هل أحرجت جنوب افريقيا عرب التطبيع؟ … ورسالة حب أردنية تثير الجدل
حين مات أبي توقفت الحياة لأيام عديدة… نعم توقفت بالمعنى الحقيقي للكلمة…
شعرت بأن الوقت يفقد ثوانيه ودقائقه وعقاربه ويفلت من قيود الزمن ليقع أسير لحظة الفراق.
كنت أجلس قرب شباكي الصغير أراقب السماء وهي تسقط نجومها.. وتنكسر وحيدة في عتمتها.. طالبته مراراً بالعودة، بالنهوض سريعاً، باستكمال مشوار لا يكتمل بغيابه.
رحل أبي في زمن كوفيد فلم يكن في وسعي ضمه ولا تقبيل جبينه.. رحل بصمت موجع.
موت أبي كسرني لكنه زاد من حبي وتقديري لكل أب يحتضن ابنته.
أذكر أني بعد أشهر من موته التقيت بعجوز مثقل يحاول أن يعبر الطريق إلى الناحية الأخرى بخطوات متعبة.. كان ظهره من الخلف يشبه ظهر أبي.. ركضت نحوه ومسكته بيده وعبرنا معاً.. كنت أنظر إليه بحب كبير ولا أعرف سبب تلك العاطفة التي جمعتني برجل غريب.. تركته ومشيت وأنا ممتلئة بالحب من رأسي حتى قدميّ.. ربما لأني أحسست يومها بأني فعلاً التقيت بأبي.. بأن والدي عاد إليّ ولو للحظات.
من يومها وأنا أبحث عنه في عيني كل رجل عجوز متعب.. ألقي السلام وأفتح يدي علني أستلم حفنة دفء صغيرة.
انتشرت منذ أيام على مواقع التواصل الاجتماعي قصة مؤثرة تفاعل معها العديد من الناشطين على السوشال ميديا.. قصة أب أردني يدعى فراس القدسي أراد التعبير لابنته أمام زميلاتها في المدرسة عن عمق محبته لها.
هكذا بدأت القصة حين اتفق الأب مع المديرة بأن تدخل الصف وتقرأ للطلاب رسالة حب كان قد كتبها لها على أنها رسالة غرام من شاب لطالبة.
بدأت المديرة بقراءة الرسالة في وسط ذهول الطالبات وتساؤلاتهن الكثيرة.. من يجرؤ على التصريح بحبه بهذا الشكل الفاضح؟ من هو العاشق الولهان؟ وكيف سلم الرسالة إلى المديرة وأقنعها بقراءتها؟
رسالة فيها من الحب ما يكفي لإزالة كل القبح الذي يضج به عالمنا اليوم..
حين أنهت المديرة القراءة سألت الطالبات: من تعتقد أن هذه الرسالة موجهة لها؟
رفعت إحدى الطالبات يدها بثقة كبيرة.
وبالفعل كانت هي المقصودة ولم تكن إلا ثوان معدودة حتى دخل الأب حاملاً في يده وردة واتجه نحو ابنته وضمها وهي تجهش في البكاء.
لكن في الناحية الأخرى من الصف كان هناك فتاة تبدو منكسرة. ولا أدري إن كانت هي الأخرى قد فقدت والدها وجاءت تلك القصة لتفتح جروحها من جديد.
تصرف هذا الأب يدل على حب كبير ويذكرني بأغنية انكليزية مشهورة جداً لرونان كيتنغ:
If tomorrow never comes
Will she know how much I loved her
Did I try in every way to show her every day
That she’s my only one
إن لم يأت الغد هل ستعرف كم أحببتها.. هل حاولت بكل الطرق أن أعبر لها عن حبي.
لقد أراد فراس القدسي أن يشبع ابنته حباً وحناناً ويجعلها أكثر قوة في مواجهة الحياة وهذا ما قاله لبي بي سي عربي:
«أنا والد إيمان القدسي صاحب رسالة الحب. بصراحة يعني كان بدي من هذه الرسالة والوردة إني أوصل شعور أبوي لبنتي وأفاجئها بالمدرسة. والحمدلله توفقت بهذه الرسالة لأنو بصراحة البنات بهيدا العمر بحسوا إنهم يحتاجوا رسالة حب لتعزز ثقتهم بأنفسهم وتعطيهم الشجاعة والقوة.»
