مؤشرات من بوصلة الشعب.
الباحث/عبد الحميد برتو.
إنعقدت الجلسة الأولى للبرلمان العراقي، في دورته الخامسة، بعد ثلاثة أشهر من الجر والعر، بين القوى المتنفذة بعد الإحتلال عام 2003. السؤال الأوسع المطروع الآن في الشارع، هو: لماذا هذا القلق عند أو من قبل جماعات الإطار التنسيقي؟ بصراحة تامة أقول: إنهم يخشون من فقدان إمتيازاتهم اللصوصية والقهرية ضد كل الشعب العراقي. هم يعرفون جيداً أنهم لا يملكون شعبية حقيقية، وإن أنصارهم سوف ينصرفون عنهم بعد ضياع الإمتيازات، ولن يكونوا قوة قتالية، لأن قادتهم يسعون للتمتع، بما سرقوه من هذا الشعب المسكين، عبر العديد من اللفتات الزائفة. كما إن الغالبية العظمى من الأتباع سيسعون الى أرزاقهم وعيش عوائلهم، في ظل إنحدار أكثر من ثلث المجتمع العراقي تحت خط الفقر. هم يتذكرون اليوم تجربة إياد علاوي رئيس الوزراء الأسبق، في إنتخابات 20 مارس/ آذار 2010 التي حصد فيها أعلى الأصوات. ولكن فُرِضَ عليه “سلب أغلبيته”. فوصل اليوم في الإنتخابات الحالية الى درجة عجزت فيه حتى إبنته من نيل مقعد في البرلمان.
يسخر الشعب من حججهم الكاذبة، خاصة إدعاء المقاومة، وفي مقدمها إدعاء مقاومة الإحتلال الأمريكي. يسأل الشعب عامة: مَنً هو ولي نعمتهم؟ ويجيب أليس المحتل الأمريكي نفسه هو الذي نصبهم ومنحهم القوة والغطاء. حتى في هذا الموقف أو الإدعاء هم مضطربون. فإيران تستخدمهم كعضلة تلوح بها للأمريكيين. إيران أدرى من غيرها بأنهم عضلة جوفاء. كما إن الموقف الإيراني في حالة ترقب، عما ستسفر عنه مفاوضات الملف النووي الإيراني وملحقاته، وهذا بدوره يربك حسابات الميليشيات.
إتصفت الإنتخابات البرلمانية الخمس في العراق المحتل، أمريكياً ومن ثمة إيرانياً، وكذلك إنتخابات الجمعية العامة، إتصفت جميعها، بضعف المشاركة الشعبية، إستخدام إمكانيات الدولة لصالح ذوي النفوذ، إستخدام التهديد والإرشاء والمال السياسي، التزوير واسع النطاق وغيرها من الأساليب الفجة، التي لا تمت في صلة بالقيم البرلمانية المتعارف عليها عالمياً.
بات التنافس في تمظهره العام، وكأنه تنافس بين شخصين، هما الأكثر أهمية من غيرهما. في الواقع التنافس ليس بين أبناء الشعب العراقي، إنما بين أطراف العملية السياسية الرعناء والفاسدة. وعلى نطاق أكثر ملموسية بات بين التيار الصدري والإطار التنسيقي.
توجد فوارق جوهرية بين التياريين، منها: أن التيار الصدري ومقتدى الصدر شخصياً وقف نظرياً ولحد ما عملياً ضد الإحتلال. ولكنه شارك في العملية السياسية الفاسدة والفاشلة. أما الآخرون فإنهم بفضل الإحتلال أمسكوا بعصب الحكومة والأجهزة الحكومية المختلفة، سعياً وراء الإستحواذ والإنتفاع بأبشع صوره. إن أبرز شخصيات الإطار التنسيقي هو كامل المالكي، وهو شخص فاسد ويعتبر من أكبر اللصوص في تاريخ العالم، وليس العراق وحدة. تولى رئاسة الحكومة العراقية لدورتين. تصادف خلالها إرتفاع كبير في أسعار النفط. وهو مسؤول أول عن تبديد ترليون دولار من أموال الشعب العراقي. قدرت الأموال التي تدخلت الى العراق من عوائد النفط في تلك الفترة، ما يعادل كل ما دخل العراق من أموال منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في بدايات القرن العشرين. لا يثق أي عراق بمحاسبة السراق، إن لم يحاسب المالكي علناً أمام الشعب العراقي بإعتباره من أكبر الفاسدين.
