هولوكوست …. نعم كارثة إنسانية، ولنا ملاحظاتنا …!
ضرغام الدباغ
في السابع والعشرين من كانون الثاني / 1945، قام الجيش السوفيتي بتحرير معسكر اعتقال آوشفيتس من قبضة القمع النازي، وبقايا ماكنة الموت، في معتقل إبادة للبشر أستخدم فيها الإنسان معطيات ومنجزات العلم والتكولوجيا لإبادة أخيه الإنسان. واليوم يتسابق الجميع لإدانة ماكنة الموت، بل ويشرعون القوانين ضد من ينكر المجزرة، ولكن هل توقفت المجزرة فعلاً، أم أنها مجرد استبدلت ثيابها بأخرى وتدور بموافقة أطراف لها مصلحة في أن يتواصل الهلوكوست بأسماء أخرى وضحايا آخرين، بأدوات أكثر رقيا من تلك التي استخدمت في الثلاثينات، ولكن بمقدمات وفحوى ونتائج متشابهة.
بداية التحضير للهولوكوست، كانت برياضة ثقافية، تهدف لمنح درجة من المعقولية لحملة الإبادة المقبلة، فأتهموا اليهود بما هو حقيقي أو مختلق. فالأنف المعقوف وشكل الجمجمة ولون شعر الرأس، والدين والطائفة وصفات أخرى خلق عليها الإنسان وورثه دون إرادته، اعتبرت سبباً أن يدخل الإنسان إلى معتقلات الإبادة، ويحال فيها إلى رماد …!
ولكن الهولوكوست وتعني حرفيا ” المحرقة ” وربما سميت كذلك لأن النازيون كانوا يقذفون بجثث ضحاياهم للمحرقة، وهذا ما يفعله الأوربيون ليومنا هذا مع موتاهم، فتوجد في المدن عدة محارق (Krematorium) في برلين عدد 6، وباريس 3، وفي لندن 5، واليمين الأوربي الذي مارس الهولوكوست ما يزال موجوداً، بل ويزاد انتشاراً في أوربا، وأنتقل عبر الأطلسي إلى الولايات المتحدة، والغرب ما يزال يتصدى لمن لا يروق له وابتكار الذرائع، بالقتل والتدمير، ولكن بأساليب حديثة، وقد تكون أكثر مدمرة.
النازية والفاشية لم تكن ذات قدرات نظرية / سياسية، ولسوء الإدارة، وبسبب ظروف الحرب العالمية الثانية، مورست الهولوكوست غالبا بعشوائية، بل وكان بإمكان الكثير من المستهدفين الإفلات من التصفية. والهولوكوست كانت تهدف إلى تنقية أوربا من اليهود وقد أعتبر الأوربيون(وليس الألمان لوحدهم) أن اليهود مشكلة تنخر في بدن مجتمعاتهم بسبب طبائع اليهود واعتبروهم جذر كل المشكلات الاجتماعية، وهو هوس هستيري انتاب الشبان، والمتطرفين، وقوى اليمين. وهناك ما يعتبر مشكلة يهود حاضرة في روسيا وألمانيا، وأسبانيا، وفرنسا، وكان البحث جار حتى قبل الحرب العالمية الثانية بالبحث عن وطن يجمعون فيه اليهود، وكانت هناك عدة خيارات: مدغشقر، أوغندا، الأرجنتين، وفلسطين كانت آخر الخيارات، وأكثرها غباء، إذ اعتبرت (فلسطين)، أرضا بلا شعب تنمح لشعب بلا أرض، وهي نظرية خاطئة تماماً، اليوم يعترفون بها همساً.
هولوكوست الثلاثينات في أوربا، هي جرائم ضد الإنسانية دون ريب، ولكنها تستخدم اليوم بقوة لإغراض سياسية، الحقيقة كلها ممنوع التحدث عنها بأسم القانون … يمكن الحديث جزئياً، ولكن كل الحقيقة غير مقبولة لأنها تعرض جوانب أخرى من غير المستحب أو المستحسن عرضها …
- العسكريون السوفيت الأسرى تعرضت نسبة كبيرة منهم للتصفية، وفي مقدمتهم أبن ستالين شخصياً (الملازم الأول ياكوف تشوغاسفيلي).
