موجة الاحتجاجات في السويد ضد سحب الأطفال من أسرهم مستمرة في الاتساع والسلطات تشدد القوانين وتنفي الاتهامات
بيدر ميديا.."السويد.
موجة الاحتجاجات في السويد ضد سحب الأطفال من أسرهم مستمرة في الاتساع والسلطات تشدد القوانين وتنفي الاتهامات
لا يزال العالم يتابع عن كثب تداعيات الأزمة المستمرة بين العوائل في السويد وهيئة الخدمة الاجتماعية «السوسيال» بسبب انتزاع آلاف الأطفال من عوائلهم، حيث تشير إحصائيات مركز المعلومات السويدي إلى انه وخلال عام 2019 تم سحب حوالي سبعة آلاف وتسعمئة طفل من عوائلهم، بحجة عدم أهليتهم في توفير بيئات صالحة لتربية الأبناء أو بذريعة تعرض الطفل إلى عنف جسدي أو نفسي ما يستدعي بحسب القانون تدخل السوسيال حماية للطفل وربما يتم سحبه من أسرته وإيداعه في أحد مراكز الرعاية أو عند عائلة حاضنة بديلة.
وقد تعالت الأصوات مؤخرا بعضها تتهم السلطات السويدية أو السوسيال باختطاف أبناء تلك العوائل تحت مسميات عدة منها استهداف المسلمين واختطاف أطفالهم من أجل الاسترقاق ومحاولات تنصيرهم، فيما يتهم آخرون السلطات بالإهمال وتجاوز الصلاحيات، وقد نفت الحكومة السويدية جميع التهم واتهمت بدورها جهات داخلية وخارجية مرتبطة بعضها بتنظيم «داعش» بشن حملة تشويه وكراهية ضد السويد، وقالت هيئة الدفاع النفسي السويدية، والتي تأسست لمواجهة المعلومات المضللة، بأن مصدر أخبار اختطاف الأطفال المسلمين، يعود إلى موقع إلكتروني باللغة العربية، ويدعم مؤسسه تنظيم «الدولة».
في تحقيقنا هذا سنحاول كشف الحقائق المتعلقة بهذه الأزمة والوقوف عند أصل الحكاية، نكشف بعضاً من أسرارها على لسان من كانوا ضحايا لها، نطرح وجهات النظر المختلفة ونلتقي بمن يقف وراء الحكاية.
عوائل بديلة ليست
بالمستوى المطلوب
(م.م) فتاة في التاسعة عشرة من عمرها ومن أصول عربية أفريقية، وصلت إلى السويد عن طريق لم الشمل مع والدتها التي سبقتها بسنوات، تقول هي الأخرى إنها وبعيد وصولها إلى السويد التحقت بالمدرسة وهناك تعرفت على زملاء لها كانوا يتعاطون المخدرات، وفي أحد الأيام داهمت الشرطة منزلها وتم اعتقالها بتهمة الترويج وبيع المخدرات ثم أُطلق سراحها لعدم إثبات التهمة عليها، غير انها واجهت من والدتها إثر ذلك حالة من السيطرة وعدم السماح لها بالخروج كثيرا حتى ضاق بها ذلك. وتقول «اتصلت بالشرطة واتهمت والدتي بأنها تحبسني في المنزل وتمنعني من الخروج ما أدى إلى تدخل السوسيال وسحبي من والدتي وإيداعي عند عائلة سويدية تعرضت خلال إقامتي عندهم إلى التحرش من قبل ابنهم». ثم سردت ان «العائلة كانت تفرض علي قوانين صارمة وتحرمني من الحرية في الأكل والشرب والحركة أيضا حتى طلبت وبإصرار من السوسيال إعادتي إلى والدتي».
