في العراق: طالبة في «الديوانية» تقاوم المستحيل! وناشطون ينعون «حامية مكتبة البصرة»
بيدر ميديا.."
في العراق: طالبة في «الديوانية» تقاوم المستحيل! وناشطون ينعون «حامية مكتبة البصرة»
انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي صورة لطالبة عراقية تجلس داخل عربة بخارية تقرأ كتاباً فيما والدها يقود العربة متوجاً نحو مدرستها في محافظة الديوانية.
تلك الصورة أثرت بشكل كبير على رواد مواقع التواصل الاجتماعي لما تحمله من رسائل إنسانية هامة.
وتداولتها عدة قنوات كان أبرزها قناة «ناس» العراقية.
إنها قصة كفاح وصبر يعيشها معظم سكان تلك المناطق الفقيرة. يحاربون أوضاعهم الصعبة يومياً ويحاولون التغلب عليها بإصرارهم على الحياة.
تلك الشابة الصغيرة لم يرهقها العوز ولم يقف في طريق نجاحها.
كانت تجلس حاملة كتابها بين يديها تشد على طرفيه بأصابعها وكأنها ترغب بالتهامه وهي تذاكر لامتحانها المنتظر.
امتحان قد يغير ظروف حياتها وحياة أهلها وإخوتها على المدى البعيد.
قد يفتح لها آفاقاً تحلم بالتحليق نحوها.
هكذا جلست فوق سجادة من دوائر ملونة. من ينظر إليها بعناية يعتقد بأن السجادة ستطير بها في أي لحظة لتشق الأفق البعيد محررة تلك الدوائر ساكبة ألوانها على الأيام المقبلة.
بطلتنا لم تكن يوماً فقيرة لأنها صاحبة روح حرة، مجتهدة. إنها سيدة أحلامها. سيدة قصرها البعيد، فالفقر، كما يقول الشاعر المصري صلاح عبد الصبور: «ليس هو الجوع إلى المأكل أو العري إلى الكسوة. الفقر هو استخدام الفقر لإذلال الروح. الفقر هو استغلال الفقر لقتل الحب وزرع البغضاء».
تلك الصورة تعكس الإصرار على التمسك بالأمل في زمن سرق فيه اللصوص كل أموال الشعب، منذ 2003 ولحد الآن.
لم تتحد تلك الفتاة ظروفها فحسب، بل أيضاً تغلبت على درجات الحرارة اللاهبة التي كانت تحرق رأسها وهي منشغلة بالمراجعة لامتحانها.
ولن يكون الحال أفضل داخل قاعة امتحان غير مكيفة في عز الحر في شهر «آب اللهاب».
لقد ذكرتني تلك الصورة بعمالقة من العراق أثبتوا بأن الفقر في بعض الأحيان يكون مصدر ثراء. من بين هؤلاء الرموز الشاعر معروف الصافي، الذي يرتفع تمثاله الآن في الساحة، التي تحمل اسمه وسط بغداد، وبدر شاكر السياب، الذي كان من عائلة فقيرة جداً ومات فقيراً لكن ثروته الشعرية أغنت العالم. والشاعر الكبير أحمد الصافي النجفي، الذي لم يملك سوى القصيدة.
يبدو أن الجمال ينده دوماً للجمال.
لقد وصلت صورة الفتاة إلى لاعبي المنتخب الوطني، فتحركوا مباشرة وأعلنوا عن إطلاق مبادرة لدعمها، أرسلوا لها «قميص المنتخب» موقعاً من عدة لاعبين.
أشاد العراقيون بتلك المبادرة الطيبة التي تؤكد بأن كرة القدم خرجت عن كونها لعبة بين المنتخبات الرياضية لتصبح رسالة إنسانية توثق قيم الأخوة والمحبة وتلهم جمهورها على فعل الخير.
