كيف أصبح يوسف السوري حديث الـ«سوشيال ميديا»؟ والوزير جورج قرداحي المفتون بالأسد
كبر قبل ميعاده. أو لم تمهله الحياة وقتاً ليكبر على مهل كما يحلو للأطفال.
يجوب شوارع اسطنبول ورزمة كبيرة من قناني المياه على رأسه. من ينظر إليه يحتار كيف تحتمل قامته الصغيرة كل هذا الثقل المسكوب عليها. يمشي ورأسه عالية وكأنه يحاول أن يتعالى عن كل الأوجاع التي تقيده منذ أن سلبته الأيام حقه في عيش ربيعها.
إنه يوسف الصغير. صغير جداً. بائع ماء سوري. يمشي يومياً مسافات طويلة تحت أشعة شمس اسطنبول الحارقة في عز الصيف، ويفتح ذراعيه لمطرها الغزير في الشتاء حتى يبيع للمارة المياه.
يبدو وكأنه جمع دموع العمر كلها وخزنها في تلك القناني، علها تخفف شيئاً من آلامه.
تلك المهنة اختارته لأنه طفل من ماء ونور.
انتشر فيديو مؤثر ليوسف الصغير على وسائل التواصل الاجتماعي وأحدث ضجة كبيرة بين روادها لما يحمله من رسائل إنسانية كبيرة.
كان يوسف يمشي في الشارع كعادته حين التقى به أحد مراسلي قناة «أورينت» السورية ودار حوار بينهما. قال فيه يوسف ببراءة إنه يبيع المياه، لكنه أيضاً يذهب إلى المدرسة، وهو طالب جيد في الصف الثالث الابتدائي، يحب مدرسته كثيراً ويتكلم اللغة التركية بطلاقة.
كان يحمد ربه بين جملة وأخرى. طفل صغير، لكنه مدرسة للكبار. حياته تعلمنا الرضا والصبر والجهد والعطاء.
يتفانى في عمله ليساعد والده في مصروف البيت. يعرق ليقدم الحليب والحفاضات لإخوته الصغار. يتحمل مسؤولية أكبر منه، فوالده غير قادر على إعالة الأسرة بمفرده، لكنه وجد في عينيّ يوسف الصغير نوراً يضيء ظلمته وفي كفه المتعب رحمة تستحيل لقم خبز.
ذلك الطفل المجتهد يحلم بأن يصبح طبيب قلب ليشفي المرضى.
لقد تنازل عن طفولته ليساعد أسرته وينوي أن يهب مستقبله لمساعدة الموجوعين ومثقلي القلوب.
حين سأله المراسل كيف سيصبح طبيباً فيما يجهد نفسه بالعمل. رد بثقة: «بشتغل وبتعلم.. بشتغل من أنا وصغير كرمال ما أهلك أنا وكبير».
طفل ذكي يعلم أن عليه أن يجتهد في صغره، أن يحمل الأثقال ويقضم الوجع كي يقف على رجليه في المستقبل.
هكذا علمته الحياة دروسها وهو يراقب حاجة والده. يعرف بالضبط كم يبلغ إيجار المنزل. حفظ المبلغ وكان يردده بألم «ألف ومئتين ليرة»
يعقد أصابعه ببعضها البعض ويشد بيديه وكأنه يستجمع قوته ليهزم التعب.
طفل عصامي. لم يجد خيارات كثيرة أمامه. كان خياره الوحيد أن يكون قوياً. أن يكبر بسرعة.
يوسف الطفل المهذب واللطيف نعمة من السماء ورزق لأهله. حين تمنى له المراسل أن يصبح دكتوراً كما يشتهي رد عليه ببحة صوته المحببة:
«أشوف ابنك معي يا رب».
فيما لم ينجو الطفل السوري إيلان الكردي، صاحب القميص الأحمر والشورت الأزرق، الذي مات في عرض البحر ومات معه الكثير من الصغار غرقا، يحاول اليوم يوسف أن يتحدى قدره الصعب ويرسم طريقاً لمستقبل قد ينقذه من الغرق في مستنقعات الحياة.
من سيسرق المليون؟
بعد طول انتظار وتجاذبات سياسية وإقليمية، رأت الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي النور في الأسبوع الماضي. وكان لافتاً تولي الإعلامي جورج قرداحي (71 عاماً) حقيبة وزارة الإعلام.
وسرعان ما تداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي منشورات تسخر من تعيينه من خلال التذكير ببرنامجه الذي اشتهر به «من سيربح المليون؟». هكذا غردوا بكثافة «من سيسرق المليون؟».
ويعتبر وزير الإعلام الجديد من الشخصيات العامة الخلافية. فهو لا يتردد في إعلان ميوله السياسية التي تتنافى والموقف الأخلاقي لموقع الصحافي المسؤول، حسب تعليقات عدد كبير من المتابعين.
فهو لم يوفر أي ظهور تلفزيوني له إلا وصرح بإعجابه بـ «السيد الرئيس» بشار الأسد، الذي خاض مع حلفائه في السنوات الأخيرة حرباً ضروسا على شعبه، استخدمت فيها البراميل والأسلحة المحرمة دولياً، وراح ضحيتها أكثر من نصف مليون سوري. ناهيك عن أكبر عملية نزوح في التاريخ الحديث، حيث تم تهجير أكثر من نصف سكان البلاد داخل وخارج سوريا.
واستكمالاً لتصريحاته الإشكالية، نقل موقع «درج» الإلكتروني تصريحات لقرداحي في مطار بيروت، دعا فيه وسائل الإعلام إلى عدم استضافة منتقدي الحكومة الجديدة، ممّن وصفهم بـ»المبشّرين بجهنّم».
وبرر وزير الإعلام الجديد كلامه بأنّه لم يستخدم كلمة «منع» بل دعا وسائل الإعلام لـ»الامتناع» عن استقبال أولئك الضيوف!
الإعلامية ديانا مقلد نشرت على صفحتها تغريدة قالت فيها: «في حديثه الأول كوزير يطالب قرداحي الإعلام بأن يراقب نفسه وأن لا يستضيف من يبشر بأننا مقبلون على جهنم (تعبير قاله ميشال عون الذي سمى قرداحي وزيراً). تسمية قرداحي وزير إعلام هو إسفاف وخفة. وهذا تماماً ما يجعله خصماً سهلاً نظراً لفائض الاستزلام وانعدام المصداقية».
أما الإعلامية ديما صادق، فعلقت رداً على سؤال قرداحي: هل يصدق أحد أني مع قمع الحريات؟ قائلة:
«معك حق. حدا بصدق إنه واحد مفتون ببشار الأسد ممكن يكون مع قمع الحريات؟»!
وهذا الرد يعكس إشارة إلى غياب الإعلام الحر في سوريا، التي خسرت عشرات الإعلاميين ومعتقلي الرأي في أقبية السجون الوحشية، التي لا تعني شيئا للإعلامي المفتون بالأسد.
وكان للكاتب اللبناني طارق إسماعيل تعليق في مقال كتبه في موقع «درج» عن الوزير الجديد: «سيحضر جورج قرداحي ليتلو علينا مع كل جلسة لمجلس الوزراء «إنجازات» سلطة لن تعف عن سرقة المال العام. لكن الوزير المفوه وهو يُجَمِّل صورة حكومته، سيصرخ في داخله قرداحي آخر «من سيسرق المليون؟» وهو هذه المرة يعرف السارق مُسبقاً.