ذكرى سليماني وتشكيل الحكومة العراقية
ابتدأ العام الجديد 2022 على وقع التصعيد العسكري للميليشيات الولائية، وكان هنالك تخطيط لاستذكار اغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق أبو مهدي المهندس، بطريقة تلفت أنظار المراقبين، إذ تبنت جهات عراقية تصعيد الهجمات ضد أهداف أمريكية.
وحسب وكالة «فرانس برس» التي أوردت الخبر: «في الثالث من كانون الثاني/يناير، أسقطت القوات الأمريكية طائرتين مسيرتين استهدفتا قوات التحالف الموجودة في مطار بغداد، وفقا لمصادر في التحالف الدولي. وكانت الطائرات المسيرة تستهدف (مركز الدعم الدبلوماسي) التابع للسفارة الأمريكية، وهو مجمّع يضمّ عدداً قليلاً من القوات اللوجستية، وطاقماً من المتعاقدين والمدنيين».
وأكد مسؤول في التحالف الدولي لوكالة «فرانس برس»، تعرض مطار بغداد، حيث توجد قاعدة عسكرية عراقية، تضم عددا من القوات الاستشارية التابعة للتحالف، إلى هجوم»بطائرتين مسيرتين مفخختين نحو الساعة الرابعة والنصف فجر يوم 3 يناير». ويبدو أن محاولة الضرب بطائرات درون كانت للتذكير بالحدث الاصلي، إذ أظهرت صور نشرها مصدر إعلامي تابع للتحالف بقايا الطائرتين وقد كتب عليها «عمليات ثأر القادة». وعلى الرغم من عدم تبني أي جهة تنفيذ العملية، إلا أن وقائع الأحداث المتزامنة مع الهجوم تشي بوضوح بالجهة التي تقف وراءها، فعلى مدى الأيام السابقة واللاحقة للهجوم كانت هنالك فعاليات احتفاء وتأبين لسليماني والمهندس، إذ أقام منتسبو الحشد الشعبي احتفالات في الذكرى الثانية لاغتيالهما، وجرت إقامة حفل تأبين وإضاءة شموع في مطار بغداد شارك فيه المئات من مناصري الحشد. من جانبه صرح قيس الخزعلي الأمين العام لميليشيا «عصائب أهل الحق» قائلا: «أما الاحتلال الأمريكي فكان عليكم أن تفهموا جيدا أن هذا الشعب العظيم لا يمكن أن يرضى بالاحتلال، وكان عليكم أن تفهموا الرسائل التي أرسلها إليكم أبطال المقاومة في العراق، الذين وصلوا بأسلحتهم وبطائراتهم المسيرة وبصواريخهم الذكية إليكم في أي مكان على أرض العراق، لكن يبدو أنكم لم تفهموا ذلك حتى الآن، وتحتاجون إلى دروس أخرى، فأبناء المقاومة وأبناء الحشد سيجبرونكم على الخروج صاغرين مذلولين خاسئين خائبين كما خرجتم في عام 2012». لاحقا تناقلت أغلب وكالات الأنباء خبر الهجوم على مطار بغداد الدولي بصواريخ كاتيوشا يوم 28 يناير، وأكدت بعض الوكالات، أن الهجوم كان يستهدف قاعدة فكتوريا الأمريكية، بالقرب من مطار بغداد، التي تحولت إلى ما يعرف باسم «مركز الدعم الدبلوماسي»، لكن منظومات الحماية (سيرام) (Counter-RAM) حرفت الصواريخ الستة فسقطت على مدرج المطار، ومكان أو ساحة للتخزين، فأصاب طائرة رئاسية من نوع بوينع 767 تابعة للرئاسة العراقية والتي تضرر بدنها نتيجة الضربة الصاروخية.
