صفحات في كتاب…
الروائي/عبد الجبار الحمدي .
لم أتخيل أني سأغوص في عمق ايام بحرِ المتلاطم، ولم أتصور نفسي ممسكا بطود نجاة مثقوب، ليس لأني لا أجيد التلاعب فيما بين يدي من حيل لكن لأني ومنذ الصغر كنت أعيش التسكع والطرقات الموحشة أبواب رزق، لم أستند يوما الى جدار لأشكو وحدتي وخوفي او اكتب عليه مفردات لعن او شتيمة، لكني بالتأكيد خربشت عليه بقسوة بالدم الذي كان يخرج من تحت أظافري وأنا أنعته اي قدري بالئيم… فاللؤم لا يعتبر شتيمة بل صفة وأراني حين حفرتها بالدم تلبستني صارت من اجمل الصفات التي تحليت بها… أظنني في ذلك اليوم رأيت القدر يتبول بجانبي على نفس الجدار فلاحت لي فكرة لِمَ لا أتبارك ببوله وهذه فرصة وقد فعلت والاكثر أني مددت يدي حتى أمسكت بخصيتيه زيادة في البركة… لا اخفيكم بعدها رأيته يولي هاربا ما أن أمسكت بهما فزعا من جرأتي حتى أني وقعت على قفاي مقهقها بأعلى صوتي وأنا أراه يبتعد وبوله يتناثر هنا وهناك، كانت لحظة أعتقدت فيها أني قد أمسك الذئب من ذيله فتعاملت معها بكل سخط وتركت ذلك السخط يتسول بعضوه الذكري على قارعة الطريق بين مخانيث صاروا من أصحاب الملذات، أما أنا فأراني صرت مولعا بنفسي لأصبح ألئم من القدر… شرعت أتصارع مع كل من يريد أن يقف في وجهي ممسكا بأطراف عصا إتخذتها وسيلة لتبيان كِبر بعد أن تركها القدر و ولى فارا كي لا أتيح الفرصة لأي شخص الإقتراب… فعالمنا ومن يعيشون فيه أغلبهم سذج والكثير منهم مغفلين… والنخبة دجالون وقتلة ومرابين، أتقنت الدور الذي لعبت، بت صاحب طيلسان وحاشية، إنضم لي عدد من الذين سارعت بغسل عقولهم بعبارات التدين، شرعنت لهم سلوكيات الطريق الى الجنة الدنيوية بحبوحة العيش… بأن يتبركوا بالعصا واليد التي امسكت بخصيتي القدر، عادة ما كنت أوزع لهم الحلوى تبركات من لفظوا التدين عبارات وَهم، لبسوا ثياب الزهد القصيرة، أطالوا اللحى دون شارب ففسقوا بكل الديانات الأخرى، ماجوا في حيض النساء، شَرعنوا الفتاوى التي تبيح كل الموبقات ثم ألغوا الحلال وأباحوا للحرام ان يطوف حول جدار كعبتهم التي صنعوها قصر ملوك وسلاطين ودعاة بتابع او رب دنيوي… أستطعت في تلك اللحظة أن آتي بمن هو على شاكلتهم كي يكون صنوا لهم، أما قريني فبات يُدَون كل تفاصيل وطرق الفساد التي يمكنها أن تجلب لهم الحظ، أما أنا فقد بينت لهم ماذا يعني اللؤم كصفة؟ جردتهم حتى من ثيابهم الداخلية… عَريتهم تباعا بحفل ماجن أطاح برجولتهم بعد أن لاطوا ببعضهم البعض، تَمَكَنت منهم الرذيلة نهجا عمموه بين طوائفهم من خلال صدور فتوى جهادية ألزمت من يلوطون به أن يكون قربانا..
