الدكتور/ضرغام الدباغ.
كنت أواخر عام 1986 ،قد شرعت بكتابة مقال، بموضوع ماذا نفعل .. ویوم القي القبض علي بتاریخ 5 / كانون الثاني / 1987 في مدینة السلیمانیة لم یكن المقال قد أكتمل بعد، بل كنت قد أنجزت صفحتان أو ثلاثة بحجم (A4 ،(وجرى التحقیق معي، وأصر المحقق أني أقصد العراق ونظامھ السیاسي، ولم ینفع دفاعي أن المقال (الغیر كامل) لم یكن یحتوي على أي أسم، سواء شخص، أو دولة، ولا حتى أي أسم علم، ولكن المحقق لم یقتنع، فأحالني (مع مواد أخرى) وحكم علي بموجب قانون المطبوعات بالسجن لمدة 8 سنوات، أدغمت مع الحكم الصادر علي بالإعدام. الیوم وبعد 35 سنة، أعید كتابة المقال بعنوان آخر، ولكن بمحتوى آخر، ھو أني أرید أن أطلق التحذیر، أن عقبات وعراقیل كبیرة أمامنا، فلیحذر ربابنة السفینة … أن نرشدھم ً أن الواقع الموضوعي صعب، بل ھو صعب للغایة، ولا یحق لنا أن نقرع الربابنة كثرا، بل وندعمھم، ونشد من أزرھم. والموضوع الذي سأكتبھ یستحق ھذا العنوان …المھم ان ھذا النداء یحذر المشاركین .. انتبھوا قبل فوات الوقت والفرصة ….. انتبھوا رجاء ……! ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التنبؤ بمآل تطور الأحداث السیاسیة ھو من أھم مھام علماء السیاسة، ومحترفو العمل السیاسي من رجال الدولة ومن الدبلوماسیین ومن صلب مھامھم الرئیسیة، یتقدمون بآرائھم للقیادات السیاسیة، لذلك یشترط من أجل التوصل لمستوى رفیع في قراءة الأحداث ونتائجھا، الاطلاع الكثیف على الأخبار ومتابعتھا على مدار الساعة، وھناك قدر مھم من المعلومات الدقیقة والتحلیلات، لا ینشر في الصحافة أو في الإعلام، بالعكس، فألاخبار في وسائل الإعلام كثیر ما تكون مصاغة ومنتجة في مختبرات یراد منھا تضلیل الرأي العام، أو حرف انتباھھم إلى غیر ما تدور في الساحة الرئیسیة من أحداث، ولم تكتب على أیدي خبراء ومختصون. وحتى میدان البحث صار یحفل بمن یتعامل مع الأمور على نحو تجاري. یعتمد الدبلوماسیون بدرجة كبیرة على المعلومات والتقاریر الاستخباریة، وبعض المعاھد المحترفة للدراسات والبحوث، وھذه عددھا لیس كبیر، في حین یلاحظ للأسف كثرة أعداد مراكز الدراسات والبحوث تلك التي تعمل كما أسلفنا لأغراض تجاریة، وبحسب اطلاعنا على الكثیر منھا، لاحظنا أن معلوماتھا وتحلیلھا لا یتعدى مستوى الصحافة الورقیة المطبوعة، أو الالكترونیة، أو الأخبار السیاسیة التحریضیة التي تفتقر للمصداقیة، فقراءة مثل ھذه التقاریر قد تضر أكثر مما تفید، لأنھا تكون أراء سطحیة تقود إلى تعامل ھش مع الأحداث وتكوین أراء لا ترتقي إلى درجة تعامل یأمل منھا التوصل لقرارات ناضجة بمستوى الأزمات. 2 ” تقاسم جدید للعالم ” نظریة معروفة في السیاسة الدولیة، وھي عملیة تجري بأشكل عدیدة، أكثرھا ) ویبدأ القضم ً وضوحا، أن یجلس الرابحون والخاسرون على طاولة واحدة، (أو یستبعد ؤالخاسرون ً، أو والالتھام، یرغم فیھا الخاسر على التوقیع على التنازل عن أراض كانت تحت إدارتھ خسرھا حربا ً في المفاوضات، كما حدث ذلك في مؤتمر فرساي / ً مختارا مناطق ما زالت تحت ھیمنتھ، فیسلمھا طائعا باریس (حزیران 1919 ،(بعید الحرب العالمیة الأولى. وفي مؤتمرات الحلفاء (یالطا وبوتسدام / 1945 ( في أعقاب الحرب العالمیة الثانیة. أما نتائج الحرب الباردة بین المعسكرین الرأسمالي الاشتراكي، فدارت في لقاء على ظھر بارجة روسیة راسیة في میاه جزیرة مالطا