قصة (م.م) انتشر العديد مثلها بوسائل إعلام سويدية كان الضحايا فيها من السويديين وهي تختصر جزءًا كبيراً من مشهد الأزمة الدائرة في السويد وتخلق في مخيلة القارئ صورة سلبية عن بلد يشتهر باحترام حقوق الإنسان والعدالة والمساواة وحقوق الطفل بالدرجة الأولى، كما وتكشف بان القضية ليست محصورة فقط على سحب الأطفال من أسرهم وانما تتعلق أكثر بعواقب عملية السحب والإيداع في مراكز الرعاية التابعة للسوسيال أو عند عوائل حاضنة بديلة ليست واعية بخلفيات الطفل الأثنية والثقافية بل وليست على المستوى المطلوب في توفير حماية للطفل وتربيته.
الصورة النمطية عن المهاجرين
ولكن هل الصورة داكنة إلى هذا الحد أم لا تتعدى حالات فردية قد تقع في أي مكان؟ وهل توجد حالات إيجابية أخرى ساعدت الأطفال على إيجاد حياة أفضل؟
أسئلة نبحث فيها عن إجابات في ظل أصوات غاضبة تعالت في الأيام الماضية وخرج المئات من أصول مهاجرة بينهم سويديون أيضا في تظاهرات احتجاجية بالعاصمة ستوكهولم ومدن أخرى، ضد ممارسات السوسيال بهذا الشأن.
أبو حسن العراقي أحد المشاركين في هذه التظاهرات، التقيناه للتعرف على قصته. يقول أبو حسن إنه وبعد شهرين فقط من وصوله وزوجته مع أطفالهم الثلاثة إلى السويد عام 2015 تم انتزاع أطفالهم من قبل السوسيال والسبب كما يشير أبو حسن بأن ابنه الصغير الذي كان في السابعة من عمره آنذاك قد أخبر معلمه بانه يخشى ان يضربه والده إذا ما ارتكب خطأ ما، مما دفع بالمدرسة إلى إخبار هيئة الخدمة الاجتماعية «السوسيال» بالأمر، والنتيجة سحب الأطفال جميعا وتوزيعهم على عوائل بديلة.
يقول أبو حسن إنه نتيجة لذلك قد انفصل عن زوجته أيضا وإنه وأم أولاده حاولا منذ ذلك الحين استرداد أولادهم بكل الطرق القانونية، لكن بدون جدوى.
وفي مقابلة مع زينب لطيف رئيسة جمعية «حقوقي أنا» السويدية المنظمة للتظاهرات، نفت ان تكون العوائل المسلمة في السويد وحدها المستهدفة، انما هناك عوائل من أثنيات وجنسيات أخرى بما فيها السويدية أيضا تعرضت لسحب أطفالها، غير انها أردفت ان هناك تمييزا في التعامل ما بين الحالات وان العوائل السويدية تحظى بمعاملة أفضل من العوائل الأخرى من أصول مهاجرة، فالصورة النمطية عن المهاجرين تلعب دورا في طريقة هذه المعاملة.
وفيما يخص التظاهرات تقول زينب إن الهدف منها تسليط الضوء على هذا الملف الحساس جدا في حياة العوائل المهاجرة بالدرجة الأولى وما يتعرض له الأطفال من انتهاكات في مراكز السوسيال وعند العوائل البديلة، والهدف الآخر هو الضغط من أجل فتح باب حوار مع السلطات السويدية في هذا الشأن، وفتح تحقيق شامل في كل تلك القضايا، غير ان السلطات تلتزم الصمت ونحن نحاول ان نكسر هذا الصمت.
