لا تعني هزيمة حزب إسلامي مغربي حاكم في الانتخابات مأثرة له وسابقة تاريخية؟
علاء اللامي
ألا تعني هزيمة حزب إسلامي مغربي حاكم في انتخابات أدارتها حكومته مأثرة له وسابقة تاريخية؟ أنها المرة الأولى التي يخسر فيها حزب إسلامي حاكم يتمتع بأغلبية برلمانية الحكم في دولة عربية وربما “عالمثالثية” وبهذا الفارق الهائل حيث انخفضت مقاعده البرلمانية من 125 مقعدا إلى 12 مقعدا فقط/ أ ف ب، هذه الهزيمة تعني في ما تعني – وبالمقاييس الانتخابية الليبرالية المألوفة عالميا – نجاحا وإثباتا لنزاهة وحياد الإدارة الانتخابية التي قادتها حكومة حزب العدالة والتنمية الخاسر. هذه السابقة لا يمكن نكرانها وغض النظر عنها تحت ضغط الانحياز الأيديولوجي، وهي ستسجل ضمن رصيد هذا لحزب مستقبلا رغم الأداء الحكومي السيء له وخصوصا في الملف الداخلي وملف التطبيع مع الكيان الصهيوني آخذين بنظر الاعتبار أن الموجود في المغرب ليس عملية ديموقراطية حرة في بلد ديموقراطي بل حالة انتخابية أريد بها تزين الحكم الملكي المطلق والذي يمسك بكلتا يديه بالملفات والمؤسسات الكبرى ومنها العلاقات الخارجية. الأسباب التي أدت إلى هذه الهزيمة الانتخابية كثيرة منها ما يتعلق بتداعيات ومترتبات جائحة كورونا التي أضرت بفئات مجتمعة مهمة كانت تعتبر حاضنة انتخابية للإسلاميين، والوعد السخية الانتخابية التي أطلقها خصوم الحزب الحاكم الليبراليين والتي يُشَك كثيرا في قدرتهم على الوفاء بها.
*أما التطبيع والاعتراف بـ “إسرائيل” وتبادل السفارات معها والتصريحات وممارسات الاستفزازية الأخيرة ضد الجزائر وخصوصا في ملف وحدتها الترابية بتضامن معلن من الكيان الصهيوني على لسان وزير خارجيته ومن الأراضي المغربية فلا يمكن شطبه من قائمة أسباب الهزيمة الانتخابية للحزب الحاكم، إنما لا يمكن أيضا المبالغة في دوره وتأثيره الانتخابي، لأن قضية التطبيع لم تتحول إلى واحدة من القضايا الملحة في الانتخابات المغربية الأخيرة غير أنها دون شك مارست تأثيرا على قطاعات معينة من الناخبين المغاربة ذوي التوجهات العروبية والإسلامية و “بعض” اليسارية، كما أن قرار التطبيع مع دولة العدو لم يكن من الصلاحيات الحصرية للحكومة بل يدخل ضمن صلاحيات الملك.
*إن هزيمة حزب إسلامي في انتخابات أدارها هو، تبقى – بشكل من الأشكال – مأثرة له، وهي تثبت مرة أخرى بطلان التعويل على الانقلابات العسكرية والقمع الدموي والتصفيات بهدف قطع المسار الانتخابي والإطاحة بالإسلاميين من الحكم.
*لنسأل هذا السؤال الافتراضي على سبيل الاستشراف: ترى ماذا كان سيحدث في مصر لو لم يحدث الانقلاب العسكري وأُسْقِطَت حركة الاخوان المسلمين من الحكم عبر صندوق الانتخابات؟ الأكيد أن هذا المشهد لم يكن مستحيلا، والأكيد أن المشهد السياسي العام في مصر كان سيختلف عما هو عليه الآن وسنكون أمام تجربة حكم واعدة ديموقراطيا تفتح الباب واسعا أم التغيير الاجتماعي والطبقي.
*ولكن السؤال الجوهري في موضوع الانتخابات المغربية هو: هل نحن بإزاء عملية ديموقراطية قريبة من النموذج الليبرالي المطموح إليه، أم إنها نوع من “الديموقراطية المسيطر عليها” بعبارة بعض الباحثين الأكاديميين المتخصصين، أم نحن – كما أسلفت قبل قليل – أمام عملية انتخابية محدودة لتزيين وتلميع حكم ملكي مطلق؟ وأخيرا، لماذا لم يحرز اليسار التقليدي المغربي نتيجة معتبرة تليق بماضيه ونضالاته الوطنية والطبقية وظل محصورا في حدود برلمانية ضيقة “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أحرز 35 مقعدا، وحزب التقدم والاشتراكية 20 مقعدا”؟ وهل يمثل المسار الانتخابي حتى في أكرم نماذجه حلا واقعيا لما يعانيه المغرب وعموم مجتمعاتنا في العالم العربي والعالم الثالث أم أن القوى التغيير التقديمة مطالبة باجتراح حلول أخرى تستشرف نماذج الحكم الشعبي الديموقراطي المباشر؟ وهذا سؤال يحيلنا الى موضوع آخر يتعلق بالمستقبل والآفاق.
*ملاحظة: أي مقارنة على سبيل التشبيه بين الوضع العام والانتخابات في العراق والمغرب غير واردة من وجهة نظري فرغم كل شيء يبقى المغرب دولة مستقلة خالية من الهيمنة الإقليمية والوجود العسكري الأجنبي كما هي الحال في العراق.