علي حسين
هناك أمور كثيرة تنغّص عليّ حياتي، بعضها يمكن احتماله، أملاً في أن يتكفل الزمن بحله، وبعضها أشبه بالقدر الذي لا فكاك منه، مثل عودة محمود المشهداني ليترأس الجلسة الأولى للبرلمان التي وصفها “فخامته” بالأخطر، وحكومة التوافق التي يُراد لها أن تضم الجميع،
وهذه أصول الديمقراطية الحديثة التي اكتشفتها بلاد الرافدين والتي يتحول فيها السياسي إلى خطيب “مفوه” عندما تسأله عن الخراب الذي يمر به العراق، فيصرخ بوجهك: لا حل إلا بأن يتولى الحزب الفلاني مسؤولية هذه الوزارة، فيما آخر يطالب بأن يتسلم الحزب العلاني مسؤولية هذه الوزارة، لأن هؤلاء وحدهم القادرون على السير بهذه البلاد إلى بر الأمان.. الساسة “المتحاصصون” يتصورون أن العيش في ظل حكاية “افتح ياسمسم” هي التي ستأخذ بأيدينا إلى المستقبل.. لكن من بين أكبر المنغّصات التي تواجهني هي حالة البعض ضد كل مظاهر الفرح، حيث يصرون أن يأخذوا البلاد إلى الظلام.
وأنت تقرأ مثلي أخبار البلاد والعباد ماذا تفعل تضحك أم تبكي؟، إنه ضحك كالبكاء، قالها عمنا المتنبي وهو يردّ على الخراب الذي كان يحاصره . وعلى ذكر المتنبي لا يزال هذا الشاعر العظيم يثير الجدل حول شعره وحياته، برغم مرور أكثر من ألف عام على رحيله، وأيضا يثير الأسى لأن العراق أدار ظهره لشاعره العظيم، حتى أن البعض قابل هذا الشاعر الكبيربالجحود ووجد أن بيت الشعر الذي يتفاخر به أبو الطيب “أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم”، لا يليق ببلاد فيها آلاف الخطباء الذين يتوهمون أن الشعب لا ينام قبل أن يسمع أصواتهم.. في واحد من أجمل الكتب “في صحبة المتنبي” يأخذ الروائي السوداني الطيب صالح عهداً على نفسه أن يرفع لواء الدفاع عن كبير شعراء العرب، فنجده يتتبع حياة الشاعر، ويناقش بهدوء ما كتب ضد المتنبي، والطيب صالح كاتب لا تستطيع أن تفارق كتبه، فالحمد لله ورغم ما يجري حولنا من مهازل فأنا بين الحين والآخر أعيد قراءة أحد كتبه الممتعة، مثلما أعيد قراءة بيانات الكتل السياسية، ستسألني: لماذا؟ لأعرف كيف دب الخراب في مفاصل الدولة وكيف انتعشت الانتهازية، وماذا حققنا في حقل الخدع والأكاذيب السياسية.
إذا لم تشاهد معارك السياسيين على المناصب ، وحكومات الاغلبية وحكومات التوافقية وما بينهما ، فلا تلم إلا نفسك، لن تعرف لماذا لا نزال نتربّص على سلّم البؤس العالمي، وكان أشهر هذه التصريحات ما قاله “عظيم البلاد” همام حمودي ذات يوم للعراقيين: “عليكم أن تشكروا النعمة التي أنتم فيها”.
عذراً أبا الطيّب ايها المواطن العراقي ، لن يسمعك من بهم صمم ، فشعارنا : لا اسمع ..لا ارى.. لا اتكلم .