عبد الحسين شعبان
ما الذي حصل بحيث تراجع حزب العدالة والتنمية المغربي الذي كان حصد 125 مقعداً في انتخابات 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، إلى 12 مقعداً في انتخابات 8 سبتمبر/ أيلول 2021؟ ولماذا هذا العزوف الشعبي عنه؟ أثمّة علاقة بين فشل مشروع الإسلام السياسي في العالم العربي وبين انحسار نفوذه في المغرب؟ وهل يعني فشل المشروع الإسلامي انخفاض أو ضعف العقيدة الإسلامية التي ظلّت متجذّرة في النفوس على مدى قرون، خصوصاً وقد ارتفع رصيدها خلال العقود الأربعة المنصرمة، بفعل توظيفها سياسياً من جانب الإسلاميين؟
كان هذا الهبوط الانتخابي في شعبيّة حزب العدالة والتنمية بفعل عوامل خارجية وأخرى داخلية.
وبغض النظر عن بعض ممارسات حزب العدالة والتنمية الداخلية، فقد اعترف بالإخفاقات والتراجع بدل المكابرة والهروب من المسؤولية، وأقدم بقيادة الوزير الأول (رئيس الوزراء) سعد الدين العثماني، على تقديم استقالته تسليماً بنتائج صناديق الاقتراع واللعبة الديمقراطية وبالانتخابات ومعاييرها التي سبق أن ارتضاها، وهو ما لم يفعله التيار القومي العربي، باستثناء استقالة جمال عبدالناصر بعد نكسة 5 يونيو/ حزيران عام 1967، وكذلك التيار اليساري الماركسي الذي تعتقت قيادته في مواقعها وهو يخسر الشارع يوماً بعد يوم. وظلّ التياران القومي والماركسي مثقلان بالأخطاء والخطايا، ويصرّان، على الرغم من الإخفاق والتراجع وانحسار تأثيريهما، على أن سياستيهما كانت على صواب دائماً، وأن الحياة زَكّت مواقفهما وأثبتت صحة تقديراتهما. ولم يشذّ التيار الإسلامي عن ذلك التوّجه في مصر وتونس والعراق وسوريا وفلسطين والجزائر ولبنان والأردن، وغيرها من البلاد العربية، بالرغم من تباين درجة الفشل والعوامل الدولية والإقليمية الضاغطة، فضلاً عن الأخطاء والنواقص والعيوب التي عانى منها، والتي قادت إلى نتائج معاكسة لتطلّعاته.
ولنأخذ مثلاً التيار الإسلامي في العراق الذي حظي بدعم دولي وإقليمي بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003، لكنه لم يتمكن من إنجاز تجربة مقنعة حتى لمن يدّعي تمثيلهم طوائفياً، والأمر ينطبق على الفريقين المتصارعين باسم تمثيل هذه الطائفة أو تلك، بل كانت الاختلافات والتشظيات داخل كل فريق من الفرقاء المتعاونين-المتخاصمين قائمة، بل الأكثر عدائية وكراهية، خصوصاً التنافس على مراكز النفوذ، فضلاً عن الامتيازات والمكاسب الطائفية والحزبية والسياسية والاقتصادية والشخصية.
لقد أنتج ذلك الصراع غير المبدئي، انحداراً كبيراً في إدارة الدولة، بفعل تغوّل السلطة عليها واستقواء جماعات ما دون الدولة لتكون ما فوقها، بحكم امتلاكها للسلاح، وتفشّي ظواهر المحسوبية والمنسوبية والاستزلام والغنائمية السياسية والزبائنية المصلحية، التي تجسّدت في نظام المحاصصة والفساد المالي والإداري واستشراء التعصّب ووليده التطرّف وابنهما «الشرعي» العنف، وهذا الأخير إذا ما ضرب عشوائيّاً يتحوّل إلى إرهاب، بل إرهاب دولي إذا استهدف خلق حالة من الهلع والرعب والخوف لإضعاف ثقة الدولة بنفسها، وثقة المجتمع والمواطن بالدولة كحامية له وحريصة على ضبط النظام والأمن العام وحماية أرواح الناس وممتلكاتهم.
قد تكون الإطاحة بتجربة حزب العدالة والتنمية في المغرب تعني، فيما تعنيه، الإجهاز على معقل مهم وأساسي من معاقل الإسلام السياسي في العالم العربي، بعد فشل تجربة «الإخوان المسلمين» في مصر، و«حزب النهضة» في تونس، وقبلهما فشل تجربة الإسلام السياسي في السودان، وانحسار دوره في ليبيا وموريتانيا والجزائر، إضافة إلى انقساماته في الأردن، فضلاً عن تعقيدات الوضع اللبناني والحصار الذي يتعرّض له والذي انعكس على تعويم سيادة البلد لعقود من الزمن، فضلاً عن الفراغ الحكومي لأكثر من عام منذ حادث الانفجار الأليم لمرفأ بيروت (4 أغسطس /آب 2020 )، والذي ترافق مع تعاظم الأزمات الخانقة من الكهرباء إلى المازوت والبنزين، وصولاً إلى انهيار العملة وتردّي الحالة المعيشية لدرجة أقرب إلى الارتطام بالقاع.
وقد أحدث الانسحاب الأمريكي من أفغانستان تداعيات جديدة قد تُفضي إلى تغييرات جيوبوليتيكية درامية على المستوى الإقليمي، كما أربك التيار الإسلامي في العديد من الأقطار العربية، فضلاً عن إيران ودول آسيا الوسطى الإسلامية، ما دفع موسكو لإرسال عدة رسائل إلى «طالبان»، ودفع بكّين إلى التعامل بحذر مع هذا المتغيّر الجديد، فهل يعترف أصحاب مشروع الإسلام السياسي بالدرس المغربي، ويسلّموا بفشل سوء إدارتهم، وهل يتحلّوا بشجاعة العثماني وقيادته بالانسحاب من مواقعهم؟
إنه درس للجميع، وعبرة لمن اعتبر.