محاولة استهداف قوات التحالف بطائرات درون كانت للتذكير بالحدث الاصلي، إذ أظهرت صور بقايا الطائرتين وقد كتب عليها «عمليات ثأر القادة»
رد فعل الحكومة العراقية الرسمية كان روتينيا، وجاء عبارة عن شجب وإدانة وتوعد بالرد، من دون الإشارة ولو تلميحا للجهات التي تقف وراء هذه الهجمات. إذ صرح رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في يوم الحادث قائلا: إن «مطار بغداد الدولي تعرض فجر اليوم إلى عمل إرهابي جبان كشف عن إصرار المجرمين على ضرب أمن شعب العراق، والتزاماته، وإمكاناته، وتعريض مصالحه للخطر». وتوعد منفذي الهجوم بـ»رد حاسم»، لأنه يعد «من العمليات الخطيرة التي تقف خلفها أجندات لا تريد للعراق خيراً». أما رئيس البرلمان العراقي الذي أعيد انتخابه مجددا محمد الحلبوسي، الذي تعرض منزله لهجوم صاروخي قبل أيام من الحادث، بعد أن ردت المحكمة الاتحادية العليا طعنا بعملية إعادة انتخابه، فقد صرح بدوره قائلا: «إن الهجوم على مطار بغداد استهداف مباشر لسيادة العراق».
اللافت في الأمر كان تصريح خلية الإعلام الأمني العراقي عبر صفحتها الرسمية على منصة تويتر وجاء فيه: «أقدمت عصابات داعش الإرهابية على استهداف مطار بغداد الدولي فجر اليوم 28 كانون الثاني، بستة صواريخ نوع كاتيوشا، في محاولة لاستهداف مقدرات البلد، سقطت على مكان انتظار طائرات الخطوط الجوية العراقية، ما أدى إلى أضرار بطائرتين كانتا جاثمتين على المدرج»، وأضاف البيان «ويهدف الهجوم إلى تقويض الجهود التي تقوم بها الحكومة العراقية، في محاولة استعادة الدور الإقليمي للعراق، وإعاقة نشاط جهود الخطوط الجوية العراقية، في أن تكون في طليعة الدول في مجال النقل والملاحة الجوية، ورفع تحديات عملها». ويتضح، من المعلومات الواردة في البيان، مدى التخبط وعدم الدقة حتى في حجم الأضرار الناجمة عن الهجوم، لكن معلومات رابطة الطيارين العراقيين، التي أصدرت بيانا أوضحت فيه أن الضربة الصاروخية أصابت طائرة واحدة خارجة من الخدمة ومركونة في مرآب للسكراب، ولا توجد طائرة أخرى أصيبت في الهجوم، كما ورد في بيان خلية الإعلام الأمني، وقد تضمن بيان الرابطة تفاصيل فنية بشأن الطائرة الرئاسية العراقية المتضررة، التي تعرضت للضربة الصاروخية، إذ ذكر البيان: «أحد الصواريخ الستة المهاجمة سقط بصورة مباشرة على الطائرة الرئاسية العراقية الخارجة عن الخدمة (سكراب) التي تحمل تسجيل YI-APX، والتي أهدتها إيران إلى حكومة نوري المالكي سنة 2007».