عالية الخفاجي في عيون العراقيين
ونبقى في العراق أيضاً، حيث نعى ناشطون عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي الأمينة العامة للمكتبة المركزية في البصرة (جنوبي العراق) عالية الخفاجي عن عمر ناهز 68 عاماً بسبب مضاعفات وباء «كورونا».
لقد اشتهرت الراحلة بعدما قامت بمنع سرقة وإتلاف 30 ألف كتاب ومخطوطة بعد غزو العراق واحتلاله عام 2003.
كانت عالية الخفاجي، أمينة المكتبة المركزية في المدينة، حائرة في كيفية الحفاظ على إرث علمي بمختلف صنوف العلوم والكتب النادرة والمخطوطات.
ووفقا لموقع درج الإلكتروني، فقد قصدت محافظ البصرة قبيل انهيار نظام صدام حسين طالبة المساعدة في نقل الكتب الموجودة إلى مكان أكثر أماناً، للحفاظ عليها.
وقامت قوات الدفاع الجوي العراقي آنذاك بوضع قوة قتالية مقاومة للطائرات تعلو بناية المكتبة، ما أشعر عالية بأن الإرث الذي عملت على حمايته طيلة سنوات، لم يعد بأمان.
وقتذاك «لم يعر المحافظ الموضوع أي اهتمام ولم يحاول تلبية أمنية عالية، لذا أقدمت على خطوة جنونية بديلة، علماً أن النظام السابق كان يعاقب موظفيه عندما يقدمون على أي عمل خارج أدوارهم الوظيفية من دون الحصول على الموافقات الرسمية.
خطوة كانت قد تعرضها للعقاب الشديد في تلك الحقبة. هكذا طرحت فكرة تهريب الكتب على زملائها العاملين معها ليبدأوا بمساعدتها من دون تردد».
واستفادت خفاجي كما جاء في موقع درج من «موقع المكتبة المركزية في البصرة الذي يقع وسط المدينة وبجواره «مطعم حمدان» ذلك المطعم الذي أصبحت أجزاء منه مخزناً لتهريب الكتب وتجميعها فيه. لقد قامت عالية بمساعدة آخرين بنقل الكتب إليه على مراحل، من خلال وضعها في باحة صغيرة لا تلفت الأنظار تفصل بين المكتبة والمطعم.
ومن ثم مناولتها إلى من يقف في الجانب الآخر من المطعم والتأمين عليها، لعدم إثارة الجلبة والشكوك لدى القوات الأمنية.
في حوار سابق مع قناة «الجزيرة» 2019، قالت عالية الخفاجي: «لقد شغلت منصب أمينة مكتبة البصرة نحو 33 عاماً، ولم يكن يدفعني إلى تلك المهمة اعتبارات وظيفية، بل كانت تدفعني إنسانيتي وتعليمي ومجتمعي وأخلاقي للحفاظ على الكتب من الضياع».
لقد جسدت الخفاجي بموقفها البطولي صورة المرأة العراقية التي دافعت عن المعرفة والأدب والإرث الثقافي في مواجهة الفوضى والخراب التي عاشها العراق في سنوات الاحتلال والاستبداد. حمت مكتبة البصرة التي تأسست عام 1930 من الهلاك، وحافظت مع زملائها على الكثير من المخطوطات النادرة. تستحق هذه المرأة الاستثنائية أن يكرمها العراق بما يتجاوز تغريدة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي أثنى على «أمينة التراث العراقي التي أنقذت الآلاف من الكتب والمخطوطات العراقية من النهب والضياع أثناء سنوات الحرب والفوضى».
بكل أسف لم يعرف عن الحكومات المتوالية في العراق الاعتراف بريادة دور المرأة في هذا البلد العريق. أظن، وليس كل الظن إثم، أنه لن يحمل أي شارع من شوارع البصرة أو مكتباتها أسم عالية خفاجي، كما لن يحمل أي شارع من شوارع الموصل اسم زها حديد، الرائدة في عالم العمارة.