وهذا ما أكدته عدة دراسات بأن علاقة الأب بابنته خلال مرحلة الطفولة والمراهقة تحدد وتبلور شخصيتها.
فإن نشأت بعيداً عن والدها تبلغ مرحلة النضج محملة بالمشاكل وبعدم التوازن النفسي.
لقد أوضح الدكتور أمجد العجرودي، استشاري أمراض الطب النفسي في المجلس الإقليمي للطب النفسي بأن مرحلة المراهقة هي بداية تشكيل المرأة وتعرفها على الجنس الآخر بشكل أكبر. لذلك وجود الأب يمنحها القوة والاستقرار العاطفي.
كما ذكرت الدكتورة إلهام شعراني، المتخصصة في علم النفس بأن الصداقة التي تجمع الفتاة بوالدها تجعلها أكثر قدرة على مواجهة الحياة وأكثر ثقة في نفسها.
لقد قالت إيمان في مقابلة تليفزيونية:
لم أكن قادرة على التعبير عن فرحي وفخري.. كل الحب الذي أشعر به وكل الفرح يعود لكوني أنتمي إلى أب محب وأم محبة. شعرت أن الرسالة لي.. لذلك رفعت يدي. نصيحتي لكل أب أن يعبر عن حبه لابنته.. ولكل أخ أن يكتب لأخته ويشعرها بمحبته.
تداول الأردنيون مقطع الفيديو ورسالة الحب بشكل واسع.
بعضهم أعجب بالفكرة واعتبر أنها ترفع من معنويات البنات وتترك في نفوسهن ذكرى لن تنسى. موضحاً أن سن المراهقة هو سن التغيرات في المشاعر والأحاسيس.
كما اعتبر بعضهم الآخر بأن الفيديو يحمل رسالة هادفة لتوجيه هذه الفئة العمرية. رسالة موجزها بأن كل الاهتمامات والحب في العالم لا يوازي حب الأب لابنته.
ولكن كان هناك من اعترض على الفكرة معتبراً أنها تسيئ لكل فتاة فقدت أباها.
نعم قد تفتح تلك الرسالة جراح من فقدوا آباءهم..
لكن هل يحجب الحب؟
سنرى الحب في كل مكان لأنه جزء لا يتجزأ من تركيبة هذا الكون.. تلك الفتاة الحزينة على فقدان والدها ستتزوج يوماً وسترى حب زوجها لأولادها.. ستخرج في القطار وستصادف أباً يضم ابنته.
إن الحزن يرفعنا إلى أعلى مراتب الإنسانية وينحتنا من جديد.. والدموع تطهرنا..
فلنقدر المبادرات التي تحمل الحب ونتعلم منها بدل انتقادها.
فلسطين لن تسقط أبداً!
في زمن التطبيع العربي الذي تعقد فيه اتفاقيات سلام رخيصة ومخجلة – دون مقابل – مع إسرائيل والتدافع نحوها بما لا يليق بالعلاقات الندية بين الدول، تسحب حكومة جنوب أفريقيا دعمها لملكة جمال البلاد لاليا مسواني في مسابقة ملكة جمال الكون التي ستقام في إسرائيل في 12 ديسمبر/ كانون الأول. وذلك رغم اعتراض المنظمين وتشديدهم على عدم تسييس الحفل.
لكن الأعمال الوحشية والفظائع التي ارتكبتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني لا تغتفر ولا يمكن تجاهلها.
وهذا ما أعلنته وزارة الفنون والثقافة في جنوب أفريقيا في بيان جاء فيه أن «الفظائع التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين موثقة جيداً» ولا يمكن «بضمير حي أن تربط نفسها بمثل هذه الفظائع».
هذا الموقف غير غريب على جنوب أفريقيا الذي قال أيقونتها المناضل نيلسون مانديلا:
نعلم جيداً أن حريتنا منقوصة من دون حرية الفلسطينيين.
نتساءل كيف يمكن أن يكتمل الجمال في حفل تحتضنه دولة خالية من الضمير تمارس القتل والاحتلال بحق الشعب الفلسطيني الأعزل؟
وكيف يمكن للدول الأخرى المشاركة فيه غض النظر عن جرائمها؟
ويا لخجل المطبعين – إن كانوا يخجلون – اللاهثين خلف مصالحهم من موقف دولة جنوب أفريقيا.