بین الرئیس الأمریكي بوش(كانون الأول / 1989 ،(والرئیس السوفیتي غورباتشوف، ولم یعلن ما دار بدقة ولا النتائج الكاملة(صدر بیان صحفي غیر تفصیلي). ولكن مؤشرات الاتفاق ظھرت على أرض الواقع، بتفكیك لحلف وارسو، والمعسكر ً الاشتراكي، بل وحتى الاتحاد السوفیتي. ونتائج أخرى نشاھد تطبیقاتھا تباعا في أرجاء شتى وبأشكال متفاوتة. ولا غراوة أن تدور الأحداث بسرعة شدیدة (فنحن في عصر الصواریخ الأسرع من الصوت)، وھي الآن ً ً ً دولیا جدیدا (بدأت مفرزاتھ الابتدائیة تظھر على أرض الواقع) بناء على تعاظم على وشك أن تفرز واقعا مكانة الصین السیاسیة والاقتصادیة والعسكریة، كقطب دولي، ویتمثل ھذا الواقع الجدید بتشكیل معسكرات جدیدة تتقاسم النفوذ في العالم، وسیبدو من الصعب بمكان، أن تتمكن دولة ما، بما في ذلك الدول الكبرى (ذات المساحات الكبیرة وأعداد السكان المرتفعة والاقتصادات الضخمة) من النجاة من تأثیرات وتداعیات التقسیم الدولي الجدید، والأمریكان (الدیمقراطیون منھم) یصرحون الیوم بالضبط كما صرح بوش الابن ً الجمھوري من قبلھ ” من لیس معنا فھو ضدنا “. فحجم القوى الاقتصادیة ھائل بدرجة لا تتیح مجالا للقوى الصغیرة إلا أن تلعب دور التوابع، أما حجم القوى الاقتصادیة فمخیف ومرعب، ستقود إلى درجة ً تمركز عالیة. ولا أمل مطلقا لدول وكیانات صغیرة، وإذا كان أقتصاد عملاق كالاقتصاد الأمریكي یرى ضرورة حاسمة بالالتحام باقتصادات حلیفة، فكیف ستجد الاقتصادات الأصغر طریقھا بدون التشارك أو التعاون الوثیق مع مجموعات اقتصادیة…؟ العالم سوف لم یعود إلى لقطة الموقف ما قبل أزمة أوكرانیا … إذن نحن سنشھد تقسیم جدید وشیك بین القوى الصاعدة، والقوى النازلة أو تلك التي على وشك النزول. أو تقلیص لمكانة دول عظمى، أو لمناطق نفوذھا، أو ھیمنتھا، بمعنى نظام یشبھ أنظمة الانتداب في عشرینات القرن الماضي، نظام ربما سیكون أنیقا في مظھره، ولكنھ قاسیا في جوھره. ولكن على أیة أسس أو حقائق سینھض ھذا النظام ..؟ ً : أولا تراجع مكانة الولایات المتحدة حقیقة : یمثل تراجع مكانة الولایات المتحدة حقیقة لا جدال فیھا، والتراجع ، ویتفاقم ھذا الضعف بصورة متواصلة،. ً بقدر معین أصاب الولایات المتحدة یعني أن ھناك ضعفا والتراجع العام ھو یسبب عوامل عدیدة منھا: الاشتباك الواسع النطاق على الصعید العالمي للولایات المتحدة مع حكومات ودول وقضایا، قادتھا لحروب تدخل (wars Intervention (وصراعات سیاسیة، حملتھا على تخصیص میزانیات خیالیة للقوات المسلحة استنزفت اقتصادھا، وتسببت بدیون ھائلة تعجز الولایات المتحدة من معالجة أوضاعھا المتراجعة. ھذا بالإضافة إلى شدة تمركز رأس المال الأمریكي، واشتداد ظواھر الفقر وانعكاسھا في مشكلات اجتماعیة، بالإضافة إلى تصاعد النزعة العنصریة وبروز قوى یمنیة فاشیة. وأسباب موضوعیة خارجیة تمثلت ببروز مراكز صناعیة وقوى كبیرة تتمتع بثقل بشري ومساحة واسعة، تمتلك مؤھلات الدول العظمى، أضعفت من المكانة العظمى والتفرد بتقریر الشؤون العالمیة. : ً ثانیا تعاظم مكانة أقطاب عالمیة : ویقابل التراجع الأمریكي نمو وتعاظم في القدرات الاقتصادیة والعسكریة لأطراف أخرى (الصین / روسیا). أتبعت من أسلوب العمل الرأسمالي في تكوین ثروات وطنیة بغض 3 ) عن التوجھ الاجتماعي. وقد قررت الدول الاشتراكیة منافسة الدول الرأسمالیة وسد الفجوة ً النظر (تقریبا بینھا وبین العالم