أشقياء بغداد العشرينات من القرن الفائت
علاء اللامي*
هل هم أحفاد العيارين والشطار العباسيين؟ وكيف حَكَمَ أحدهم “ولاية بطيخ”، ولماذا استشهد آخر -عبد المجيد كمونة – مناصرا ثورة العشرين بمشانق الإنكليز فشيعته بغداد برايات المواكب الحسينية ودفوف الفِرق الصوفية، وأمثلة شبه مجهولة على أشقياء من اليهود العراقيين والنساء: في كتاب “#بغداد_في_العشرينات” للراحل عباس بغدادي، وهو الكتاب الذي قدم له قريبه الروائي العربي الكبير الراحل عبد الرحمن منيف، نقرأ الفقرات التالية عن الأشقياء في ذلك الزمان: “وللشقاوة في بغداد تاريخ طويل يمتد إلى الدولة العباسية، حيث كانوا يسمون الشطار والعيارين – هناك فرق نوعي وتراثي واجتماعي كبير بين هؤلاء وأولئك. ع.ل – وقد تدخلوا بمعارك الأمين والمأمون”.
1-والشقاوة نوعان؛ شقاوة الشهامة والنخوة ومساعدة الضعيف على القوى وشقاوة الإجرام كاللصوصية والسلب والاعتداء على الغير.
2-ومنهم موسى أبو طبرة وكان وسيما بسطة في الجسم مصارعا، وكان أتباعه الذين يسيرون خلفه من الشباب المسلمين واليهود. وقد قتل بطعنة سكين في رقبته إثر خلاف مع أحد الأشقياء. وقد اعتقل قاتله -جواد الأجلق – وحكم عليه بالسجن لفترة طويلة ثم أطلق سراحه في عفو خاص. وكان هذا القاتل يلتقي في مقهى حسن عجمي في محلة الحيدرخانة وفي أحد الأيام، وحين غادر المقهى، تصدى له صبي صغير وأوقفه قائلا له: قف يا جواد، أنا ابن موسى أبو طبرة، وأطلق عليه أربعة عيارات نارية قتلته في الحال. وحكم على الصبي بالسجن لفترة قصيرة لصغر سنه.
3-ومن الأشقياء القتلة المحترفين عبد الأمير العجمي وكان يلوذ بحماية مظهر بك الشاوي، وقد قُتل على يد أحد الأشقياء. ومثله محمد الأعور وقد قُتل هذا الأخير في مقبرة الغزالي حين كان يتربص بأحد الأشخاص ليقتله. ومن أغرب هؤلاء الشقي عبد الأمير الأسود من محلة بشار الكرخ ولكن اسمه اختفى فجأة ولم يعثر له على أثر ولا يعرف إنْ كان قتل أو هرب إلى إيران. ومنهم الشقي كزكه الفويلي من محلة الصدرية. ومن الأكراد الفيلية اشتهر أيضا ابن عبدكة وابن شاهية وجوامير النكه وآخرهم جبار الكردي وأخوته.
4-وهناك أشقياء اشتهروا بالمعارك اليدوية لا بالقتل بالسلاح، وهم كثيرون ومنهم إبراهيم الأسود الذي كانت الأوتيلات – الفنادق- مجال عمله وعُرف بتحرشاته بالجنود البريطانيين الذين كانوا يرتادون المشارب ليلا.
5-وهناك شقيان مشهوران كانا حديث الناس في بغداد زمنا طويلاهما هما محمد الحمد وكامل البطيخ. ولم يزل يضرب المثل بأحدهما وهو كامل البطيخ. وهو من عشيرة شمر طوقة من المجايلة الذين يسكنون مقاطعة الشاعورة، في ناحية العزيزية وكان من رؤساء العشيرة. وكان جده بطيخ رئيسا للمجايلة وكان طاغية امتد نفوذه إلى داخل إيران من جهة قضاء بدرة. وجاء المثل (ولاية بطيخ) المشهور بسبب تصرفات البطيخ اللامعقولة، والتي لم تكن تخضع لأصول أو قواعد، بل كان المزاج اليومي والكيفي لبطيخ هو الذي يدير حياته.
6-وكانت هناك طبقة من الأشقياء اليهود المعاركين وليس القتلة، وأكثرهم يحوم حول أحد الأشقيائية المسلمين للتظاهر بأنه من مريديه. ومن هؤلاء خضوري سويكا، وشلومو أبو السوتلي، وقد هاجر شلومو إلى لندن ولقيته فيها في مطلع الثمانينات، وبقي يحتضنني ويجهش بالبكاء لأنه فارق بغداد رغما عنه ليلحق بولديه.
