في مصر: عائلة تعيد طفلة تبنتها إلى دار الأيتام وفي لبنان: مرضى السرطان يشعرون بالهزيمة
بيدر ميديا.."
في مصر: عائلة تعيد طفلة تبنتها إلى دار الأيتام وفي لبنان: مرضى السرطان يشعرون بالهزيمة
ليس هناك أجمل من الإحساس بالأمومة والأبوة. مشاعر لا يمكننا وصفها وقد تكون تلك المشاعر مضاعفة حين يحرم زوجان من إنجاب طفل لتنعم عليهما الحياة بآخر تخلى عنه والداه البيولوجييان لحظة الولادة لأسباب قاسية، لكن لا يمكن تبريرها.
طفل اختارته أسرة متبنية بعناية ليصبح ابناً يملأ الحياة الباردة حباً.
لم تضعه الأم من رحمها، لكنها أنجبته من روحها. ليصبح جزءاً من أسرة تتكفل بتربيته وعنايته.
فالإقدام على التبني هو مسؤولية كبيرة، ولا يمكن التعامل مع الطفل كلعبة يمكن التسلي بها قليلاً وإعادتها إلى دار الأيتام متى يُمل منها.
دار الأيتام ليست بدكان. والطفل ليس بصخرة مجردة من الأحاسيس.
إن المراجع النفسية المختصة بتنشئة الطفل وتطوره النفسي والاجتماعي والفيزيولوجي تشير إلى مجموعة خصائص تبرز أهمية الأسرة في حياة الطفل واستقراره النفسي أهمها:
إن الأسرة هي المصدر الأساسي لإحساس الطفل بالأمن والطمأنينة والقبول التي تمثل العناصر الأساسية لاستقراره النفسي والاجتماعي، وبالتالي تحقيقه قدراً من الصحة النفسية، إذ يعتمد في ذلك على من يحيطون به من أفراد أسرته، وبصفة خاصة الأب والأم.
ويمكن القول: إن علاقات الطفل الأولى، وإن بدت ظاهرياً مرتبطة بالأم وحدها، فإنها ترتبط بمجمل العلاقات الأسرية.
هل يمكننا إذاً أن نتخيل ماذا يحصل للطفل الذي يفقد والديه مرتين؟
هكذا بدأت قصة طفلة صغيرة أوجعتها الحياة بشدة.
زوجان مصريان لم يكن لديهما أطفال تبنيا طفلة رضيعة وقاما بضمها لأسرتهما.
لكن بعد مرور ثلاث سنوات على تربيتها، حملت الزوجة فقررا إعادة الطفلة المتبناة إلى دار الأيتام.
انتشرت قصتها كالنار في الهشيم على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وشغلت رواد الـ»سوشال ميديا» وتناقلتها عدة قنوات عربية كان أبرزها «بي بي سي» عربي.
نشرت يمنى دحروج، المديرة التنفيذية لمؤسسة الاحتضان في مصر، فيديو قصير تحكي فيه قصة الطفلة.
لقد روت الأحداث والدموع تتلألأ في عينيها، فتلك الطفلة بعمر ابنتها.
كانت دحروج تبكي متسائلة كيف مرت الليلة الأولى على الصغيرة في دار الأيتام؟ بماذا شعرت؟ هل سألت عن والديها؟
إن تلك الصغيرة لا تعرف في الدنيا سوى «بابا» و»ماما».
مع أن تلك الكلمتين لا يمكن أن تطلق على شخصين دمرا حياة طفلة وتسليا بها، وحين منحتهما الحياة طفلاً من صلبهما أعاداها إلى دار الأيتام، وكأنها قطعة أثاث بالية. استبدلاها بما اعتبراه أثمن منها!
الأب والأم، كما سبق وذكرنا، هما مركز الحب والدفء والأمان. أما هذان الزوجان فيبدو أنهما لا يعرفان شيئاً من تلك المعاني السامية.
