تقرير أمريكي عن ساجدة عبيد عندما وحدت العراقيين المنقسمين
بالنسبة للعراقيين الأكبر سنا، تعتبر ساجدة عبيد (63 عاما) رمزا لعصر ذهبي مضى، بينما هي بالنسبة إلى جيل الشباب، فإن أغانيها العاطفية المفرحة وكلماتها الحافلة بالحيوية، أصبحت وسيلة للتعبير عن الذات في هذا المجتمع المحافظ بدرجة كبيرة.
جاء ذلك في تقرير لشبكة “اي بي سي نيوز” الأمريكية، تناولت فيه المطربة العراقية ذي الأصول الغجرية، والتي ما ان تظهر على خشبة المسرح مرتدية زيا ذهبيا مزركشا، حتى يقفز الجمهور مغرما بصوتها، مضيفة أنه بغض النظر عن عمرها، فإن ألحان أغانيها الجذابة، تدفع الجمهور الى الرقص، وهي اصبحت بمثابة رمز للوحدة في مجتمع طالما عانى من الانقسامات.
ولفت التقرير إلى أنه خلال حفل أقيم ليلة الاثنين في “نادي اليرموك” في بغداد، تمايل الرجال والنساء من مختلف الأعمار والخلفيات الاجتماعية وهم يتغنون بكلمات اغاني ساجدة عبيد، وأنه بينما ارتدت بعض النساء الحجاب، رقصت أخريات بفاستين قصيرة، مضيفة أن الحضور جاء من جميع مناطق بغداد، عابرين الانقسامات الطائفية التي ضربت المدينة منذ فترة طويلة.
وذكر التقرير أن ساجدة عبيد “بعد مهنة امتدت لعقود، فإنها تتمتع أيضا ثقل سياسي، مشيرا الى أنها كانت محبوبة في عهد الديكتاتور صدام حسين.
وبينما يقول خبراء الموسيقى أن موسيقاها تفتقر الى تعقيدات تقاليد الموسيقى الكلاسيكية في العراق، فان جاذبيتها الواسعة لم تقل. وهي قامت بجولة في الشرق الاوسط واجزاء من اوروبا، وتشعر ان بغداد هي موطنها، برغم انها عاشت لسنوات في اربيل في اقليم كوردستان الأكثر استقرارا والذي يتمتع بحكم ذاتي في شمال العراق، بعيدا عن فوضى حقبة ما بعد صدام في بقية البلاد.
وخلال مقابلة معها في اربيل قبل حفل غنائي لها، تقول ساجدة “اجد نفسي في بغداد. أكون انا”.
واضوح التقرير ان عبيد كانت في ال12 من عمرها عندما غنت للمرة الاولى. ويستعيد شقيقها، اياد عودة، وهو ايضا مدير اعمالها، تلك الفترة قائلا انه اضطر الى العثور على طاولة صغيرة لتقف عليها وهي تغني.
وعندما كان عمرها 14 سنة، كانت ساجدة عبيد المغنية المفضلة في دائرة الحفلات العسكرية التي كانت تنظمها وزارة الدفاع. واشار التقرير الى ان والداها لم يعارضا بتاتا عملها الغنائي، وكانت هي تجني المال من اجل اعالة اسرتها، المتحدرة من خلفيات اجتماعية متواضعة في مجتمع اقلية الغجر الصغيرة في بغداد.
وتابع التقرير ان الغجر خلال حقبة صدام حسين والذين يقدر عددهم ما بين 50 الف و200 ألف شخص، كانوا يعيشون مهمشين ويعانون من التمييز بحقهم في المجتمع، كما تعرض بعضهم الى الاضطهاد على أيدي أفراد الميليشيات الذين اتهمهم بانهم من الموالين لصدام.
وبرغم ذلك، يقول التقرير إن أساليب الغناء الغجري، لها تأثيرها على الموسيقى الشعبية العراقية، مشيرا الى انه من بين أشهر أغانيها “انكسرت الشيشة” التي غنيت باللهجة العراقية، والتي تشير كلماتها بشكل غير مباشر الى امرأة فقدت عذريتها وتردد فيها “ماذا سأقول لامي؟”.
وقالت طبيبة الاسنان نور الربيعي (27 عاما) التي حضرت حفل يوم الاثنين ان هذه الاغنية “تتناول مواضيع لا تزال من المحرمات بالنسبة للمرأة في المجتمع العراقي ولهذا السبب هي المفضل لدي”.
لكن ساجدة عبيد لا تفضل المديح لأن موسيقاها تتناول المحرمات وترفض انتقادها لان اغانيها مبتذلة، وتقول “انا اغني عن الحب. انا لا اعتبر ذلك من المحرمات”.
واشار التقرير الى ان الوضع المميز لساجدة عبيد خلال عهد صدام كان مصحوبا بمشكلات أيضا، ففي نهاية الأمر كان نظاما ديكتاتوريا، وهو ما كان يعني أنه يجب الانصياع لأهواء صدام وابنائه.
وذكر التقرير أنه “في احدى المناسبات، قال لها عدي، نجل صدام ، المعروف بمزاجه الحاد، انه استمتع بغنائها لكنه لم يستطع التعامل مع مغنية من الغجر تحمل نفس اسم والدته”. وتتذكر ساجدة عبيد أن الصمت خيم في الغرفة، لكنها قالت له “هذا ليس ذنبي، فأنا قد ولدت قبل والدتك”.
وختم التقرير بالاشارة الى ان علاقة ساجدة عبيد الوثيقة مع النظام جعل الناس يلتمسون مساعدتها في بعض الأحيان، وهي تقول ان الناس كانوا يطلبون منها خدمات مثل ان تساعدهم في الافراج عن ابنائهم المحتجزين في سجون صدام أو العثور على أقارب مفقودين لهم.
بعد سقوط صدام الذي اعدم لاحقا، باعت عائلتها منزلهم في بغداد وانتقلت الى مدينة اربيل الآمنة نسبيا، فيما قال افراد اسرتها ان الدائرة المقربة المحيطة بها، تلقت تهديدات. لكن عبيد ترفض الكلام عن انها تعرضت لتهديدات، لكن شقيقها اياد يسألها بشكل تحد “الا تتذكرين تلك المرة عندما اطلقوا الرصاص علينا ويصيب باب السيارة؟”.
ترد ساجدة عبيد قائلة إنها تتذكر ذلك، لكنها تضيف “كل مغنية في العراق لديها قصة من هذا القبيل”.