7-ولابد من ذكر الأشقيائية من النساء الفنانات طبعا، وعلى رأسهن صبيحة كسرى “أم أكرم” وقد اتهمت بقتل إحدى العاملات عندها في أوتيلها، وأودعت في السجن لعدة أشهر ثم برئت ساحتها في المحكمة. وهناك أيضا خديجة بيدي وقد جرحت أحد أصدقائها بطعنة سكين لخلاف معه، ولم تكن تمشي بدون أن تحمل سكينا معها. والأخرى فوزية جيجان وكانت تسمى فطومة أم خنجر لأنها كانت تمشي والخنجر معلق في حزامها تهدد به من يعترض طريقها وعلى عينك يا تاجر..
8-وللأشقياء طريقة خاصة في الملبس وهي الجراوية المنحدرة إلى الكتب وتسمى العدام أي أن لابسها يسير إلى الإعدام. ولبس الكيوة البيضاء بالرجل، واللباس -السروال -الأبيض الطويل الواصل الى الكاحل. مع عرقجين – غطاء رأس – أبيض ذي قبة مدببة وعالية وسكين أم الياي – سكين قرن الغزال – في جيبه، وإبراز صدره إلى الأمام والتبختر في المشي وفي الشتاء يلبسون الدميري الطويل “يشبه الجاكيت ويُلبس فوق الزبون”.
9-وفي أيام ثورة العشرين اشتهر في بغداد بشقاوة الشهامة والنخوة المرحوم عبد المجيد كنة في محلته “السيد عبد الله” والمحلات المجاورة لها، ثم في أوساط الثوار في بغداد. وقاوم الإنكليز مقاومة عنيفة وأردى بعضهم قتلى ووزع المناشير الداعية إلى الثورة ومقاومة الاحتلال البريطاني. فشددت السلطات البريطانية الخناق عليه وتمكنت من إلقاء القبض عليه أخيرا وأعدمته ودفن في تشييع مهيب بمقبرة الشيخ الجنيد – القطب الصوفي المعروف- ولم يزل ضريحه قائما فيها وعلى جداره الداخلي صورته المكبرة مرتديا “الزي العربي” العقال واليشماغ وزبون البتة/ ص 363 وما بعدها من الكتاب المذكور أعلاه.
*(وعن تشييع الشهيد عبد المجيد كنة يذكر الكاتب قاسم خلف الجميلي، في مقالة له أن جموع أهالي بغداد شاركت في ذلك التشييع المهيب آنذاك، تتقدمهم المواكب الحسينية إلى جانب الفِرق الصوفية بدفوفهم، وحملت الجموع الجنازة من داره وطافت بها في شوارع وأحياء بغداد، ووريَ جثمانه الثرى في مقبرة الشيخ معروف الكرخي – وهي ذاتها مقبرة الشيخ الجنيد التي ذكرها عباس بغدادي في كتابه وفيها ضريحه- وبعد ثلاثة أشهر من استشهاد عبد المجيد تمكن رفاقه من تصفية ضباط الشرطة الذي كانت له يد في اعتقال الشهيد بالرصاص قرب جامع مرجان. وقد رثت الشاعرة الجنوبية زهرة آل محيسن الظالمية/ من مدينة الرميثة مهد ومثابة ثورة العشرين الشهيد بقولها:
لبغداد يالطارش تَعَنّى
گلها الرميثة چذبت ونَّة
من اسمعت بإعدام ابن كنة
حِيد ويشهد التاريخ عنه
للوطن ما خيبت ظنه.
والملحوظ أن هذا الشهيد مُعَتَّمٌ عليه وعلى مناقبه لدى الجيل الحاضر والذي قبله، ولا أدري إنْ كان ضريحه لا يزال قائما ومُعتنىً به حتى الآن في موضعه عند ضريح شيخي القطب الجنيد أم لا، ولا عجب في هذا التعتيم عليه وعلى أمثاله من مقاومين في عهد الحكم الاستبدادي الذي لم يكن يفكر ويهتم إلا بزعيمه “الضرورة” ولا في الحكم التابع للأجنبي الذي جاء به المحتلون الأميركيون! هذه الإضافة لم ترد في كتاب عباس بغدادي. ع.لام).
Re: Faktura 365451
Re: Faktura 365451
Fwd: Ditt domännamn är på väg att gå ut
Fwd: Malmö Arab Film Festival 2021