مراعاة الخلفيات الثقافية
الداعم الآخر للتظاهرات هو حزب «نيانس» أو «الألوان المختلفة» (تأسس عام 2019 يحمل شعار الدفاع عن حقوق الأقليات في السويد). يقول رامي حسين سكرتير الحزب، «إننا الحزب الوحيد في السويد نقف إلى جانب العوائل المتضررة من سحب أطفالها، لأن بقية الأحزاب لديهم ممثلين في البلديات يوقعون على قرارات السوسيال» ويرى حسين أن انتزاع الأطفال من العوائل بشكل غير قانوني هو بمثابة اختطاف لأبنائهم وان أغلبية الأطفال الذين تم سحبهم من قبل السوسيال هم من عوائل مهاجرة وخاصة من الطبقة الفقيرة في المجتمع. ويضيف أن هناك حالة من العنصرية والتمييز داخل المجتمع السويدي ضد الأجانب وخاصة في مسائل سحب الأطفال، والأمر الآخر أن المسلمين في السويد غير معترف بهم في الدستور كأقلية على غرار الأقلية اليهودية، وبالتالي إذا ما تم سحب طفل يهودي من أسرته فيتم إيداعه عند عائلة يهودية أخرى أي في نفس بيئة الطفل، وهذا لا ينطبق على الأطفال من عائلات مسلمة، وبالتالي ليس هناك في القانون مراعاة للخلفيات الثقافية للعوائل المسلمة وغير المسلمة من المهاجرين.
ويؤكد حسين أن تفاوت الخلفيات الثقافية للمهاجرين ربما يكون سببا أيضا في وقوع هذه العوائل في الخطأ من منظور السوسيال، والمثال على ذلك ان أسلوب العقاب للطفل يختلف من مجتمع إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى، ففي العوائل ذات الخلفيات شرق أوسطية مثلا يكون الضرب والشتم أسلوبا من أساليب العقاب بينما في السويد يعد جريمة بحق الطفل ويسمح ذلك للسوسيال بسحبه من أسرته.
وأضاف ان هناك أيضا دوافع نفعية خاصة لبعض العاملين في دائرة السوسيال من وراء سحب الأطفال كون البعض منهم يملك خارج عمله مع السوسيال شركات تقدم خدمات اجتماعية كتوفير الحاضنات من العوائل البديلة أو المراكز الخاصة بإيواء الأطفال وبالطبع يحصلون مقابل ذلك على مبالغ طائلة من الدولة.
اتفاقية حقوق الطفل
وفي ظل الاتهامات بالعنصرية والتمييز وتعسف القرارات من قبل هيئة الخدمة الاجتماعية السوسيال في مسألة سحب الأطفال من أسرهم يقول المحامي شاهين شاهين المختص في قضايا الأسرة والحضانة، بان السويد تعد من الدول الأولى التي وقعت على القوانين التي تجرم العنف الجسدي والنفسي ضد الأطفال عام 1979 كذلك أول من وقع على اتفاقية حقوق الطفل الدولية المقررة من قبل الأمم المتحدة عام تسعة وثمانين من القرن الماضي، كما يجرم القانون السويدي جميع أنواع التمييز سواء على أساس العرق أو الدين أو اللون، أما فيما يخص مسألة سحب الأطفال من أسرهم بشكل قسري، يحتم علينا ان نقف على تفاصيل قانون حماية الطفل الذي يعطي الصلاحية لهيئة الخدمة الاجتماعية السوسيال بالتدخل في الحالات التي يتعرض فيها الطفل إلى الضرر سواء النفسي أو الجسدي، ويحق للسوسيال اتخاذ قرار بسحب الطفل من أسرته لإجراء تحقيق في الأمر وبعد ذلك تقرر المحكمة إعادته لأسرته أم لا، وهذا يعتمد على نوع الضرر الملحق بالطفل. فعلى سبيل المثال إذا كان الطفل قد تعرض إلى الضرب والتعذيب فيكون من الصعب بعد سحبه ان يسمح للأهل بالتواصل معه، ثم يودع الطفل في مراكز خاصة أو عند عائلات بديلة تكون خاضعة لإشراف السوسيال وعلى العائلة البديلة ان تفي بجميع الشروط التي توفر للطفل بيئة تربوية سليمة بحسب القانون.
وفي حالة إلحاق الضرر بالطفل أو تعرضه للمضايقات أو التحرش أو غير ذلك من المخالفات، فيسمح القانون بتسجيل شكوى على العائلة وعلى السوسيال.
