علي حسين
تَصفّح مواقع التواصل الاجتماعي وستجد نفسك تستمتع بمعلقات يكتبها أصحابها في مديح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقبل أن يتهمني البعض بأنني إمبريالي وحاقد على الاشتراكية، فأنني ياسادة أحترم آراء الجميع، ولست من أنصار المعسكر الرأسمالي،
وأعيش في بغداد التي تعاني من غياب المستقبل.. لكنني وقفت مندهشاً أمام التجلي الروحي عند البعض من العرب الذين يعيشون في أمريكا وبلدان أوروبا وهم يحتفلون بانتصارات السيد بوتين ويطالبونه بكسر “خشم” الغرب ، وكأنهم مجبرين على العيش في أوروبا التي تآمرت عليهم ومنعتهم من العودة إلى أوطانهم .
هل أنا مع أمريكا ضد روسيا؟ بالتأكيد لا، لأنني أعرف أن السيد بايدن الذي يتباكى على انفصال دونيتسك ولوغانسك عن أوكرانيا، هو نفسه صاحب فكرة تقسيم العراق إلى ثلاث دول.. في المحصلة، نحن أمام نموذج صارخ للتناقض، فأمريكا ضد التقسيم والانفصال في أوكرانيا، لكنها، في الوقت ذاته، المحرك الأول لنزعات التقسيم في بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا.. ولأننا نعيش أجواء أزمة أوكرانيا، فقد خرج علينا السيد عادل عبد المهدي ليدلي بدلوه مردداً قول نابليون “الجغرافيا مستبدة”، وفي لفتة “فلسفية”، يخبرنا عادل عبد المهدي أن الغرب سيُهزم رغم أنه يمتلك العِلم والجغرافيا والتاريخ، ولا أريد أن أدخل في حوار “بيزنطيني” مع السيد عادل عبد المهدي الذي لا يزال يعتقد أنه أنقذ العراق من شباب الاحتجاجات، وأن الإمبريالية تآمرت عليه لأنه أراد أن يحول العراق إلى صين أخرى.. والغريب أن السيد عبد المهدي، وهو يسخر من الغرب وأمريكا ويتنبأ بسقوطهما ، كان قبل أيام يجلس مبتسماً مع السفير الأمريكي في بغداد، وقبل تسامر مع السفير الفرنسي ، وسنجده يوما يتحدث مع السفير البريطاني عن روايات اغاتا كريستي ، وربما سيقول لجميع هؤلاء السفراء إن “الجغرافيا ديمقراطية”.
خاضت فيتنام حرباً شرسة ضد الأميركان راح ضحيتها عشرات الآلاف، وماتزال صور المآسي تحتفظ بها هانوي في متاحف خاصة، فيما تعجّ العاصمة الفيتنامية اليوم بالسيّاح الأميركيين والاستثمارات الأجنبية، وعادت سايغون مدينة تفتح ذراعيها للجميع، لكنها لاتنسى أن تحتفل بذكرى أبطالها الذين صنعوا لها المستقبل.
يخبرنا كاتب سيرة هوشي منه أن الزعيم الفيتنامي كان ينصح وزير دفاعه الجنرال جياب، بعد معركة ديان بيان فو، التي لقّن فيها جياب القوات الفرنسية أقسى دروس الهزيمة، عندما انتبه “العم هو” إلى أن قائده العسكري أخذ يكيل المديح للمقاتلين، فنبهه إلى أن “تحرير البلاد ليس منّة يتحملها الشعب، إنه واجب علينا أن نقدمه بلا خُطب، فالتاريخ لايصنعه شخص واحد”.
أمر مؤسف جداً، أن يعيش البعض شيزوفرينا ثورية، يتجول في بلدان الغرب ويتغنى بالسيد بوتين، ويشتم أمريكا ويطالب بطردها ثم نجده يجلس مبتسماً مزهواً أمام سفيرها .