يتذكر العراقيون بمرارة، كيف هَرَّبَ المالكي، أو أقلة في فترة سلطته، هَرَبَ من سجن أبو غريب 400 شخص من قادة “داعش” لإعداد المسرح أمام أكبر جريمة بحق كل العراقيين. تمثلت بفسح المجال للقوى الإرهابية بإحتلال أكثر من ثلث مساحة البلاد. حصل من خلالها الإرهابيون المتطرفون على أحدث الأسلحة والمعدات، التي تقدر بمليارات الدولارات بإعتراف الأمريكيين والأيرانيين وكبار ضباط الدمج. لقد مر الأمر البشع برداً وسلاماً على المالكي وأتباعه.
توجد فوارق جوهرية على الصعيدين الفكري والإجتماعي والشخصي بين الصدر والمالكي. الأول يمثل السلوك الحوزي (المدرسي) عند الشيعة العراقيين، والثاني يمثل نمط تفكير حزب الدعوة، الذي يسترشد عملياً في وسائله وأساليبه بالأخواني حسن البنا وسيد قطب والخميني بعد الثورة الإيرانية. نشأ الجسم الأساسي لحزب الدعوة في إيران، بينما التيار الصدري منبت عراقي بما له وما عليه. يعتمد التيار الصدري على الكادحين والفقراء بصورة عامة، بينما حزب الدعوة يحاول إستقطاب أصحاب النفوذ بكل تنوعات النفوذ. يعتمد التيار الصدري القوة والمواجهة والكصكوصة والبطة في خلافاته، بينما يعتمد حزب الدعوة المناورة، الخداع، القتل، الإرشاء والكذب.
مازال الإنحدار العائلي، كما العشائري، يلعب دوراً كبيراً داخل مجتمعنا العراقي، عند تقويم أوساط واسعة من العراقيين للشخصيات السياسية وحتى الدينية. وهنا يتفوق الصدر على المالكي بما لا يقارن.
يلعب البرنامج السياسي دوراً حاسماً في الترجيح. إعتمد المالكي وحلفاؤه المراوغة والتهديد وإثارة العواصف. بينما إلتقط الصدر أهم هموم الشعب العراقي التي تتمثل بما يلي: إعتماد الوطنية العراقية منهجاً في التعامل مع جميع المواطنين، نزع سلاح االمليشيات المنفلت، محاسبة الفاسدين والسراق، حرمة الإستقلال الوطني وعدم التدخل في شؤون الآخرين ويجب على الآخرين، كل الآخرين، إحترام سيادة وكرامة وأرض وماء الشعب العراقي وإطلاق عمليات البناء في الصناعة والزراعة وغيرهما. يعكس إلتقاط الهموم الأساسية للشعب العراقي نضجاً في قراءة الأحداث، خاصة بعد الإصرار على تأكيدها لحد اللحظة القائمة. لكن تبقة التجربة اللاحقة هي الإختبار الحقيقي. دون أن يجرى تجاهل كل ما يتعلق بالفترات الماضية سلباً أو إيجاباً.
إن هموم الشعب العراقي واضحة وضوح الشمس. كما إن الشعب قد شبع من الكلام المعسول. يريد العراقيون حياة آمنة توفر العيش الكريم والخدمات الضرورية، بما تكفله وتوفره إمكانات البلاد قبل فوات الأوان. إن الجوع والإرهاب والسلاح المنفلت يرفع يقظة العراقيين يوماً بعد آخر. وإن تجربة إنتفاضة تشرين المجيدة، كانت أعظم رياضة مادية وروحية، وهي درس ثمين للشعب وأعدائه أيضاً.