نساء الزمن الصعب: مصرية تبيع النعناع ليحيا رضيعها… وأوكرانية تحمل السلاح دفاعاً عن بلدها
بيدر ميديا.."
نساء الزمن الصعب: مصرية تبيع النعناع ليحيا رضيعها… وأوكرانية تحمل السلاح دفاعاً عن بلدها
احتفل العالم هذا الأسبوع بعيد الحب. عيد يلوّن شوارعنا الحزينة ويزيّن واجهاتها بالبالونات والقلوب والدببة وبطاقات المعايدة، علّه يعيد شيئاً من الفرح الغائب لعالمنا البائس والغارق بعتمته.
جاء العيد ليفتح الشبابيك المغلقة ويعيد للعشاق أحلامهم المجهضة بفعل الحروب والمآسي. عاد في موعده السنوي كي تلمع النجوم في السماء وتسقط بريقها على الصخور الصامتة، صخور حجّرت نفسها كي لا يحركها الألم ويفتتها مرة واحدة بعد أن شهدت على هجرة أبناء وأحباب وموت أطفال في البحر.
جاءنا عيد الحب بعد أن توحّش العالم وفقد الكثير من هويته الإنسانية وتبعثرت قيمه. وما أحوجنا له بمفهومه الشامل!
للحب بحاره وسماواته وطرقه الكثيرة، لكن أبهاها وأسماها وأطهرها وأعمقها هو حب الأم لطفلها. حب مليء بالتضحية والعطاء المستمر .
لقد انتشرت مؤخراً على السوشيال ميديا قصة مؤثرة جداً تناقلها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، إنها قصة «سيدة النعناع» أم مصريّة تحمل رضيعها وتدور به في الشوارع لتبيع باقات من النعناع علّها تؤمن له علبة حليب تشبع بها جوعه.
طردها زوجها من المنزل ورمى بها في الشارع وهي حامل من دون أدنى شعور بالمسؤولية أو الرحمة. حاولت اللجوء إلى عائلتها، لكنها لم تلق أي دعم أو مساعدة. لم تستسلم! بل تمسكت بالأمل، رغم قسوة الحياة، واستخرجت من ضعفها قوة لتحمي صغيرها.
تقول وصوتها يرتعش من فرط التعب: «لقد كان الشارع هو الملجأ الوحيد لتوفير علبة لبن»!
يا الله.. ما أقسى الحياة وما أغرب تلك التناقضات التي نعيشها.
كيف يصبح الشارع ملجأً؟ وكيف نواجه الهزيمة برائحة النعناع؟
إنها امرأة تستحق لقبها. هي كالنعناع تماماً. تفوح بكل عطرها في يد من تحب إلى أن تذبل من شدة التعب.
ويبقى السؤال هل ستلقى المساعدة المناسبة من وزارة التضامن الاجتماعي أو من أية جهة رسمية قبل أن تهزمها الحاجة؟
فهي لا تطلب شيئاً سوى غرفة صغيرة تحميها من ذل الشارع ومخاطره وتقي صغيرها من المطر والبرد والمرض. وعمل ينتشلها وصغيرها من الشارع ويؤمن لهما الطعام والشراب.
لقد علّق المغردون بكثافة على قصة سيدة النعناع، ولكن هناك تغريدة اختصرت كل الألم في كلمات معدودة: «مصر فيها الكثير من هذه النماذج مثل سيدة النعناع، وسيدة الجرجير وسيدة السمك، وسيدة الطماطم، انقذوا الأرامل والمطلقات».
ليست مصر وحدها بل إنها حال العديد من بلداننا العربية. نعم انقذوا أمهاتنا وشيوخنا وأطفالنا من ظلم الشوارع وقسوة المخيمات.
ورود في زمن الحرب
ومن حب الأمهات إلى حب نولد فيه ونعيش له. إنه حب الأوطان. حب لا نختاره بل يختارنا ونبقى متورطين به حتى حين يخذلنا.
فيما تتصارع اليوم روسيا والغرب على المسرح الأوكراني، ويتوعد فلادمير بوتين باحتلال كييف ويحشد آلافا من الجنود على الحدود بين البلدين، يخرج الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي معلناً تاريخ الهجوم الروسي المحتمل على بلده يوم وحدة وطنية. هكذا يطلب من مواطنيه أن يرفعوا علم البلاد في مواجهة العدوان.
لا أعرف لماذا تذكرت وأنا أقرأ الخبر قصة للكاتبة العراقية هدية حسين من مجموعتها القصصية «إحساس مختلف».. حكت عن امرأة مجنونة كانت توزع الورود على الجنود باستمرار. نعم قد يكون ضرباً من الجنون أن نواجه الحرب بالمحبة ورفع رايات السلام، لكننا بذلك نترك رسالة للعالم يخلدها التاريخ.
قد يقدم الجيش الروسي على احتلال أوكرانيا، لكنه سيجد الآلاف بل الملايين من الورود تهدر دمها في سبيل الحب. جيوش من الشابات الجميلات تستعد ليل نهار للمواجهة. ليس فقط الشابات بل أيضاً الجدات.
إنه الحب. يدفعنا أحياناً لاستنكار ضعفنا وتناسي هشاشتنا والهجوم بكل ما أوتينا من قوة لحماية حقوقنا وأرضنا وأبنائنا. هذا ما دفع جدة أوكرانيّة اسمها فالونتينا كوستنتينوفسكا أن تحمل اك-47 وتتمرن للدفاع عن وطنها ضد الهجوم الروسي المحتمل.
يعلم الجميع أن القوة العسكرية الروسية لا يمكن مقارنتها بالقوة الأوكرانية المتواضعة، لكنه حب البلاد.
وكما يقال «لا وجود لبلاد متخلفة، ولكن هناك بلاد تخلف أهلها عن حبها والدفاع عنها». قد نخسر حروباً كثيرة لكن القضايا الكبرى لا تموت. شكراً للجدة الأوكرانية لأنها علمتنا درساً في حب الوطن.