ثمة أنواع من الكتب يسعى القارئ إليها، ولا تسعى هي إليه في رحلة التسويق لها، إذ يرى أنه سيجد فيها متعة ما وهو يطالع صفحاتها، مبحرا في عوالمها وتفاصيلها، التي تقترب من الجوانب الإنسانية لشخصيات بعينها، كاشفة له بعضا من خصوصيتها التي لم يكن يدري عنها شيئا قبل أن تقع مثل هذه الكتب في يديه. هنا وفي السطور التالية نلقي الضوء على كتاب من تلك الكتب وهو كتاب «حكايات زواج العباقرة والمشاهير» للكاتب والروائي المصري السكندري مصطفى نصر، الذي صدر عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة.

قطر الندى

جاء هذا الكتاب نتيجة لانشغال الكاتب ببعض حفلات الزفاف، ومنها ما كان سببا في ضياع دول كحفل زواج قطر الندى ابنة خمارويه حاكم مصر، من المعتضد الخليفة العباسي في بغداد، تلك الزيجة التي خربت خزائن مصر وأنهت الدولة الطولونية. ومنها ما كان سببا في إذلال أحد الزوجين كزواج الشيخ علي يوسف من صفية ابنة الشيخ السادات، تلك الزيجة التي أذلت علي يوسف وفرّق القاضي الشرعي بينه وبين زوجته بتهمة أنه يعمل جورنالجيّا، وقد كانوا يرونها مهنة محرمة شرعا في ذاك الوقت، لأنها تتّبع عورات الناس، والدين يأمر بألا تجسسوا. هذه الزيجات المثيرة، على حد تعبير الكاتب، جعلته يفكر في إصدار كتاب يوضح العلاقة بين الزوجة والزوج.
هنا يقدم الكاتب زيجات عربية وأخرى أجنبية: في الجزء الأول من الكتاب يورد نصر زيجات عربية قديمة مثل زواج الشاعر العربي ديك الجن من ورد، التي بهرته بجمالها فتزوجها، غير أن ابن عمه أوهمه بأنها تخونه حتى وصل به الأمر إلى قتلها. كما أُعجب المؤلف إعجابا شديدا بشجرة الدر، الجارية التي سيطرت على قلب وعقل سيدها نجم الدين أيوب، حتى ترك كل عشيقاته وزوجاته من أجلها. وفي الجزء الثاني يعرض نصر لزواج شخصيات أجنبية كزواج ملتون الشاعر الإنكليزي مؤلف «الفردوس المفقود» وبوشكين أمير شعراء روسيا، وتولستوي حكيم الروائيين العالميين، والكاتبة الأمريكية هارييت بيتشر مؤلفة رواية «كوخ العم توم» التي كانت سببا في تحرير عبيد العالم، وفي قيام الحرب الأهلية الأمريكية.

جوانب خفية

في كتابه هذا، وكما كُتب على ظهر غلافه الأخير، يتحدث مصطفى نصر عن الجوانب الخفية في حياة العباقرة والمشاهير الخاصة بالزواج، ومدى تأثيره في مسيرتهم وحياتهم. هنا استعان الكاتب بمخزونه الإبداعي الثري، وموهبته القصصية المتأججة، ليقدم للقارئ مادة ثقافية مشوقة، تعرض الكثير من الأسماء المعروفة بمنظور مختلف وصور قلمية مغايرة لما تم طرحه من قبل. ومن خلال حكايات زواج العباقرة والمشاهير، أعاد الكاتب تقديم عدد من الأسماء المعروفة عربيا وعالميا، مارّا بشجرة الدر ومنتهيا بمارلين مونرو. يتحدث نصر عن زواج محمد علي، ملك حفني ناصف، فاطمة رشدي، بديعة مصابني. كما يتحدث عن زواج جون ملتون، روبرت ستيفنسون، تشايكوفسكي، إبراهام لنكولن، أتاتورك، فيفيان لي وغيرهم.
في هذه الحكايات يطوف بنا مصطفى نصر في دهاليز العباقرة والمشاهير، كاشفا لنا عن ظروف زيجاتهم، وما أحاط بها والنتائج التي ترتبت عليها، وقد أثر بعض هذه الزيجات في بلاد بأكملها، فيما لم يؤثر بعضها إلا في الزوجين ومحيط أسرتيهما.
يكتب نصر هذه الحكايات بأسلوب سردي سلس يجعل القارئ مستمتعا بمضمون الحكاية وما فيها من أحداث لم يعرفها من قبل، إلى جانب استمتاعه بلغة رشيقة لا يعكر صفو انسيابها شيء. الكتاب أيضا يُعد مرجعا لمن يريد أن يبحث في ما بعد في هذا المجال، ساعيا إلى الاطلاع أكثر والدخول إلى عالم هؤلاء الخاص، معرفة تفاصيل دقيقة عن حياتهم الخاصة، وطقوسهم الحياتية ومدى تأثير ارتباطهم في المستوى السياسي أو الاجتماعي.
في هذا الكتاب تعرفنا إلى زواج ملك حفني ناصف الأديبة المصرية وداعية الإصلاح الاجتماعي وإنصاف وتحرير المرأة المصرية، في أوائل القرن العشرين. وإلى زواج فاطمة رشدي الممثلة المسرحية والسينمائية التي كانت تُلقب بـ»سارة برنار الشرق» وقد تزوجت من عزيز عيد رائد المسرح المصري، ثم المخرج السينمائي كمال سليم. وإلى زواج جون ملتون الشاعر والعالم الإنكليزي صاحب قصيدة «الفردوس المفقود» وهو من أبرز شعراء الأدب الإنكليزي، وإلى زواج أمير شعراء روسيا الكاتب والروائي والمسرحي ألكسندر بوشكين، وإلى زواج تولستوي أحد عمالقة الرواية الروسية والمصلح الاجتماعي والمفكر الأخلاقي.

مارلين مونرو

أيضا نقرأ هنا عن تفاصيل زواج كاترين مانسفيلد إحدى أبرز كُتاب القصة القصيرة الحداثيين. وعن زواج تشايكوفسكي الموسيقي الروسي صاحب موسيقى «باليه بحيرة البجع» و»كسارة البندق». ونقرأ عن زواج هارييت بيتشر ستاو الكاتبة الأمريكية والناشطة في حركة التحرير من العبودية والشخصية المؤثرة في كتاباتها. ونقرأ عن زواج روبرت ستيفنسون الروائي والشاعر والكاتب الأسكوتلندي المتخصص في أدب الرحلات. ونقرأ عن زواج مصطفى كمال أتاتورك قائد الحركة التركية الوطنية التي حدثت في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وهو الذي هزم الجيش اليوناني في الحرب التركية اليونانية عام 1922. ونقرأ عن زواج فيفيان لي الممثلة البريطانية المعروفة والحائزة جائزة الأوسكار عن دورها في فيلم «ذهب مع الريح» عام 1939. أما الحكاية الأخيرة التي ينهي بها مصطفى نصر كتابه الممتع هذا فهي حكاية زواج مارلين مونرو الممثلة الأمريكية الشهيرة، التي وصل الأمر بها إلى الموت انتحارا، بعد أن تناولت كميات كبيرة من المهدئات التي لم تكن تستطيع أن تستغني عنها.

كاتب مصري