- إن الشيوعيين والاشتراكيين كانوا في مقدمة القوى التي تعرضت للتصفية، ومنهم سكرتير عام الحزب الشيوعي الألماني والنائب المنتخب في البرلمان أرنست تيلمان.
- قادة اشتراكيون ووطنيون من بلدان أخرى منهم كاباليرو الأسباني، وديلاديه الفرنسي..
- الغجر على أصنافهم.
- بعض التيارات المسيحية المناهضة للنازية.
ليس من المستحب ذكر تضحيات الشيوعيين والاشتراكيين والقوى الوطنية وهي كبيرة، والأسرى السوفيت، ففي ذلك إضعاف للمأساة اليهودية التي يجب أن تتبوأ المركز الأول لأهداف سياسية. فهي مسألة خاضعة للتوظيف السياسي.
وحين يجري التعرض للهولوكوست اليوم، يدور ذلك بطريقة تقود إلى نتيجة واحدة: أن اليهود مضطهدون، ولذلك يجب دعم دولتهم في إسرائيل … ولا ينفع أن تذكرهم أن الفلسطينيون والعرب لم يكونوا مشاركون في الهولوكوست، بل أن اليهود لم يكونوا في بحبوحة عيش سوى في بلاد العرب والإسلام. ولكن بالطبع هذه الحقيقة لا يمكن طرحها، لأنها غير مفيدة. ومن جهة أخرى من غير المفيد طرح أن دولة إسرائيل تمارس هولوكوست عنصري(هناك 159 قانون عنصري ساري المفعول) في إسرائيل)، لأن هذا لن يصب في مصالح بربوغاندا الآلة الإعلامية الغربية.
واليوم تدور رحى هولوكوست سرية، إذ لا داعي لإعلانها، طالما تسير قدماً، فلا أحد يرغب بإثارة دعايات دينية، ولكن ما يحدث هو حقيقة والأرقام والأحداث تضعها في مرتبتها كواقع موضوعي. وقد يفلت لسان البعض، فيذكر عفوا ” الحرب ضد الإسلام ” ويتراجع عن الخطأ، ولأكثر من طرف له مصلحة بإذكاء هذه الحرب، ولكن بدرجات متفاوتة من الحماس. فالدول كالأشخاص، بعضها من هو بعيد نظر تغلب حكمته عواطفه، والبعض متهور، وهناك دائما حمقى، وهناك من هو ماض في الحملة مسايرة لكي لا يثير الغضب …! ودرجة مساهمته جزئية، ولكن بصفة عامة لا يريد أحد رؤية قوة عالمية تتألف من مليار ونصف نسمة، لهم أفكارهم وأساليب حياتهم .
والفرق بين الحرب على المسلمين والهولوكوست، هو أن المسلمين ليسوا سبب أي مشكلة في العالم، ولا يلحقون الأذى بأي شخص، والمتواجدين منهم في بلاد الغربة عاملون بنشاط وجد في تلك البلدان، لكن الفوبيا تقود إلى هستريا، ثم إلى الحرب وما أن تنزلق بها دول تتورط … حتى تتشكل شبكة من المصالح التي لا تخلو من التناقض أحياناً … ولهم فيها مآرب شتى … ولكن الغرب يمتلك جهابذة في تزوير الإعلام والأنباء والتحليلات … فحين حبس ميلوزوفيتش وقدم للمحاكمة ومعه قادة صربيون لم يكن دفاعاً عن مسلمي البوسنة وكوزوفو، بل جرت مجزرة سربنيتشا أمام أنظار القوات الدولية (الهولندية) وربما بدعم منها، ولكن الصربيون ينسجون على الطريقة الروسية، ومتهمون بالشيوعية، لذلك فلتقلم أظافرهم أو أكثر قليلاً. وكذلك نال جزاروا بورما دعماً خفياً حين قاموا بالمجازر ضد المسلمين في بورما. وحين تطبل أميركا وتزمر ضد الصين لاضطهادها مسلمي تركستان الشرقية (الإيغور) ليس محبة بالمسلمين، بل كرها بالصين فقط. كما لا أحد يتحدث عن الجرائم ضد مسلمي الهند.
