أفغانستان … راحت السكرة جاءت الفكرة …!
ضرغام الدباغ
تمضي الأيام مسرعة كمرور السحاب، بعد كانت الأيام العشرة الأخيرة ثقيلة صورها موجعة، أخبارها مفجعة، كالأبرة الزيتية. الحلفاء الغربيين بين مصدقين ومكذبين، بين الواقعية والطموح الخيالي الذي يرفض الواقع. كنا قد كتبنا في مقال سابق قبل أيام، أن المستشار الألماني الحكيم هيلموت شمت، كان قد تنبأ بهذه النتيجة وقالها صراحة في ندوة تلفازية (فبراير/203) أن الحملة الأفغانية سوف لن تؤدي لنتيجة، والأمريكان قد يستطيعون الذهاب لأي بلد في العالم، بقصفون ويدمرون ولكن ليس بوسعهم تحقيق النصر. فالنصر كلمة كبيرة والفرنسيين أدركوا هذه النتيجة وسحبوا قواتهم قبل سنوات، ولا أدري على ماذا يلطم ماكرون.؟
الأفغان الحفاة العراة، هزموا التحالف الغربي، وقبلهم هزموا بريطانيا يوم كانت عظمى، وهزموا الاتحاد السوفيتي يوم كان يحكم نصف العالم..! الأوربيين فهموا القصة على السريع، ولكنهم لم يستوعبوا العبرة، فرنسا هزمت شر هزيمة أكثر من مرة وفي أكثر من مكان، ولم ترتدع، الإنكليز على درجة أعلى من الحصافة والتعقل، فقلصوا بيدهم أمبراطوريتهم التي لا تغيب عنها الشمس بعد أن خسروا درة التاج البريطاني (الهند)، ثم خسروا شرقي السويس حرباً، ثم خسروا الخليج العربي بعد خسارة السويس، وأخيراً خسروا ميناء عدن. ولكن بعض الأوربيين يرون هزيمة أفغانستان بالعدسة المكبرة ..وأن هذه الهزيمة المرة ما هي إلا مقدمة لضعف داخلي، وخسائر أخرى مقبلة ..ولكن المستعمرين لن يصبحون مهذبين مطلقاً ..!
وأخيرا ظهرت تشكيلة حكومية أفغانية .. تشكيلة تخلو من عناصر عميلة للغرب، حكومة لا يرغب الغرب بها، بل هو يريدها أن تكون حكومة قرقوزات لا لون ولا طعم ولا رائحة، لا تنفع ولا تضر، بل يريدونا من لأنها توفر الأسس المادية لحروب أهلية طاحنة، ولتبق هذه البلاد أسيرة التخلف . الغرب لا يريد الراحة لأحد، لكي يوفر الفرصة للتدخل دائماً، ويجعل الآخرون يحتاجونه سياسيا واقتصادياً.
هل استفاد الغرب من تجربته في أفغانستان ..؟
رغم أن منصات عديدة، سياسية واقتصادية وصحافية في بلدان الغرب الرئيسية (بعضها مهمة) تحدثت بهذه القوة أو تلك، أن على الغرب أن يستفيد من تجربته في أفغانستان، التجربة القاسية الباهظة التكاليف في الأموال والأرواح، فهل استفاد الغرب شيئا من محنة أفغانستان … لا أعتقد. بل يغطسون في الغباء أكثر وأكثر ..حين يعتبرون أن إشاعة الشذوذ الجنسي، وزواج المثليين، وأن تتعرى المرأة هذه هي الحضارة والديمقراطية.. يجب أن تفكر جميع الدول مثلنا، ليس فقط في السياسة، بل في كل شيئ ..وليس من المهم أن تفوز حكومة معينة بالانتخابا لتكون ديمقراطية، الديمقراطية هي حين نحن نرضى عنها وتنفذ ما نقوله لها.. ويجب أن تصبح قندهار سان فرانسيسكو ..وإلا سنقصفكم بالطائرات والصواريخ ..أي تخلف وغباء هذا ..كابل لا يمكنها أن تصبح الدوحة، والدوحة لن تصبح بغداد، وبغداد ليست القاهرة والقاهرة ليست بيروت ..وهذه ليست أستانبول وهلم جرا .. وإذا كانت كوبنهاغن مثلاً، تختلف بشكل كبير جداً عن شيكاغو، فكيف تريد من كابل أن تنقلب إلى واشنطن بلمسة زر … وكأن الموضوع في هاتف خلوي (موبيل) …؟
طالبان لا تعين إمرأة في حكومتها ..ما هذه الكارثة، حسناً ربما أكثر من نصف حكومات العالم لا توجد بها نساء، مالعمل، هل ستشنون عليها الحروب ..عينوا فلان واحذفوا فلان ..هل الموضوع يخص دولاَ أم إدارة بلديات أم ماذا ..؟ ويحدثونك عن الأستقرار في بلد دمروه طوال 20 عاماً.
ولكن لا، فالقيادات الغربية ليست غبية لهذه الدرجة، لكن التصدي للإسلام وحركات التحرر العربية والعالمية فقرة أساسية عندها هو جوهر أهدافها، بهدف إبقاء هذه الكتلة البشرية والاقتصادية الضخمة جداً تحت السيطرة، موارداً وسكاناً، أو إيقاف نموها وتطورها.. فهم يلاحظون قوة التأثير في مجتمعاتهم، وبلداننا تحت القصف والتآمر والتدمير، فما بالك لو تركونا وشأننا ..وما رأيك أن قلت لك أحد كبار قادتهم قال هذه الكلمات بالحرف الواحد وبصراحة .. ولكن نضال الشعب علمهم.
