«صالون 15» في بيروت.. لماذا؟
أليست مغامرة حين تبادر شاعرة وإعلامية سوريّة على تأسيس صالون ثقافي في بيروت، وفي هذه الظروف القاسية التي تمرّ بها العاصمة اللبنانية؟ ثم لماذا الآن؟ وماذا يعني ذلك بالنسبة إلى النخبة الثقافية التي عاضدت مشروعها؟ وماذا تستهدف من ذلك؟
قد ينصرف ذهن البعض إلى أن تلك المبادرة جزء من ترف فكري في الوقت الذي تعيش فيه سوريا منذ أكثر من 10 سنوات ظروف احتراب داخلي، وأعمال إرهاب وعنف، وتعاني نزفاً حقيقياً لنُخبها الفكريّة والثقافيّة، فضلاً عن هجرة ونزوح طالا ما يقارب ثلث السكان، إضافة إلى استمرار التدخّل الخارجي ومحاولات تفتيت الوحدة الوطنية وتفكيك الدولة وتعويم سيادتها.
أما بيروت، بل وعموم لبنان، فهو يعيش حالة من الحزن والكآبة، خصوصاً بعد حادث انفجار مرفأ بيروت وتدهوّر الأوضاع المعيشية، حيث يستمر انقطاع التيار الكهربائي طيلة اليوم تقريباً، وترتفع أسعار المواد الغذائية والدوائية بشكل جنوني، وتتضاعف أسعار المحروقات على نحو خيالي، فضلاً عن الاحترابات السياسيّة وتعطيل تشكيل الحكومة منذ أكثر من عام، الأمر الذي عاظم من ارتفاع الجريمة المنظّمة وعمليات التهريب والفساد الذي وجد في لبنان مرتعاً خصباً.
ربّما أرادت نوال الحوار مؤسِسة «صالون 15» أن تعلن صرخة ضدّ الانحطاط والقبح والفساد والظلم، وتُعلي من شأن التمدّن والجمال والحقّ والعدل، وهي صرخة مقاومة باسم المثقفين انتصاراً للحريّة والسلام والتسامح والإخاء وللثقافة والإبداع في مواجهة الاستسلام والخنوع والتواطؤ واللاّأُبالية. وإذا كانت السياسة عنصر تفريق فإن الثقافة لا بدّ أن تكون عامل تجميع، وتلك رسالة «صالون 15».
أقامت نوال الحوار الصالون في منزلها وعلى نفقتها الخاصة، وقد افتتحت به أول أمسية للشاعر العراقي «حسن عبد الحميد» ليُلقي بعض قصائد مجموعته الشعرية «حين تنكّر الموج لضحكات القوارب»، تضامناً باسم ثُلّة من المثقّفين العراقيين مع بيروت في محنتها، وبمناسبة مرور عام على حادث الانفجار الأليم. ربما سعت نوال الحوار للتخفيف عن قسوة المشهد اقتفاء لأثر نيتشه وقوله البليغ «نحتاج إلى الفن كي لا تُميتنا الحقيقة».
ولعلّ اختيار اسم «صالون 15» له رمزيّة خاصة، فهو لا يتّسع لأكثر من 15 كرسياً على الرغم من الضيافة المفتوحة لصاحبته المشهود لها، كأنها تريد به أن تقول إنه امتداد لصالونات مشهورة، وتأمل، ومعها كوكبة من المثقّفين، أن يكون صالونها فضاء للقاء المثقفين وحوارهم وتبادل الأفكار والآراء بينهم، وكذا الحال لنتاجاتهم الثقافية والأدبية وكتبهم وهمومهم. ومع كل تجربة ثقافية أو فكرية أو أدبية تزداد الحاجة لنضوج نقد موضوعي جدير بها، وهو ما تسعى إليه باستضافة شعراء وفنانين من كل الأصناف، ونقّاد للأدب والفن، على أن تقوم بتحرير كل جلسة وجمعها وإصدارها في كتب تفيد منها جمهوراً أوسع من حدود النُخب التي ستحضر في صالونها وتشارك فيه.
فقد اشتهرت مي زيادة بصالونها الأدبي الشهير في مصر، بل إنها أثارت الطبقة الوسطى بشكل عام، والمثقفين والأدباء والسياسيين بشكل خاص، وكان يحضر مجلسها «الثلاثائي» محمد عبده، ومصطفى عبد الرازق، وأحمد لطفي السيد، وقاسم أمين، وطه حسين، ومصطفى صادق الرافعي، وأحمد شوقي، وعلي عبد الرازق، وخليل مطران، وإسماعيل صبري، وعباس محمود العقّاد، وشبلي شُميّل، وعبد القادر المازني، وغيرهم، حيث كان الصالون ندوة مفتوحة يسعى لحضورها كبار المثقفين، خصوصاً دعاة النهضة والإصلاح، بمن فيهم من مناصري حقوق المرأة، حيث انتشرت الدعوة إلى تعليمها، وقد وصفت الرائدة هدى شعراوي، مي زيادة في حفل تأبينها بما تستحقه بقولها: كانت مي المثل الأعلى للفتاة الشرقية المثقفة.
واشتهر كذلك صالون الأميرة نازلي، وفي سوريا عرف صالون مارينا مراش. أما من الرجال فكان صالونا عباس محمود العقّاد وطه حسين الأكثر شهرة. وقد اعتبر صالون نازلي أرستقراطياً، في حين اعتبر صالون زيادة ديمقراطياً، حيث اقتصر الأول على علية القوم ونُخب الحكم والسياسة، في حين كان الثاني مفتوحاً لكبار الأدباء والنقّاد والفنانين.
ويمكن الحديث عن صالون ولاّدة بنت المستكفي وصالونها في قرطبة حيث كان يحضره كبار الشعراء والمبدعين، بينهم الشاعر ابن زيدون، كما كان الخليفة المأمون من المشجّعين على إقامة الصالونات.
وفي آواخر أيام الدولة العثمانية كانت بعض المقاهي أقرب إلى «صالونات» يجتمع فيها المثقفون في مناسبات مختلفة، وهناك من يُرجع أصل الصالونات إلى أيام البابليين والإغريق الذين كانوا يجتمعون للغناء وقراءة الشعر، وفي عصر ما قبل الإسلام اشتهر سوق عكاظ كمنصّة ثقافية عند العرب.