك “الوردة والصليب” التي نشرها في عام 1913 , تتطرق المسرحية الى مشكلة انسانية روحية معقدة تتمثل في التناقض بين رغبة الفرد في ممارسة حياته الدنيوية بشكل كامل وبين رغبته في السمو وبلوغ الدرجات العليا للحياة الروحية.
تعد هذه المسرحيية من اهم الأعمال الصوفية في بداية القرن العشرين ويبدو فيها الإتجاه الرمزي واضحاً رغم توجهه نحو الواقع وتحدثه عن الموضوعة الإجتماعية.
وظهرت كذلك اول اعمال الشاعر فلاديمير ماياكوفسكي في عام 1913 المسرحية الشعرية “فلاديمير ماياكوفسكي : تراجيديا” التي عبرت عن غرور مؤلفها وصوته العالي وتوقه الشديد الى الحب واستحسان رأيه وصوّرته مضحياً من اجل نقل معاناة وآمال الآخرين وعذاباتهم وتضمنت كذلك احتجاجه على اشكال الحياة التافهة وتغنّت بالقيم الإنسانية.
وقد انعكس في تلك المسرحية الزمان الذي عاش فيه الشاعر ماياكوفسكي اي زمن التحولات الفكرية والإجتماعية وزمن الثورة على الذات وما يحيط بها , ويُلاحظ في هذه المسرحية امتعاض الشاعر من المُثُل الزائفة في المجتمع وفضحه للوطنية الزائفة التي يؤمن بها التافهون من البرجوازيين واكد فيها مسؤولية المثقف امام المجتمع.
بقلم الكاتب
الدكتور تحسين رزاق عزيز