هم عاتبون على الأمريكان على سرعة انسحابهم، والمفاجأة في إخلاءهم أفغانستان، ولكن الأمريكان لا يهتمون كثيراً بزقزقة الأوربيين، وبوسعهم القول للفرنسيين، لماذا هربتم من الجزائر .. لماذا سرعة ولماذا مفاجأة، الولايات المتحدة تجري مفاوضات منذ شهور طويلة مع طالبان، والمفاوضات لم تكن سرية ..! ففي خطاب بايدن أواخر آب / 2021 قال :
أفغانستان صارت أزمة مفتوحة لا نهاية لها فنحن :
ــ ننفق 300 مليون دولار يومياً خلال 20 عام .
ــ الحملة كلفتنا 2400 قتيل.
ــ 20 ألف معوق .
ــ 18 جندي ينتحر يومياً .
ــ أفغانستان مقبرة اميراطوريات.
ومن يرغب بمواصلة الحرب من منتقدينا (يقصد الأوربيين والفرنسيين خاصة)…فليتفضل ويذهب ويحارب، فرنسا أرادت أن تركب رأسها، وذهبت لوادي بانشير وأرسلت مدير مخابراتها ليفي برنار لبضعة أيام بعدها فرت لا تلوي على شيئ..
يقولون أن الشعب الفلاني يكرهنا، يكره الغرب ..والسؤال هو : وهل هناك من يحبكم ..؟ حتى من حلفاءكم .. سوى أوغاد اخترتموهم من بين الشعوب ليكونوا عملاء مأجورين خانوا شعوبهم لقاء المال .. وها هم الآن الجيل الثاني من أولاد وأحفاد الخونة الفيثناميين يعيشون في نيويورك كأمريكان بعد أن قطعتم جذورهم بأوطانهم ..ومثلهم روس ومثلهم عناصر شاذة استبدلت أوطانها بالغرب، ولكن أولادهم وأحفادهم سيصبحون جنود في جيش استعماري ويقضون ربما في بلاد بعيدة ..يطوفون على وجه المياه الآسنة ..كقناني بلاستك فارغة ومهملات ..!
يتعاملون مع الأمر كأنه كارثة، ويبدون حرصهم على هذا وذاك، وكأنهم لم يكونوا محتلين مستعمرين معتدين متسلطين لمدة عشرون عاماً، هم يأتون بعملائهم ككم يحملون جنسياتهم، ويولونهم إدارة البلاد ليساعدوهم في قمعها ونهبها، ثم يطلبون منك بعد نضال دام أستغرق 20 عاماً أن تضع بيدك هؤلاء العملاء في الحكم .. فهل هناك صفاقة أشد من هذه ..؟
هل استفاد الغرب من محنته في افغانستان …؟
كلا والف كلا .. ليس لأنهم أغبياء، وليس لأنهم يعتمدون على الكومبيوتر الآلي في قراراتهم، وليس لأنهم معدوموا الضمير .. ولكنهم فوق كل هذا وذاك كله، فهم نظام أعتاد على سحق الناس، فكيف تريد من ذئب أن يتحول إلى نباتي بمجرد النصيحة ..؟ لا سوف لن يتعلمون لا من عشرة .. ولا عشرين .. ولا حتى مائة وعشرون تجربة ..! وحتى يتحول الذئب إلى نباتب يجب لأن تخلع أنيابه، وتقلم مخالبه، ويقتنع أن لا يحق له يسلب حياة الناس ليعيش مترفاً …!
الغرب يحرك أذنابه.. نسوة يتظاهرن يحملن لافتات مكتوب عليها ” حرية ” ويتفرج عليهم رجال الأمن من طالبان بصبر يحسدون عليه، عن أية حرية تتحدثن .. الجماعة في الحكم منذ 6 أيام فقط، وأنتن رضختن للأحتلال عشرون عاماً دون أن تتفوهوا بكلمة حرية لأن فيها غوانتنامو ..! أو لأنكم تخادنتم مع المحتلين ياللعار …! في الحالتين عار على الاحتلال وفلسفته في الحكم، وعار على من يكون ذنبا للأحتلال، والعار للمرأة مضاعف ..!
في البدء كانوا يتشددون في وصف الهزيمة بالانسحاب، ثم إعادة انتشار، ثم أصبحت فضيحة وعار ..ثم أصبحت هزيمة نكراء ..كان بعض المثقفين الهولنديين قد كتبوا قبل سنوات ” لا نفهم ما هي مشكلتنا في جبال هندوكوش .. وقندهار ”
اليوم يتداعون ليشكلوا قوة ردع قالوا أن قوامها 20 ألف جندي، ثم قالوا 50 ألفاً، وآخرين يصعدون بالرقم إلى ما هو أكبر من ذلك … قال المفوض الأعلى للسياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ” إن دول الاتحاد وعددها 27 دولة يجب أن يكون لديها “قوة تدخل أولية” قوامها خمسة آلاف جندي. ونريد أن نكون قادرين على التدخل السريع ” . ولكن هناك من سخر وقال ” ما عليكم .. هذا كلام لن يرى النور، وإذا رأى النور لن يرى التنفيذ.