رؤية إستراتيجية لعالم جديد . . يتشكل من الممانعة إلى ما هو أبعد و أشمل
سيقول التأريخ ، رضينا أم لم نرض، أن بلداً صغيراً منقسماً على نفسه، وجزءاً صغيراً منه ، لا يتجاوز حزباً محدداً ، إستطاع أن يوقع أول هزيمة نكراء بإسرائيل التي لم تقو عليها جحافل جيوش العرب مجتمعة ، وإستطاع أن يؤكد نصره للمرة الثانية ، وفرض على عدو الأمة معادلة الرعب التي لا يفهم سواها، وكأنه بهذا يقول أن زمن الهزائم أمام إسرائيل مرّ وأنقضى إلى غير رجعة .
وسيقول التأريخ ، رضى من رضى ، أو كابر من كابر ، أن بلداً تكالبت عليه الدنيا ، وجند الأشقاء قبل الأعداء كل ما لديهم من حيل وقوة وجبروت مالي ، وإعلامي، وتسليحي بلا حدود ، قصد تحطيمه وإركاعه، ظل صامداً ، وأضحى في نهاية المطاف على مشارف الإنتصار الساحق ، إن لم يكن قد إنتصر حقاً .
بدأت سوريا الصمود منفردة ، قاومت لوحدها، ثم دُعمت فيما بعد من حلفاء أولهم حزب الله ، وثانيهما إيران ، وتطور هذا الدعم مع تطور الأحداث إلى المساعدة الفعلية في القتال .. كان الأمر يبدو على هذا النحو ، جبهة الصمود والتصدي، أو الممانعة بمواجهة ما سُمي زوراً بمحور الإعتدال، الذي لم يكن معتدلاً بأي شيء ، ما خلا الإسم . إستطاع هذا المحور ( الممانعة) رغم كل الصعاب تغيير شكل المعركة ، فبعد أن كانت دمشق محاصره ، ومنافذ الدولة ومعابرها وكذا آبار النفط والغاز في أيدي المسلحين ، أضحت دمشق معافاة، باقية وتتمدد . .
سوريا خلقت فرصة قلما تتكرر لمحور ناهض ، أشمل وأقوى وأكثر إتساعاً ، هو محور روسيا – الصين- إيران ، وبمعنى أدق محور كان بوتين يسعى له منذ سنوات ، اسماه ” أوراسيا” ، إستطاع هذا المحور قلب موازين القوى كلياً ، بدءاً من المواقف السياسية ، الفتيوات “الصينية – الروسية” المتعاقبة في مجلس الأمن ، وإلى الدعم العسكري ، والدخول عملياً في المعارك، هذا الدخول الذي غير المعطيات كلياً .
الذين وقفوا بوجه العدوان على سوريا ، كانوا محور الممانعة ، سواء كان المعلن والمكتمل كسوريا وإيران وحزب الله ، أم الذي كان في طور التشكل ممثلاً ببعض الفصائل العراقية ، لكن بدخول روسيا ، ومن ثم تركيا التي غيرت من تواجهاتها إلى الضد مما إبتدأت به ، وكذلك الصين ، وبعض دول ” الإتحاد السوفيتي ” السابق ، لم يعد من الصواب تسمية المحور المقاتل في سوريا محور “الممانعة “، فمفردة الممانعة إنبثقت من ممانعة التطبيع مع إسرائيل ، وتركيا التي من المؤمل أن تكون عنصرا فاعلاً في هذا المحور ، خصوصاً بعد إفتراقها عن أوربا وتباعدها عن أمريكا ، وقربها من إيران ، لدرجة يمكن معها القول أنها يمكن أن تشكل حلفاً معها، على الأقل لمواجهة خطر الأكراد الذي يهدد الدولتين أكثر حتى من تهديده للعراق ، وموقف أمريكا الداعم ظاهرياً للتطلعات الإنفصالية لأكراد سوريا ، تركيا هذه لها علاقات قديمة ومتينة مع إسرائيل ، رغم المواقف العقائدية التي تباعد ما بينها وبين إسرائيل ، لكن العلاقات كانت وما زالت متينة بين الكيان الإسرائيلي وتركيا ، وليس في وارد تركيا ، على الأقل حالياً ، أن تكون في محور ممانعة للوجود الإسرائيلي في المنطقة ، أو ضد التطبيع معها ، وعلاقة روسيا مع الكيان الإسرائيلي لا تحتاج إلى توضيح، ونفس الشيء يقال بالنسبة للصين ، وللهند الداعمه عملياً لهذا المحور، والذي يرى العديد من الباحثين أنه سيكون لها موقعاً يتناسب مع حجمها وقدراتها .
الذي سينتصر في سوريا، والمنطقة محوراً أكبر كثيراً من محور الممانعة، سيكون له تأثيره لا على المنطقة وإنما على العالم كله، وسيضع حداً نهائياً لتحكم الغرب وأمريكا في مقدرات العالم، وبإنتصار هذا المحور سيكون محور الممانعة منتصرا حتماً ، ستصبح إسرائيل طافية ، بلا وزن ولا أهمية ، وسيكون تمتع الشعب الفلسطيني بحقوقه شبه مؤكد في ظل إنحسار ظل داعمي إسرائيل ، ونهوض الشرق القوي عسكرياً وإقتصادياً ، شرق الحضارة ، والنزوع إلفطري إلى العدالة الاجتماعية ، وسيحتاج الأمر لوقت قد يطول نسبياً، لتحديد الغايات العليا والدنيا لهذا المحور، تلك الغايات التي ستكون بمجملها لمصلحة أمن شعوب المنطقة ، تنطلق من مبدأ التعاون بين أممها وشعوبها ، وثمة مشاريع واعدة ستصب في خدمة ناس المنطقة ، من أمثال إحياء طريق الحرير ، وربط هذه الدول بعضها ببعض بعلاقات تبادل منافع ، ولعل منظمة شنغهاي ستكون البداية ، وليست النهاية ، ومع ظهور عمالقة إقتصاديين في أوراسيا ، مثل الصين ، والهند ، وروسيا ، فإن قدرة أوراسيا التي تحوي أراضيها كنوز العالم ستكون بلا حدود ، فهل سيقيض لجلينا تلمس آثار هذه الإنعطافة في مجرى التـاريخ ، أم أن تجار الحروب ومستغلي الشعوب سيشعلون الحرائق ..
وإذا كانت الأرض تدور ، وهي تدور حتماً ، فإنها سوف لن تعطينا ظهرها دوماً ، طالما هي تدور فإننا سنبصر وجهها الضاحك حتماً .
بقلم الكاتب
صباح علي الشاهر