في وطني اليوم، مَنْ صفق للإحتلال ورقص له ومع، يرفع شعار المقاومة. وبعض مَنْ دعا لمقاومة الإحتلال، يغلس على وجوده، لجهل مطبق أو لمصلحة ضيقة، ويتمنى بقاءه. هم في حالتين كذابون. تمنح الوطنية الحقة أبناء الوطن بوصلة، تشير الى الإتجاه الصحيح المُحدد دائماً.
إن الموقفين السابقين، (مع أو ضد)، لا علاقة لهما بمصالح الوطن. لأنهما لا يقومان على الإدانة المطلقة، لكل إحتلال وعدوان. وهما لا يقومان على المطالبة المشروعة، التي تطالب بمنح البلاد تعويضات، عما حل بها من دمار شامل.
علقت أمس على بوست لمواطنة عراقية نبيلة، ومن أسرة عراقية كريمة. ربما تلك السيدة مغتربة، ولكنها لم تغترب على هموم أمتها. قالت كلاماً أعتز به عن السجناء الفلسطينيين، الذين كسروا أسوار سجنهم.
كتبتُ على جدار صفحتها عن عملية الهروب: ملحمة بطولية مشرفة لكل أحرار العالم. كتب هؤلاء الإبطال الستة وثيقة إدانه للإحتلال وأساليبه اللاإنسانية. مَنْ يريد أن يتخيل إيقاع تلك العملية الفلسطينية البطولية والصبر والدأب والجلد الذي تحتاجه، لصنع لهؤلاء الأبطال راية تقدير وإعتزاز في ضميره وقلبه وعقله. بمثل هذه التجارب تعود للنضال الوطني حيويته. قبل عقود إجترح عراقيون في سجن الكوت وبعقوبة وسجون أخرى مثل هذه التجربة. بناء الإنفاق صوب الحرية ترعب السجانين وكل الطغاة. الحرية للأبطال الذين أعيد إعتقالهم والسلامة للمناضلين الباقيين خارج سطوة المحتل.
وجدت في بريدي اليوم، رسالة من صديقي الشاعر برهان قلق، تحمل مقالاً لتوفيق أبو شومر موسوماً بـ”لا تحرفوا بوصلة النضال!”. يبدأ المقال بإقتباس يحمل أحدى صور محنتنا الراهنة في كامل منطقتنا. إقتباس بذاته يفتح أبواباً للتأمل والمحاكاة والحزن أيضاً: (هاجمَ طلابٌ متظاهرون، مدرسة غازي الشوا في بيت حانون في غزة، أمطروا المدرسين وإدارة المدرسة بالحجارة يوم 11-9-2021م، لأن المدرسة لم تسمح لطلابها بإفشال اليوم الدراسي، بادعاء المشاركة في المظاهرات لنُصرة الأسرى في شوارعنا!).
نقل الكاتب صورة صادقة، ذكية ومحزنة عن ردود الأفعال. كتب ما نصه: “ما أكثر الذين رأوا شريط فيديو الخبر السابق، وصبوا غضبهم على المدرسين أنفسهم وعلى إدارة المدرسة! وما أكثر الذين اتهموا الآباء بإهمال تربية الأبناء، ولم يربطوا بين هذه الممارسات الخطيرة، وبين أهدافها الحقيقية الخطيرة، وهي تغيير مسار النضال، من نضال ضد المستعمر وهو النضال الصحيح، إلى تخريب لمؤسسة تربوية غير محبوبة، وهي المدرسة!
هكذا تتعارض عمليات قراءة أي حدث يحمل بعداً وطنياً. كما أعادت أحداث مدرسة غازي الشوا في بيت حانون بغزة، الكاتب الفلسطيني “إلى ما حدث في زمن الانتفاضات الفلسطينية السابقة، حين حَرفَ أدعياءُ النضال بوصلة النضال الفلسطيني، من نضالٍ ضد الاحتلال، إلى قتالٍ وصراعٍ ضد الأهل!”.
أعادتني سلسلة متواصلة من مواقف جماعات الدين السياسي في بلادنا، وما تحمله من قدرات على النفاق وقلب الحقائق. أخطرها المساومة على الوطن نفسه مع نفس المحتل، الذي قادهم الى موقع التحكم بخيرات ومصائر العراق وكل ما يحويه العراق. تكررت اللعبة ذاتها من جديد مع محتل آخر.
إن منهج جماعات الدين السياسي، يقوم على الإستخفاف بذاكرة الناس وممارسة الكذب دون رادع. يبتسم بعضهم للبعض الآخر، ليقولا سوية: إن ثوب الدين مدرع، والتراجع عن اللعبة المفضلة لديهم، يعني دفع أثمان باهظة وخسارة للإمتيازات. يستطيبون التوهم بإن الحياة لهم في الدنيا والآخرة.