تقول دحروج: «لقد ظلمنا هذه الطفلة مرتين، الأولى حين تخلى عنها أهلها عند الولادة، والثانية عندما تم التخلي عنها وهي في الثالثة من عمرها. بعد أن عرفت معنى البيت والأسرة والأب والأم».
وتضيف أنها نشرت الفيديو بهدف التوعية، كما أطلقت حملة بعنوان: التبني مسؤولية وليس «ترنداً».
تلك القصة فتحت سجالاً حول قضية التبني والقوانين التي تخضع لها وأثارت تساؤلات حول إمكانية تجريم الأسر التي تتخلى عن الأطفال بعد التبني.
لكن المهندسة رندى حمدي، وهي مديرة التخطيط المؤسسي والجودة في إدارة الأزمات مؤسسة الاحتضان في مصر أكدت أنه من الصعب وضع أي قوانين تجرّم تلك العائلات، التي تريد إرجاع الأطفال خوفاً من أن يتعرضوا للإساءة بشكل أو بآخر. فلا يمكن إجبار أسرة بطفل لا تريد الاحتفاظ به. لكن تلك الأسر تمنع من التبني مرة ثانية.
صغيرتنا ستعاني من «متلازمة التخلي» أي من اضطراب نفسي سلوكي، بسبب فقدها لوالديها مرتين.
ستعاني من اضطرابات جسمانيّة كالبكاء المستمر، وعدم الشعور براحة، والتبوّل اللاإرادي، ومص الأصابع، وقضم الأظافر.
ستشعر بالذنب والاكتئاب، اذ تعتبر نفسها مسؤولةً عن ابتعاد والديها عنها.
هذه الحالة النفسيّة قد ترافقها على المدى البعيد من حياتها، وتؤثّر على سلوكها في المجتمع.
فقد تجد صعوبة في اتخاذ قرارات بمفردها أو قد تصاب بالأمراض النفسية والعقلية. كل ذلك بسبب شخصين قررا يوماً التلاعب بمشاعرها وقهرها، وهما أكثر من أحبت في عمرها الصغير.
وجه لبنان الحزين
ومن مصر إلى لبنان صرخة مدوية. وجع حاضر بأدق تفاصيله، دخل البيوت اللبنانية كافة وتفاعل معه آلاف المدونين على صفحات التواصل الاجتماعي متناقلين صورة تعكس وجه لبنان المهزوم.
صورة لوجه صبية. لمريضة سرطان تختصر كل معاني الوجع واليأس والضياع.
تلك الصبية أرادت أن تحارب المرض. كانت تتمسك بالأمل بكلتا يديها. لكن واقع الوطن فرض عليها الإستسلام. لا دواء في الصيدليات. لقد نزع حكامنا منها الحياة بفعل القوة.
تصرخ بحرقة
«تعذبت. راح شعري. جسمي كله تغيّر. نفسيتي تعبانة. ما حدا سألان عني. وصلت لمحل ما في دواء. هالشي رجعني كتير لورا».
حال تلك الصبية من حال كل مرضى السرطان في لبنان. لكن يبقى كل سرطان صغيراً مقارنة بسرطان السلطة. هي أم السرطانات.
لبناننا مصاب من رأسه حتى قدميه، ولا أمل في شفائه.
لكن منذ يومين فاجأنا نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة بخبر وُصِف بـ»السار». هل يَصدُق المسؤول اللبناني؟
لقد أكد أن «مصرف لبنان أعطى موافقات مسبقة لعدد كبير من شركات الأدوية السرطانية كانت وزارة الصحة قد وافقت على استيرادها».
وقال: «يعود لكل مصنع في الخارج ومستورد أن يجد أقرب شحنة ممكنة للإتيان بالأدوية إلى لبنان». وتوقّع وصول شحنات الأدوية لمرضى السرطان بشكل أسبوعي.
بعد كل الخيبات التي أصابتنا أصبحت حتى الأخبار «السارة» عبارة عن هزيمة أخرى نستعد لاستقبالها.