الأزهري المفتون بـ«السحر» المغربي… وماذا «صنع الحداد» بين الرباط والجزائر؟!
حينما يتحدث المواطن المصري عن بلاده تشعر كما لو أنك أمام أعظم بلد في العالم. وحينما يتحدث عن بلد آخر زاره أو أقام فيه ردحا من الزمن، تشعر كما لو أنه يلقي قصيدة بليغة، أو يرسم لوحة بديعة.
ذلك شعور خالجني وأنا أتابع حوارا على قناة «اليمامة» التلفزيونية المبثوثة إلكترونيا، مع الباحث المصري الأزهري الدكتور محمد عبد السلام، المختص في الشريعة الإسلامية؛ فقد قدم الضيف شهادة واقعية عن المغرب، بعبارات ساحرة ومشاعر جياشة، وأضفى على صدق كلامه ملامح وجهه المعبرة، فكان ذلك كفيلا بتشويق المشاهد لزيارة هذا البلد المغاربي والتعرف على ناسه عن كثب.
والواقع أن تلك الحلقة أفضل بكثير من الوصلات الترويجية التي تقوم بها السلطات المغربية، عن طريق مكتبها المختص في السياحة، عبر مختلف الوسائط التواصلية، والتي تصرف عليها ملايين الدراهم.
كلام العالم الأزهري محمد عبد السلام كان خارجا من القلب، ولا يرجو منه جزاء ولا شكورا؛ باعتباره عاش وسط المجتمع المغربي خلال سنوات دراسته العليا في جامعة «ابن طفيل» في مدينة القنيطرة القريبة من العاصمة الرباط، وتطرق إلى جزئيات دقيقة من الحياة اليومية في المغرب.
قال إن الشعب المغربي شعب كريم، مشيرا إلى أنه يجمع بين «كرم المشاعر وكرم الضيافة»، وتوقف عند عادات معينة، من بينها أكلة «الكسكس» التي تنتشر في البيوت المغربية خلال يوم الجمعة. وكان من فرط حديثه عن هذه الوجبة وما تحتوي عليه من لحم وخضار، أصبح يتلمظ بشفتيه، وقال لمنشطة البرنامج باسمًا: شوقتني للكسكسي، فقد كنت آكله بعشق. كما استرعى انتباهه وجود الخضار والفواكه بكثرة في المواد المغربية.
وكشف أنه بعد نهاية دراسته، كلما حل الموعد الذي كان يسافر فيه إلى المغرب من أجل إعادة التسجيل في الجامعة، يشتاق لأصدقائه ولأساتذته وللأماكن التي كان يزورها، ولأكل «الكسكس» الذي كان يهيأ قبل صلاة الجمعة، فتفوح رائحته أمام البيوت حينما يكون المرء متجها نحو المسجد.
ومن بين الأمور التي استرعت انتباهه خلال وجوده في المغرب، طلاء البيوت والمباني والإدارات في المدن الذي يختلف بحسب المناطق: حيث يغلب اللون الأبيض في الرباط، والأحمر في مراكش، والأزرق والأبيض في الشمال. وأفاد أن طلاء البيوت يتجدد باستمرار، حفاظا على رونقها وبهائها.
وفي سياق حديثه عن البيئة أبدى إعجابه بطبيعة المغرب وغاباته، كما توقف عند حرص المغاربة على النظافة، ملاحظا أن عمال النظافة يخرجون فجرا لتنظيف الشوارع، وأنهم يمارسون عملهم بحيوية وفعالية.
ولم ينس الإشارة إلى حب المغاربة للشعب المصري ولفنونه خاصة السينما وللغته العامية. وحين سئل العالم الأزهري عن الخصوصية الفكرية للمغرب، أوضح أنه تتمثل في الجمع بين التراث العربي والإسلامي والانفتاح على الغرب.