الرأسمالي، وأتباع أسالیب جدیدة في تشجیع الاستثمارات الأجنبیة. فنمت قدراتھا وأصبح تمثل قدرات عملاقة غزت بقدراتھا واستثماراتھا الولایات المتحدة نفسھا في عقر دارھا، كما كونت لھا ً محیطا اقتصادیا في شرقي آسیا من دول حلیفة كفیثنام وكوریا، ولھا امتدادات أخرى في الدول مجاورة، وشكلت منظمة شنغھاي للتعاون. ونفوذھا في شرقي آسیا لم یعد موضع تساؤل، بل ھي موجودة بقوة في أفریقیا، وأوربا والأمریكیتین. قوة اقتصادیة في المقام الأول تعزز مكانتھا السیاسیة . وأضافت أمتلاكھا للتكنولوجیا العسكریة وقدرات حربیة كبیرة، متانة إلى موقفھا الذي بدأ یتسم بالندیة، أحال تربع الولایات المتحدة على قمة النظام الدولي الذي یتسم بالقطبیة الواحدة إلى وھم من الأوھام، والعالم یواجھ الیوم وضع الملامح للنظام الدولي الجدید, ً : ثالثا وھن في أداء بلدان أوربا الغربیة والناتو : فبالرغم ما تبذل من جھود، إلا أن تفككا واضحا یسود المعسكر الغربي، لذلك ھناك نزعة أوربیة قویة للحفاظ على سیادة أوربا وابتعادھا عن قداحات ً الصراعات المسلحة وأجواء التوتر. بید أن ھذه المسألة لیست بسیطة، ذلك أن الأوربیین متفرقین كتلا ومجامیع تعوزھم الثقة والأھداف المشتركة. ً فھناك دولا تعمل في الإطار الأمریكي (بریطانیا، النرویج، ) وأخرى تحاول أن لا تزج بنفسھا بعمق ً (سویسرا، السوید، فنلندة بولونیا، لیتوانیا، لاتفیا)، ودولا حیادیة / فرنسیة في الأساس، ودرجة تمحور الدول ً ألمانیة في الصراعات، والاتحاد الأوربي یمثل جوھریا إرادة حول ھذا الإطار ھو متفاوت. والتحالف بین ضفتي الأطلسي باتت الشكوك تحوم حولھ، بدأت الولایات المتحدة ترمیم خطوطھا الدفاعیة، فأنشأت تحالف أوكوس (Aukus (یضم : الولایات المتحدة / بریطانیا / استرالیا. فبریطانیا التي غادرت الاتحاد الأوربي وعززت تحالفھا الاستراتیجي مع الولایات المتحدة بتقویة قدراتھا البحریة، سیوكل لھا دور سیاسي / عسكري بحمایة وضبط الأمن بالمشاركة مع الولایات المتحدة في منطقة ساحة عملیات حوض الأطلسي،. كما ستتولى أسترالیا التي بدورھا عززت قدراتھا البحریة بصفقة أسلحة بحریة كبیرة مع الولایات المتحدة السیطرة على حوض الباسفیكي. وأسترالیا ھي جوھرة البحر الباسفیكي وقاعدة الرئیسیة. أما الجزر الصغیرة التي لعبد دورا استراتیجیا في الحرب العالمیة الثانیة (غوام، الفلبین) فقد تراجعت أھمیتھا الاستراتیجیة بفعل تقدم ھائل في تكنولوجیا الأسلحة بأستخدام الطاقة النوویة في حاملات الطائرات والغواصات.. : ً رابعا معسكر القوى الحلیفة للصین وروسیا : مع أن التحالف الصیني / ً الروسي یزداد رسوخا على شتى الأصعدة، إلا أن ما زال من المبكر الحدیث عن تأسیس معسكر أو تحالف بین الدول التي تربطھا بروسیا والصین بروابط وثیقة، ” كوریا الدیمقراطیة، وفیثنام، وكوبا، وربما فنزویلا “. وتسعى الصین وروسیا جاھدة لتعزیز موقفا في مناطقھا (شمال وجنوب شرق آسیا) وتكوین جبھة من القوى الحلیفة ربما من بین خططھا استعادة جزیرة تایوان، والسیطرة على بحر الصین الجنوبي، وامتداد نفوذھا إلى تایلند والفلبین وكمبودیا ولاوس، كمرحلة أولى. ً بدرجة عالیة یجري بین الصین وروسیا، تتولى فیھ روسیا إدارة ً استراتیجیا ومن المحتمل أن تنسیقا الشؤون الأوربیة، وفیما تتولك الصین الشؤون الآسیویة واسترالیا. معتمدین على النفس البعید والمطاولة، وعدم استعجال النتائج، والتركیز على