ويرى شاهين ان السبب الرئيسي لمشكلة العوائل المهاجرة مع السوسيال هي عدم فهم هذه العوائل للقوانين في السويد.
أجندات خاصة
ورداً على الاتهامات التي عجت بها وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي ضد السويد بشأن استهداف أطفال المسلمين وغيرها من الاتهامات والتي تبناها البعض من مشاهير هذه المنصات أيضا داخل وخارج السويد يقول الشيخ أحمد غانم المتحدث باسم المجلس السويدي للائمة، «لقد انشغل الرأي العام داخل وخارج السويد بقضية السوسيال واستهداف أطفال المسلمين واسترقاقهم واغتصابهم وغير ذلك من التهم والإشاعات التي اختلط فيها الحق بالباطل والصواب بالخطأ والمبالغة بالحقيقة، وانها تفتقر إلى الموضوعية والدقة وان القضية أخذت منحى آخر بعيد عن الأصل استثمرت فيها جهات كثيرة لصالح أجندات خاصة، البعض منهم متطرفون داخل السويد، يمينيون متشددون عنصريون أرادوا ان يلصقوا القضية بالإسلام نفسه، استخدموا فيها شعارات معادية للسويد وبعيدة عن أصل القضية، مما ساعد ذلك على تأليب قطاع واسع من الرأي العام السويدي ضد المسلمين. وما زاد الطين بلة تدخل بعض المشايخ والمشاهير في الموضوع من زاوية واحدة افتقرت للموضوعية والدقة، بل ذهب البعض منهم إلى تبني شعارات الاختطاف والاسترقاق لأبناء المسلمين والاعتداء عليهم بشتى الأنواع.
وإذا ما أردنا توصيف الحالة بموضوعية يقول الشيخ غانم إن هذه السلطة (السوسيال) وظيفتها حماية الضعفاء من الأطفال والنساء بالدرجة الأولى إذا ما تعرضوا إلى الاعتداء، وما حصل ان هناك بعض العوائل التي تم سحب أطفالها منها خرجوا خلال فيديوهات يشتكون من اختطاف أطفالهم من قبل السوسيال والخطف في مفهومنا ان يكون الطفل في الشارع فيقوم أحدهم بسرقته، وهذا غير صحيح في الحالة الموجودة في السويد، حيث ان من واجب المدرسة والحضانة والمراكز الصحية ان تبلغ الجهات المعنية في حال شعرت بتعرض الطفل إلى التعنيف الجسدي أو النفسي، وهنا يتدخل السوسيال وتقع المشكلة الأولى وهي عدم فهم ثقافات هذه العوائل من قبل موظف السوسيال المكلف بالقضية وربما لا يتمتع أيضا بخبرات كافية في هذا المجال أو محمل بخلفيات (عنصرية) ضد الأجانب، ويقرر سحب الطفل كأجراء وقائي حتى يتم التحقيق في الأمر ويبت القضاء في مصير الطفل إما بإعادته لأهله أو نقل حضانته إلى السوسيال والذي بدوره يضع الطفل إما في مراكز خاصة به أو عند عوائل بديلة، وهنا تكمن المشكلة الثانية وهي افتقار تلك المراكز إلى المراقبة الجيدة فتقع فيها الانتهاكات سواء من قبل الأطفال أنفسهم أو من قبل العاملين في تلك المراكز والعوائل. وهناك حالات عديدة مسجلة ولا أحد يستطيع إنكارها، ولكنها في نفس الوقت ليست حالة عامة وإنما الغالب فيها يتم وفق المعايير القانونية والمهنية.
ويطرح الشيخ غانم عددا من الحلول لهذه الأزمة منها الاستماع إلى العائلات المتضررة وفتح حوار بين السوسيال وممثلين عن هذه العوائل، وتقديم الدعم القانوني والنفسي لها، وتشجيع العوائل المسلمة في السويد على توفير حواضن بديلة توفر البيئة المناسبة لهؤلاء الأطفال بدل إيداعهم عند عوائل أخرى.