علي حسين
منذ أيام والعالم مشغول بأخبار باني ماليزيا مهاتير محمد، بعد أن أعلنت الكثير من المواقع تدهور حالته الصحية. الزعيم الذي أقدم عام 2003 على عمل قد يوصف في بلاد الرافدين بنوع من انواع الجنون، عندما قرر اعتزال السلطة والانسحاب من الحياة السياسية تماماً ، وقد تحول صاحب الابتسامة الهادئة في سنواته الاخيرة إلى مرايا تعكس لنا صورة عفوية للتحولات الكبرى التي تحدث من حولنا.
لا تزال صورته وهو يبتسم تسرق الأضواء من صور معظم زعماء العالم، ولا تزال ماليزيا تتمنى الشفاء لزعيمها الذي أصبح، في لحظة مهمة من تاريخها، اسما يكفي ان تقوله الناس يشعر كل الماليزيين بكل ألوانهم وأطيافهم وقومياتهم بالاطمئنان للمستقبل .
سحر مهاتير محمد العالم بتواضعه، وبصلابته وبابتسامته السمحة، عندما قرر ذات يوم، أن ينهي التخلف في بلاده، ويصر على ان يضع بلادهفي ركب البلدان الصناعية، بعد ان كانت تستورد كل شيء تقريباً، وقبل أن يرحل عن كرسي السلطة كان قد وضع خططاً تنموية لماليزيا تستمر حتى عام 2020، وتاركاً وراءه إرثا اقتصادياً مسياسيا .
المتمرد الذي أصدر عام 1970 كتاباً بعنوان “معضلة المالايو” انتقد خلاله شعب المالايو واتهمهم بالكسل، فوصفته احكومة آنذاك بالرجل الساذج ، لم يتوقف عن الحلم ، بائع الموز الذي استطاع دراسة الطب في سنغافورة، والشؤون الدولية بجامعة هارفارد ، عشق السياسية، وأتقن أصولها، وقرر أن يبدأ رحلتها معه عام 1964، وليصبح عام 1981 رئيساً للوزراء في بلد كان يبلغ سكانه ثلاثين مليوناً، 70 بالمئة منهم يعيشون في فقر دائم، هل ما فعله مهاتير محمد وهو ينقل شعبه من الفقر إلى الرفاهية؟، يسخر من المعجزات فيكتب: “ما حدث أبعد ما يكون عن المعجزة لقد حدث النهوض نتيجة للعمل الشاق والإيمان بالحلول العملية والواقعية والاعتراف بالسوق كقوة من قوى النمو والتعليم والانفتاح مع الأفكار، كانت تلك بعض من مفاتيح التحول الاقتصادي” .
كانت البطالة المشكلة الأكبر التي واجهت مهاتير محمد، فكان الحل بإقامة المشروعات الكبرى، وجلب الاستثمارات الأجنبية، ولم يفكر أحد بأن يرمي الصواريخ باتجاه مطار “كوالالمبور”. ولم يخرج على الناس بخطابات وشعارات ثورية ، لم ينافق ولم يستخدم الدين لاغراض سياسية فقط قال لمن يحدثه عن الدين : “إذا أردت أن أصلي فسأذهب إلى مكة وإذا أردت المعرفة فسأذهب إلى اليابان”..وعندما وجد من يريد ان يزايد عليه في مجال تطبيق الشريعة الاسلامية قال بمنتهى الصراحة :” يريد البعض لأسباب سياسية أن يفرضوا نسختهم من قوانين الإسلام، إن ما يسمى بحزب ماليزيا الإسلامي لا يتمنى سوى تكوين الحكومة والفوز بأصوات بإدعائهم أنهم أكثر إسلاما من المسلمين ” .