وكان لا بد لمنشطة البرنامج أن تعرج على سؤال يتردد لدى الكثيرين في المشرق حول موضوع السحر المغربي، فكان جواب الضيف: «سمعت عن هذا من قبل، وحُذّرت كثيرا من الموضوع، لكنني لم ألمسه مطلقا. لقد عاشرت أناسا كثيرين، ودخلت بيوتهم، فلم أجد شيئا من ذلك مطلقا، بل وجدت المغرب كله كرم. ونقل عن صديق له قوله: «يا محمد، النساء هنا إذا أحبوك سحروك، وإذا كرهوك قتلوك.» لكنه لم يكن يقصد بالسحر التوجه إلى المشعوذين، بالعكس ـ كما قال ـ المرأة المغربية ذات سحر أنثوي، وتهتم بإسعاد زوجها، وتتصرف في بيتها بمنتهى المسؤولية والحيوية، وتهيئ أطباقا لذيذة…
وعود على بدء، يمكن القول إن حديث الإنسان المشرقي عن المغرب الأقصى مرتبط بحسب نيته وطبيعة شخصيته وتكوينه الثقافي والنفسي، إنْ قَصَدَ هذا البلد بهدف اكتشاف حضارته وخصوصية مجتمعه، فإنه يجد ضالته، ويكون معجبا بما توصل إليه. وإن كانت له غايات أخرى، فلن تلمس في حديثه سوى حكايات عن العوالم السفلى المألوفة في معظم البلدان!
خصومة يرفضها الشعوب ويغذيها الحكام!
كثيرا ما يطغى الصراخ والزعيق على النقاشات التلفزيونية في القنوات العربية، غير ما شاهدته منذ أيام على قناة «الحوار» مختلف عن ذلك تماما، إذ طغى الهدوء على الجلسة التي جمعت في برنامج «حوار لندن» ضيوفا من جنسيات مختلفة. وكان موضوع الحلقة التي أدارها الأكاديمي الفلسطيني عزام سلطان التميمي حول أسباب الخصومة المزمنة بين الجزائر والمغرب والتي ينطبق عليها المثل العربي «بيني وبينك ما صنع الحداد» (وقصة المثل طويلة، ينوب عني السيد «غوغل» في شرحها).
بالنسبة للناشط السياسي الجزائري المعارض محمد العربي زيتوت، فإن ثلاثة عوامل غذت تلك الخصومة: النزاع على الحدود سنة 1963، وقضية الصحراء، وعملية مراكش في 1994. ومن خلال سرد تاريخي مفصل، أكد أن الجزائريين والمغاربة «شعب واحد في بلدين». وتطرق إلى الدعم المغربي للأمير عبد القادر وللثورة الجزائرية أيام الاستعمار الفرنسي، مشيرا إلى الروابط التي جمعت عددا من القادة الجزائريين بالمغرب، إما قرابة الدم أو كونه مكان الولادة، فضلا عن وجود شوارع كبرى في الجزائر تحمل اسم العاهل المغربي الراحل السلطان محمد الخامس.
وجوابا على سؤال حول ما إذا كان مواطنو البلدين يتماهون مع موقف بلادهم في الموضوع من النزاع بين البلدين، أوضح أن عددا كبيرا من الجزائريين ومن المغاربة ضد هذه الخصومة.
أما الوزير الأفغاني السابق محمد صديق تشكري فقال بعربية سليمة، إن ما زاد الطين بلة كون جبهة البوليساريو تتمركز في الجزائر، وهذه الأخيرة لم تلعب دورا وسيطا ولا محايدا، بل قامت بدور تحريضي. وأيده عزام التميمي بالقول: «وأظن أنه بدون الجزائر ما كان بإمكان البوليساريو أن يستمروا.»
وواصل تشكري مداخلته قائلا «من باب حسن الجوار، كان على الجزائر أن تقنع البوليساريو بأن يتصالحوا مع المغرب، ويدخلوا إلى الأراضي المغربية بلدهم، بضمان من الجزائر والأمم المتحدة. ومن ثم، يمكن أن تحل المشكلة بين الجزائر والمغرب.»
وأشار إلى أن فرنسا تشجع كلا من البلدين المغاربيين للتدخل في مالي. وتساءل: «لماذا لا يتعلم الحكام مرة واحدة في حياتهم كلمة لا. كلمة لا غير موجودة في قاموس المسلمين اليوم، كلما أُمِرُوا أطاعوا. إذا كانت هناك صفقة، فليرفضوها، ولا يوقعوا عليها إذا كانت ستضر بمصالح الشعب.»
لو كان المغرب والجزائر متفقين فإن ذلك سينعكس على باقي الدول العربية. استنتاج يقدمه الكاتب فراس أبو هلال، مضيفا أنه في عز العشرية السوداء كان التركيز في السياسة الجزائرية منصبا على قضية الصحراء، بينما كان البلد في حالة حرب داخلية، قُتل فيها أكثر من 200 ألف جزائري. في مقابل ذلك، جعل المغرب من قضية الصحراء مبررا للتطبيع مع إسرائيل، والكلام دائما لأبو هلال.
المشكلة في العالم العربي أن كلام المحللين ومشاعر المواطنين في واد… وقرارات أهل السلطة العليا في واد آخر!