المناخ والنفط
عبد الحسين شعبان
هل ثمّة علاقة بين المناخ والنفط؟ سؤال طالما يتردّد على لسان مختصّين وغير مختصّين. وما يهمّنا هنا هو الجانب الصحي والإنساني، خصوصاً ونحن نتابع كلّ يوم تحذيرات شديدة ومقلقة بشأن مستقبل الكرة الأرضيّة في ظلّ تبدّلات المناخ ومتغيّراته بما يجعل المرء أحياناً يشعر بالخوف، بل ويتملّكه الهلع بشأن مصير البشرية ومستقبلها، بسبب تخصيص الميزانيات الضخمة للتسلّح والعلوم الحربية وأنواع جديدة من السلاح، في حين لم يول الإهتمام الكافي بالصحة والتعليم والبيئة والبحث العلمي عموماً، في ظلّ امتداد التصحّر وتفشّي الأمراض والأوبئة وآخرها مداهمة العالم أجمع فايروس كورونا “كوفيد-19″، إضافة إلى الإحتباس الحراري والتغييرات التي يشهدها المناخ .
ويذكّرنا ذلك بالسنوات الأخيرة للحرب الباردة والصراع الآيديولوجي بين المعسكرين، حيث قررت واشنطن تخصيص تريليوني دولار لحرب النجوم في سباقٍ للتسلّح مع موسكو، وهي ميزانية لم يقدر الإتحاد السوفيتي السابق على مجاراتها فيها. وكان ذلك مؤشراً جديداً على فوز الغرب في سباقه مع النظام الإشتراكي، يضاف إلى مؤشّرات أخرى تتعلّق بالنظام السياسي وشحّ الحريّات والاختناقات الإقتصادية التي عاشها.
وبدلاً من التوجّه للبحث العلمي والتعاون الدولي في مجالات العلم والبحث والتكنولوجيا والصحة والبيئة لرفاه الإنسان وسعادته، فإن المنافسات السياسية والمصالح الأنانية الضيّقة هي التي كانت تتغلّب باستمرار وهي الآن تأخذ منحىً جديداً يتعلّق بالصراع الأمريكي – الصيني بشكل خاص، والأمريكي الروسي أيضاً، حيث يجري فيه إهمال قضايا حسّاسة ومصيرية مثل تغييرات المناخ دون شعورٍ بالمسؤولية من جانب القوى المتنفّذة. وحين نستعيد ذلك فالأمر متزامنٌ مع حرائق مدمّرة في العديد من البلدان المتقدّمة والنامية، إضافة إلى أعاصير وفياضانات وتغيير في درجات حرارة الكوكب التي ترتفع من سنة إلى أخرى.
في ظلّ هذه الأوضاع صدر تقريران دوليان خطيران: الأول– من لجنة علماء الأمم المتحدة بشأن تغيّرات المناخ. والثاني– تقرير وكالة الطاقة الدولية تمهيداً لمؤتمر غلاسكو الذي سينعقد في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل 2021. ويؤكّد التقريران ضرورة البحث في مستقبل المناخ، وصولاً للعام 2050 تساوقاً مع قرارات مؤتمر باريس المناخي ولتأكيد إلتزامات الدول بالقرارات التي تمّ التوصّل إليها والتعهدات التي أخذتها على عاتقها.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن الربط المباشر بين التغيّرات المناخية والإرتفاعات في درجات الحرارة، هي جرّاء عمل الإنسان، أي أن التقلّبات المناخية ناجمة عن استعمال مباشر ومكثّف للنفط والمصادر الهيدروكربونية. ولهذه الأسباب حذّر التقريران من انبعاثات غاز الميثان وثاني أوكسيد الكربون على التغيير المناخي، وهو ما يستمرّ سنوياً دون توقّف، بل أخذ بالإزدياد والإرتفاع خلال السنوات الأخيرة، بما يؤثّر سلباً على استيعاب الغابات لثاني أوكسيد الكربون وتقليص انبعاث الأوكسجين من الأشجار، وهو ما يفاقم الأزمة المناخيّة المتعاظمة. وكانت نصف الإنبعاثات التي زادت من حرارة الجو خلال عامي 2019 – 2020 ناجمة عن حرائق الغابات.
وتعمل شركات الطاقة الكبرى على تقليص انبعاث ثاني أوكسيد الكربون وذلك عبر تدويره بتقنية خاصة، مما يعني سحبه من البترول المنتج ومن ثم تخزينه في آبار فارغة لاستخدامه في وقت لاحق، ويتمّ تطوير هذه التقنية في إنتاج النفط والغاز، ولكن دون انبعاث للكربون أو بانبعاثات ضئيلة جداً. وحتى الآن لم تتوفّر بدائل مقبولة وكافية لتغطية الإستهلاك الواسع والمتعاظم للنفط، علماً بأن نسبة الإنبعاثات من قطاع الطاقة تساوي حوالي 4/3 (ثلاثة أرباع) ما يتمّ انبعاثه من الكربون.
وكانت اتفاقية باريس قد حدّدت هدفاً رئيساً لها وهو التوصّل إلى صفر من الإنبعاثات الكربونية بحلول 2050، الأمر الذي يحتاج إلى إيجاد البدائل منذ الآن، وتأخذ بعض البلدان بتشريعات جديدة وأنظمة وقوانين للبدء بإحلال البدائل، مع الأخذ بنظر الإعتبار الإكتشافات العلميّة الجديدة.
ويبقى دور النفظ والغاز مهمّاً في مرحلة الطاقة المتجدّدة. فمن الناحية التجارية لا بدّ من أخذ الإستثمارات الهائلة في القطاع النفطي الدولي، خصوصاً في مجال الصناعة النفطية فيما إذا تمّ بنجاح تدوير الكربون، الأمر الذي يؤكّد علاقة المناخ بالنفط ، علماً بأن الحملة العالمية لتغيير المناخ هي ضدّ الإنبعاثات وليس ضد استخدامات النفط حيث يمكن أن يلعب النفط الخالي من الإنبعاثات دوراً في مرحلة الطاقة المتجدّدة، وقد يتنافس عبر السوق ومن خلال الأسعار مع الطاقة المستدامة، وبالطبع فإن الأمر له علاقة بالسوق، أي بالعرض والطلب وبالتطوّر العلمي أيضاً.
وتواجه دول العالم الثالث والبلدان الفقيرة عموماً موضوع المناخ بصعوبة كبيرة فيما يتعلّق بالإستثمارات لتحييد الإنبعاثات، لذلك يبقى خيار بدائل الطاقة المستدامة غير متاح لدولها، لأن الحلول المطروحة تلبّي إلى حدٍّ كبير مصالح الدول الصناعية الغنية والمتقدّمة، في حين أن الدول النامية والفقيرة ما تزال خارج دائرة الفعل في هذا الميدان لأسباب تتعلّق بعدم المساواة وغياب التكافؤ في العلاقات الدولية ، ناهيك عن الإستلاب والإستغلال الذي تتعرّض له ثرواتها من جانب القوى الكبرى.