علي حسين
نراهم في كل مكان يدافعون عن عدم الكفاءة، ونسمعهم يصرخون أنهم ليسوا مسؤولين عما يجري وعما جرى، وأنهم ورثوا دولة مثقلة بالفساد والخراب، ويقولون أيضا إن نقد المسؤولين والسياسيين، هو نوع من الحقد والحسد، إن لم يكن تنفيذاً لأجندات أجنبية.. لا يريدون أن يعرفوا أن الكفاءة تعنى النجاح في إدارة الأزمات والقدرة على تقديم مبادرات، وهذا مثلاً ما جعل مانديلا يرفض أن يبدأ حرب الانتقام ضد البيض الذين عذبوه، ليفاجئ العالم بسياسة اليد الممدودة.
ماذا فعل السادة الذين حكموا أكثر من 18 عاماً؟ ما المبادرات التي قدموها غير نهب المال العام، ومحاولة إصدار قوانين تعيدنا إلى عصور مضت، وتشجيع الانتهازية والرشوة والتزوير، بالإضافة طبعا إلى الشهوة التي لا تفارقهم في إعلان دولة “تقاسم الكعكة”؟
نقلب في الأخبار ذات اليمين وذات الشمال عسى ان نجد أحد مسؤولينا، أو سياسيينا، يمارس فضيلة مراجعة النفس والاعتراف بالخطأ، والتي تشكل اليوم جزءاً من نسيج الحكومات المتحضرة، وتاريخ الاعتذارات مليء بالمواقف الصعبة لعدد كبير من المسؤولين في الغرب وهم يخرجون للناس يقدمون اعتذاراتهم، ومعها خطاب الاستقالة بسبب أفعال أضرت بالمصلحة العامة.. عام 1969، اقترع الفرنسيون على الدستور الذي اقترحه ديغول. وحين أعلنت النتائج التي تظهر أن 52% من المواطنين صوتوا ضده.. نجد صباح اليوم التالي صحف فرنسا تنشر على صفحاتها الأولى الخبر التالي: ديغول يقدم استقالته وبيان من سطر واحد “اعتبارا من اليوم سأتوقف عن ممارسة مهامي كرئيس للدولة”، كان ديغول، الذي شعر بالأسى، قد أنقذ فرنسا في حربين عالميتين.. وجعل منها خلال فترة حكمه واحدة من الدول الاقتصادية الكبرى.. ومع ذلك استجاب لنسبة الـ2% ومضى إلى منزله الريفي وظل هناك حتى توفي.
زعامات ساطعة في التاريخ استطاعت بفضل نزاهتها وحكمتها وإصرارها على إشاعة روح العدالة الاجتماعية أن تحدث أكبر التحولات السياسية والاقتصادية في العالم، وحين يطمئن مسؤول منهم إلى أن كل شيء يسير في الطريق الصحيح، ينفض يديه من السلطة ويقرر أن يحتكم لصوت الضمير والناس .
دروس من التاريخ مهينة لديمقراطيتنا العشوائية ، ونحن نرى ساستنا يتعاطون شؤون الحكم بالتقاتل والكره والتخوين. في هذا البلد، بلد الأربعين عجيبة وعجيبة.. هناك أكثر من وجه قبيح في ديمقراطية المحاصصة الطائفية. أن تصبح أبواب المناصب والمنافع مفتوحة للتهافت والتكالب والسعي لإلغاء الآخر، وجعل السياسة سوقاً للشعارات التي تجعل من المسؤول مبعوث العناية الإلهية لهذا الشعب لكي يسير به إلى طريق الهداية والإيمان.. لم تعد السياسة في الأمم المتحضرة مباراة للبطولة وحشد الطوائف.
ولأصحاب هذا المسلسل الديمقراطي المثير لا أملك إلا أن أعيد على أسماعهم ما قاله يوماً الراحل محمود درويش: خذوا حصتكم من دمنا.. وانصرفوا.