التقدم الاقتصادي / التكنیكي، وأتباع أسالیب براغماتیة في العمل، واستبعاد التوجھ الآیدیولوجي في التعامل مع الدول، واستبعاد تام للدوغماتیة، التي كان لھا تأثیرھا في الحقبة السوفیتیة والصین الماویة. : ً خامسا تراجع في مكانة الدول الاستعماریة القدیمة : في خضم ھذا السجال الاستراتیجي الكبیر، ھناك تراجع مھم لمكانة القوى الاستعماریة القدیمة (بریطانیا ــ فرنسا)، وسوف تتحول لقوى تابعة، بریطانیا حسمت أمرھا ووضعت نفسھا تحت سیطرة القصر الأبیض، وستخوض معھا المغامرات والمجازفات. أما فرنسا 4 فأول الغیث قطر، ھا ھي تنسحب بخفي حنین من مالي …والبقیة ستأتي …وإذا تمكنت فرنسا مع ألمانیا وإیطالیا وأسبانیا وبعض الدول الأوربیة حمایة أوربا ( بالكاد ….! ) فسیكون ھذا واجبھا في المرحلة المقبلة، الأنظمة الأوربیة التي فشلت في مواجھة تحدیات العصر، سیكون ھناك نمط جدید تتشكل ملامحھ ولكن على حساب تھرأ مجتمعاتھا .. وحقوق الإنسان ما ً صناعیا ً في العقود المقبلة .. نعم أوربا حققت تقدما ھي إلا فریة كبیرة تستخدم ضد أنظمة أخرى. والدیمقراطیة جرى بمرور الوقت تشذیبھا ووضعھا في لطویلة ً إطار محدد، یضمن تفوقا طبقیا، معینا، ویضمن سلامة النظام الرأسمالي، وتمكنت عبر مسیرتھا ا لمدة تتجاوز القرنین، من استنباط وسائل وأشكال عززت فیھا أنظمتھا ومنحتھا طابع الاستقرار. ومنحت لنفسھا حق تصدیر أنظمتھا بالقوة لدرجة التدخل المسلح. ً سادسا : احتمال صعود معسكر عربي / إسلامي : لیست ھناك قوة مرشحة للتصاعد سوى معسكر الدول العربیة / الإسلامیة. ویتألف من بلدان یفوق عددھا الخمسین، وسكانھا الملیارین نسمة، العرب منھم نحو 500 لاستراتیجیة الحساسة، ً ً ملیون نسمة، یمثلون ثقلا سكانیا كبیرا، بالإضافة إلى الثقل الاقتصادي والمنطقة ا الزاخرة بالمعادن والثروات الطبیعیة والمواد الخام. تفاھمات تفضي لھذا الھدف للحیلولة من بروز ً ً دون قیام بید من المعلوم أن ھناك ضغطا شدیدا یحول معسكر لھ خصائصھ السیاسیة والثقافیة والاجتماعیة لھ طابع التمدد والانتشار السریع. لكن الأمة تضم بین ملایینھا حكماء وعباقرة، یستطیعون أن یرسموا لھا الطریق بین الألغام … ویحولوا دون تدخل القوى الأجنبیة الفض في شؤونھا الداخلیة، ودون إرادتھا في التقدم. إن اتخاذ الطریق الصعب الشاق، قد یكون ھو طریق الخلاص. ً ومن ذلك مثلا لا بأس من قیام كتلتین إسلامیتین واحدة بزعامة تركیا، والأخرى محور مصر والسعودیة، بشرط أن یسود التفاھم والتنسیق بین الكتلتین. ً الصمود بوجھ التغیرات العالمیة مھمة صعبة للغایة، فلیس بمقدور دولا صغیرة أن تواجھ تیارات مسرح السیاسة الدولیة بتحدیاتھا السیاسیة والاقتصادیة والعسكریة، فلا بد من تجمعات قویة تمثل كتل سكانیة كبیرة، وقدرات اقتصادیة عملاقة وقدرات عسكریة، أو أن تتحول لتوابع. والتوابع لا صوت لھم، ولا قرار سیادي حاسم. التحدیات جسیمة، والمرحلة المقبلة صعبة، بل صعبة للغایة، وإذا كانت دولة عظمى عملاقة مثل روسیا ً تمتلك أكثر من 1200 رأس نووي، تحافظ بالكاد على أمنھا القومي، وتسعى جاھدة للتحالف مع دولا أخرى، أفلا یدعو ھذا القیادات العربیة والإسلامیة للتفكیر وإعادة حساباتھا ..! والمقال ماثل للطبع والنشر، تتفاقم الأزمة الاوكرانیة. العالم لن یعود إلى مال قبل اندلاع الأزمة …! والمستجدات تنبئنا بھا … ھي الآن تسیر على الأرض .. فقط دقق البصر والبصیرة …..!