راشانا: من قرية لبنانية إلى منارة عالمية!
من النادر أن نقرأ هذه الأيام خبراً عن لبنان يشرح الصدر! لذا سررت بقراءة «مدير مركز التراث اللبناني» الشاعر هنري زغيب، ينظم ندوة «إلكترونية في الجامعة اللبنانية الأمريكية حول «راشانا» و«الأخوة بصبوص» الذين حولوا قرية راشانا من ضيعة منسية إلى «منارة عالمية». استعادت الندوة إبداع الفنانين النحاتين الأخوة ألفرد وميشال ويوسف بصبوص!
تعبنا من أخبار انهيار لبنان وتحويله من سويسرا الشرق إلى (جنازة) الشرق، حيث الكهرباء مقطوعة، والبنوك لا تسدد للمودعين أموالهم، هذا إلى جانب انقطاع وقود السيارات ومولدات الكهرباء البديلة. لكن من الجميل التذكير هذه الأيام بالإبداع الفني اللبناني الذي يدوم مهما مر الزمان وتبدلت الأيام من الثراء المالي إلى الفقر. فالإبداع ثراء لا ينضب.. وحسناً فعل هنري زغيب باختيار هذا الموضوع الذي قد (يرفع معنويات اللبناني) والهموم تثقل كاهله في عتمة الليالي بكهرباء قضت نحبها إلا ساعتين في النهار!
شكراً لهنري زغيب
من هم الأخوة بصبوص، وما هي راشانا؟ صبحي حديدي يقول عن «محترف راشانا» حيث منحوتات الفريد بصبوص: تعيد تشكيل الجسد الإنساني وفق نحو لغوي/بصري إعجازي.
وأعترف بأنني رغم إقامتي الطويلة في باريس عاصمة الفن والمتاحف، لم أنس يوماً زيارتي إلى راشانا اللبنانية ولقائي (برفقة زوجي رحمه الله) مع الأخوة بصبوص وتعارفي مع إبداعاتهم.
ميشال وألفريد وجوزف، حولوا قريتهم في أقل من ربع قرن إلى بلدة مسحورة. قال المبدع بول سيزان: «بتفاحة سوف أدهش باريس».
و»البصابصة» استطاعوا إدهاش كل من زار راشانا وعالمها المسحور بالإبداع.. وحسناً فعل هنري زغيب بتذكيرنا بعباقرة لبنان الذين زمنهم هو كل زمن على الرغم من هول ما يدور هذه الأيام في لبنان.
إن الندوة التي نظمها هنري زغيب حول راشانا والأخوة بصبوص، تساهم في علاجنا كلبنانيين من الانهيار العصبي لانهيار الوطن في هوة الظلام بالمعنى المادي للكلمة (لا كهرباء) وهوة الفقر، وهوة الوحش لوطن كان عاصمة السياحة العربية والغربية، وقائمة أحزاننا ومصائبنا اللبنانية تطول…
كفى ظلماً للرجال «السود»
انتقل إلى موضوع آخر… قرأت هنا تبرئة 3 رجال سود في بريطانيا من تهمة السرقة، (بعد نصف قرن!) وكان يمكن للتهمة أن تكون القتل والاغتصاب، إلى غير ذلك من التهم المشينة. كيف يمكن لقاض أن ينام بلا كوابيس حين يكتشف أنه حكم بالسجن على ثلاثة أبرياء؟ وهل كونهم سود البشرة ساهم في عدم قيام التحقيق في كشف الحقائق؟ المهم أنه بعد نصف قرن، تم إطلاقهم من السجن. ولم أذكر أسماءهم لأنها لا تعني شيئاً للقارئ العربي. وما يؤلمنا هو الحكم على أبرياء لمجرد أنهم سود البشرة.
لا أعرف المبلغ المالي الذي ستدفعه لهم العدالة البريطانية تعويضاً عن سجنهم نصف قرن، لكن هل ثمة أي مبلغ من المال يمكنه التعويض عن سرقة نصف قرن من حياة إنسان تصادف أنه أسود البشرة، ما الفرق بين الأسود والأبيض، والبشرة قشرة لا أكثر؟
السجن لكلمة الحرية!
وهذا أمريكي من مقاطعة شمال «كارولينا» الأمريكية، ولن أذكر اسمه أو اسم المتهم بقتله، فهي لا تعني شيئاً للقارئ العربي، لكن قضاء 24 سنة في السجن لرجل بريء يعني الكثير.
في أوطاننا العربية، الكثير من السجناء الذين لم يتم اتهامهم بالقتل، بل قاموا بالعكس؛ أي بالرغبة في إحياء الوطن ونشر أعلام الحرية الفكرية، وهو ما لا يناسب الكثير من الحكام.. وما أكثر السجناء في كوكبنا الذين يستحق سجانوهم السجن! فإطلاق سراحهم يعني إطلاق سراح الحرية.. كلمة «الحرية» الغالية على قلوب الملايين والتي يحاول البعض سجنها!
أكره شعر الفخر والهجاء!
أعرف أن المتنبي من كبار الشعراء العرب، لكنني ببساطة أكره شعر الفخر. أكره مثلاً قول المتنبي: أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي/وأسمعت كلماتي من به صمم.
أنام ملء جفوني عن شواردها/ ويسهر الخلق جرّاها ويختصم.
لا أحب هذا الشعر العربي حين يمتدح الشاعر نفسه.. كما أنني أكره شعر الهجاء.. وكلاهما يبالغ أحياناً، كقول الحطيئة الذي هجا والديه ثم هجا نفسه: «أرى لي وجهاً قبّح الله خلقه/فَقُبِّحَ من وجه وقُبِّح حامله!
والحقيقة المضمرة هي انشغال الشاعر بنفسه مديحاً أو هجاء. وأعتقد أننا في عصرنا سنرفض النموذجين، ونحتاج إلى شعر يعبر عن روح العصر والإنسان الآخر.
أيها الوطن، ضمّنا إلى قلبك!
ثمة أخبار تتكرر باستمرار لكنها تحزننا كأنها المرة الأولى التي تقع، وأعني بها موت بعض المهاجرين من أفريقيا وآسيا إلى أوروبا في قوارب حلم الحياة الرغدة، لكنها تغرق ويموتون ويتحولون إلى طعام لأسماك القرش!
ونقرأ باستمرار هذه الأخبار عن غرق المئات يوماً بعد آخر.
ولا يخطر ببال ذلك القتيل المغامر خلف حلم الحياة في أوروبا، أنها لن تستقبله بالعناق إذا وصل حياً، وسيعاني فيها ما عاناه في وطنه، لكنها معاناة من نمط آخر.. والحل كما – رددت دائماً – في جعل الأوطان مكاناً صالحاً للعمل والحياة بكرامة بدلاً من الهجرة والهرب من جوهر المأساة إلى حل فردي. وآخر ما طالعته في هذا الحقل عن «مصرع عشرات المهاجرين في قارب غرق قبالة السواحل الليبية».
أيها الوطن، ضمّنا إليك!!