فالهولوكوست كما نشاهد يجري وبإيقاع متلاحق، ولكنه هولوكوست مبارك إذا كان ضد المسلمين، ولكي تبرر القوى العدوانية حربها الظالمة الفاجرة، ماذا تملك غير الافتراء، وخياطة قبب من الأكاذيب والأوهام ولا يسبقهم أحد في هذا المضمار …فيصنعون منك إرهابيا بطريقة ملونة وجميلة، ولا يفوقهم أحد في هذا الفن، ولا يذكر أحدا كلمة واحدة عن جيوشهم تنتشر في دول عديدة عبر الكرة الأرضية، يعتدون ويشعلون الحروب ويثيرون الفتن، لا يخلو يوم واحد من جريمة ضد مسلمين في بلدانهم أو دور عبادة، ثم يفترون عليك أنك تهين المرأة ولا أحد يمتهن المرأة كما يفعلون فهي عندهم آلة للمتعة .. ثم يناقضون أنفسهم، إذ يعلمون أن مجتمعاتهم ساقطة في فخ المخدرات والمهلوسات والمسكرات والانجراف بشكل جنوني نحو الجنسية المثلية والإباحية المطلقة بما في ذلك الونا بالمحارم، فيحاولون بشتى الأساليب فرضها عليك، واعتبارها ممارسات راقية …!
الهولوكوست ليست مرضاً وبائيا معدياً، بل هو قبل كل شيئ يمثل صعيداً ثقافياً، والسؤال هو أين درس، وأين يدرس مجرموا التميز العنصري والديني … إليس في ذات المدارس التي تدرس أصول الانحراف الإنساني وتعلم الشبيبة أن متعته والمصلحة الشخصية للإنسان هي جذر السلوك الإنساني، ويدرس في علم النفس على أنه السبيل لخلق الإنسان المتفوق، ولا تدرس القيم الجمعية، ولا المصالح المشتركة للناس، والأنحرافات الخلقية غير مهمة وتشخص على أنها حالة فردية.
ثم أنهم بلغوا شأوا كبيرا في الافتراء، فقاموا بتشكيل منظمات تحمل أسم الدين، تعمل بقيادة ضباط مخابراتهم، ومنحوهم السلاح ووسائل الحركة، وصنعوا لهم الشعارات، ثم دفعوهم كالأنعام تقتل بعضها بعضاً مقابل المال .. هل بيننا هذا الحجم من الخونة …؟ للأسف نعم، البعض باع نفسه وأنتهي، وآخرون يعتقدون أنهم خيرا يفعلون، والبعض منهم خدعوا .. والخراف على أشكالها تقع …فالمتطرف دينياً، والفرنكفوني، والصحفي الذي يقبض، والجاسوس يشغلهم ضابط مخابرات واحد، ولكل تخصصه .. وعند البعض العار ليس دخاناً يؤذي العيون …! وفي النهاية الجميع أعضاء قي فرقة سمفونية واحدة.
يبحثون عن الذرائع ليوجهوا آلتهم الحربية ضدك وفق القانون، ولكنهم حين يضطرون يعملون ويفعلون ذلك حتى بدون ذرائع، حتى لو ظهر الأمر على أنه محض عدوان، فقد يوجهون لاحقاً النقد لبعضهم، وكفى … وقد يبالغون بقلة الحياء، يمنحون من غشهم وزجهم في حروب أوسمة. وبأساليب شتى يحاولون من جهة أخرى منعك من التقدم، أو امتلاك الفقرات المهمة في عملية التقدم، أو يخترعون الأساليب ليحرقوا أموالك … ويبددون ثرواتك … وبين فترة وأخرى يطلق حكماءهم وأشرارهم الصيحات هيا لنسلب ثروة العرب … فمجتمعاتهم تربيهم منذ الطفولة على الاستيلاء على أموال الغير وتصفها بالشجاعة ..
في كل هذه المعمعة لا يؤسفني سوى شيئ واحد … كتبته في صدر مقال لي وأود أن أكررها هنا أيضاً .. ” والله ما همني زيد، ولكن من خانني من أهلي لصالح زيد “.
وكل هولوكوست وأنتم بخير
28 / كانون الثاني / 2022