في ذلك اليوم ولا أدري لماذا!؟ كنت ممسكا بكتاب أعرته لنفسي داعيا قريني أن يدون حروف وجمل سيرة ذاتية فوجدته وبعد أيام من طلبي له بذلك لم يكتب سوى سطرين… اما الباقي فكان مخطوطا بحروف متعرجة ملتوية دلالة على أني اتخذت حياتي مثلها، تبسمت وأنا أتطلع إليه شاكرا له صنيعه ثم سألته أين بقية السطور؟
فقال لي: هي أمامك
فقلت: لكني لم أرى ايا مما تقول؟!!
فقال: هي أمامك تحسسها فقط،، سرعان ما ممدت يدي وإذا بجميع الصفحات قد ثقبت، أعدت السؤال وانا مستغرب!! إن صفحات الكتاب مثقوبة؟
فقال: نعم هي كذلك، لقد كتبتها بطريقة بريل لأني أخجل أن اكتب سيرتك الذاتية، لا خوفا عليك لكنها تكشف لمن يتربص بنا أي عار نعيش، إننا منافقين من الدرجة الأولى، ألبستم أنفسكم وجوها مستعارة، بعدها صرتم قوادين لمن يدفع أكثر ومن ثم فتحتم سوق النخاسة لنساءكم ولأشباه الرجال، تديثتم بعناوين ومسميات ريادية… تطورتم بسرعة وغيرتم جلودكم كالثعابين… صنعتم لأنفسكم أرباب وما أكثرهم!!!! كيف أصيغ لك ما كتبت عنك وعمن شاركك السيرة… فمنابركم التي تصدح ليل نهار ببهتان الدين لا التدين ولا الذين أقاموا اللاحدود في عناوينهم، جمعوا كل مخلفات الجاهلية ثم صاغوها مواثيق، قاموا بصناعة ساعة ببندول لا يقرع إلا حين يشاؤون أسوة بساعة بج بن التي اتخذها الصليبين ميقات دنيوي يقرع مع أجراس الكنائس التي تبث أن الله قد صلب… قتل مصلوبا وقبلها ضربوه بالمقارع، تكفيرا عن ذنوب من آمنوا بقدسيته وهم يعلمون أن الله حي لا يموت… أما بقيتكم فيؤمنون بالله لكنهم يبيحون أن يكون له خليفة يزني يبيع ويشتري يتحكم برقاب العباد… يرسلون لمن لا يوافقهم جنودا يرونها او في ختلة ليل لم يرونها… يتشبهون بالخالق.. لعلك حين تقرأ ما كتبته بطريقة بريل تفسقني او تقول أنه كلام زنادقة وتنسى أن الزنديق والفاسق هم أولي الأمر منكم اصحاب الحداثة… إنكم لا تشبهون الأولين بأي شيء، بل تفوقتم عليهم، إنما انتم دعاة فجور ومجنون وتكفير… تبيحون كل شيء إلا الحق، أي عدالة أتخذتموها لتكونوا أرباب وقوانينكم كالطارق بأيدي زبانيتكم أو مقاصل على رقاب العباد؟ أي قوانين دسترتموها حتى تصبح مواثيق تسري على الفقير ولا تسري على الغني منكم أو ابن الزنديق والفاجر أو إبن الحاكم؟ إنك طلبت مني ان اكتب بعدالة وهذا ليس من شيم اللئيم لكني أعلم جيدا أنك تريد فضح ما دعاك لأن تكون مشردا جائعا أمسكت بتلابيب رداء عابر متدين فدفع بك قائلا: اللعنة عليك يا نجس… جعلك نجسا وأنت مخلوق من نفس طينته… تلك هي العبارة التي غيرت مسيرة حياتك فشطبت أن تكون ممن يسمع وينسى، غير أن تلك العبارة حفرتها بجدار عقلك وهي من جعلتك تمسك بخصيتي القدر لتثبت له أن الأيام سوداء كانت أم بيضاء هي ملونة بمن يُعَبِد طُرقها بألوان الدم او الخرافة… أما النهاية فلا أعلم ما هي؟؟ كونها لم تتمها بعد، سأترك لك جوانب الصفحات لتهمش عليها كما تحب فهي أولا وأخيرا صفحات في كتاب.
القاص والكاتب
عبد الجبار الحمدي