الانتخابات العِراقيَّة.. لو تبدل الموقف!
الانتخابات العِراقيَّة.. لو تبدل الموقف!
رشيد الخيّون
انتهى التَّصويت على البرلمان العراقي، في الموسم الخامس للانتخابات، فظهر أنَّ 59% رفضوا التَّصويت، بينما في المواسم الأولى، وعلى الرَّغم مِن العنف، هرعت الأكثرية إلى الصناديق أملاً في التغيير، ولكن مع الأمن التام في هذا الموسم كانت نسبة المصوتين 41% فقط، والسبب أنَّ اليأس أصاب الأكثرية مِن التغيير، ولا يريدون ظُلم أنفسهم بأصواتهم. كان سبب العزوف عن الانتخاب ما حصل خلال تسعة عشر عاماً، من فساد في الثروة مصحوب بشراهة الخطف والاغتيال وسوء الأحوال.
كان توجس العراقيين من الدور الإيراني وراء تداول زيارة لإسماعيل قآاني قائد فيلق القدس، خليفة قاسم سليماني (قُتل: 2020) في المنصب، وإدارة شؤون الميليشيات، كان هذا الوقت الذي يحلُ فيه سليماني على العراق، وفي أغلب الدورات الانتخابية، ليس ضيفاً وإنما راعيَّاً مطاعاً. لا أحد فكّر ما صلة سليماني وقآاني بشان سياسي عراقي داخلي؟! وكأن لسان حال العراقيين يقول في هذا العجب: «وقد جربتهم فرأيتُ منهم/ خبائثَ بالمهين نستجير» (الآلوسي، فصل الخطاب).
غير أنه في هذه المرة تبنى قائد «كتائب حزب الله»، بما تريده إدارة الولي الفقيه، وهو رفض نتائج الانتخابات، التي لم تفز فيها كتلة «الفتح» التي تعول عليها إيران، فقادتها إيرانيون أكثر مِن الإيرانيين أنفسهم. كان خطاب مقتدى الصدر، مفاجئاً للفصائل الإيرانية، مع أن لإيران كانت وصاية عليه في ما مضى، فهي وراء تأسيس «جيش المهدي». المفاجأة أن الصَّدر بعد فوز تياره بالأغلبية، دعا إلى حصر السلاح بيد الدولة، وتخليص العراقيين مِن الميليشيات التي «تقتل وتخطف»، وليتوقف الابتزاز بـ«المقاومة». هذا، إذا ثبت على موقفه، فله سوابق في التراجع والتقلب.
لذا تحشدت القوى الموالية لإيران، يتقدمها حزب ذوبوا في الخميني، مع «فيلق بدر»، ويترأسها مَن ما زال يرى أن الحرب والسلم بيد الإمام (!) للطعن في الانتخابات التي اعتبرها قائد «كتائب حزب الله» كذبةً وسرقةً لأصوات العراقيين! لكن سرقة العراق بالكامل، وملاحقة شبابه بالاغتيال والخطف والترهيب، يعتبرها مقاومة شرعيَّة!
يتغير العالم يومياً، سياسياً واجتماعياً، إلا إيران فلم تبرحْ اللعب بأدواتها القديمة؛ إدارة الملفات عن طريق قادة المليشيات! لم تستفد مِن الدّرس الذي لقنه لها شباب التظاهرات «التشرينيون»، وقد تُعطى الحقَّ على هذه السياسة، فهي إن برحتها لم يُعد لشعارها «الثَّوري» قيمة، ولم يعد استلاب الناس بولاية الإمام، المختلف عليها داخل إيران وبين فقهاء المذهب قبل غيرهم، لأنَّ «أهل مكة أدرى بشِعابها». فليس كل عمائم المذهب عليهم تصديق ما قيل: إن الإمام المهدي كان جالساً مع الخميني في الطائرة مِن باريس إلى طهران، التي بثها أحد أتباعه، ولم تكن وهماً وسذاجةً، إنما مقصودها أنَّ الإمام باركه وسلّمه العرش، وله إعلان الحاكمية الإلهيَّة!
أقول: يمكن اعتبار فكرة غيبة المهدي المنتظر والأمل بخروجه، مقبولةً إذا حصرت داخل المذهب عقيدةً في الإيمان، لكنَّها مشكلة كبرى إذا تحولت إلى سلطة لمَن اعتبر نفسَه نائبَ الإمام، فعندها مِن حقّ المفترسين بسلاح ميليشياته، التَّساؤل عن هذه النيابة المقدسة! وهذا ما جلبه الإسلام السّياسي ككلٍّ على الإسلام، وهو البحث والتَّدقيق في التَّفاصيل ونقضها، وإشهار الموقف المعادي للدين، والسبب أن السُّلطة تمثل السيف، ومعلوم أنَّ «طموحَ السَّيف لا يخشى إلهاً/ ولا يرجو القيامة والمعادا» (المعريّ، لزوم ما لا يلزم)!