البيان الرسمي الصادر عن التحالف الدولي أشار بوضوح إلى أن، «الميليشيات الخارجة عن القانون للمرة الثانية في هذا الشهر تهدد وتقصف مطار بغداد الدولي»، وأن «الصواريخ جميعها وقعت في منطقة المدرج و/ أو مناطق قريبة من الجانب المدني». إلا أن الجهات الحكومية العراقية، وفي مقدمتها خلية الإعلام الأمني، قدمت في بيانها إشارات باتجاه آخر مختلف تماما، إذ قالت: «تم العثور على 3 صواريخ داخل منصة للإطلاق في قضاء أبو غريب، قرب إحدى مناطق الصرف المكشوف، وتمكنت الوحدات العسكرية المعالجة من إبطال مفعولها»، وأضاف البيان العراقي «تم التوصل إلى خيوط مهمة عن الجناة، للقبض عليهم، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم وتقديمهم للعدالة، حيث قامت الوحدات الجنائية برفع البصمات، وتحريز الأدلة الموجودة في مكان الحادث». إلا أن مصادر عراقية سرّبت معلومات أخرى مفادها، «أن الصواريخ انطلقت من طريق نيسمي غرب العاصمة بغداد، كانت محمولة بعجلة تحمل صناديق خضار وفواكه، ووضعت في داخلها منصة الإطلاق، وأطلقت من منطقة يحيط بها فوج مالك الأشتر (27) التابع لمنظمة بدر». كما تسربت للإعلام صور (لم يتسن التأكد من مصداقيتها) لوثائق عثرت عليها القوات الأمنية في داخل العجلة المتروكة، وتضمنت وثائق وأوراق دونت فيها تعليمات وملاحظات عسكرية لمنفذي الإطلاق من قبيل زاوية الإطلاق ومعامل التصحيح وغيرها، فيما كتب في أعلى الصفحة أن منفذ الإطلاق من خريجي دورة «السيدة زينب»، بالإضافة إلى أوراق العجلة التي حملت اسم شخص يسكن في محافظة صلاح الدين. ولم يمض سوى يوم واحد على الحادث، حتى أعلن مصدر أمني عراقي إلقاء القبض على أحد المشتبه فيهم من المتورطين بالمشاركة في قصف مطار بغداد، وقد جرى اعتقاله في سيطرة السرحة شمالي ديالى، وتم التحقيق معه في استخبارات العظيم. وقال مصدر أمني عراقي إن المعتقل ويدعى أكرم القيسي من مواليد 1984 ويسكن قضاء أبو غريب. وما أن أعلن عن اسم وعنوان المشتبه فيه، حتى انطلقت موجة من الاتهامات في منصات التواصل الاجتماعي، انصبت على هذا الشخص باعتباره أحد أفراد حماية رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، أو أنه منتسب في ميليشيا «أشباح الصحراء»، التي دربها الأمريكيون في قاعدة عين الأسد، وتم تسليحها من دولة الإمارات العربية، وقد شاركت مجموعة القنوات الإسلامية والجيوش الإلكترونية الولائية في ترويج هذه الحملة بشكل واضح.
يبدو أن التصعيد الأخير على الرغم من ارتباطه بذكرى اغتيال سليماني والمهندس، إلا أن أحد الأهداف الواضحة، كان الضغط على السيد مقتدى الصدر لإشراك قوى الإطار التنسيقي في الحكومة الائتلافية قيد التشكيل، وهذا ما يرفضه الصدر حتى الآن، وهو أمر واضح في تغريدته التي علق بها على ضرب المطار بالصواريخ إذ قال: «لا تستهدفوا مصالح الشعب، فالشعب والوطن خط أحمر»، وأكد على الرغم من الضغوط على «استمراره بالعمل على تشكيل حكومة أغلبية وطنية مع الشركاء في الوطن». وقد اتضح ذلك بعد ثلاثة ايام فقط من الحادث عندما استقبل في منزله في الحنانة في مدينة النجف رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي ورئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني، ويبدو أن الاجتماع كان في سياق بلورة اتفاق بين الكتلة الصدرية وكتلة «نتقدم بعزم» السنية وكتلة الديمقراطي الكردستاني، على تشكيل حكومة أغلبية تستبعد قوى الإطار. فهل ستلوح في الأفق حلحلة تغير موقف مقتدى الصدر فيوافق على إشراك قوى الإطار في الحكومة المقبلة بعد أن يبعدوا نوري المالكي؟ ربما، يبدو ذلك من زيارات الجنرال قاآني، والتسريبات المرادفة عن تدخل إيران على خط تنسيق الوضع، لإزالة الاحتقان بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، لترتيب وضع البيت الشيعي في الحكومة المقبلة.