موت الإعلام الغربي الحر برصاص الحرب الأوكرانية!
علاء اللامي*
مات الإعلام الغربي المتشدق بالتعددية والحرية في الاختلاف والوصول إلى المعلومة وصياغتها وطرق تقديمها بحيادية في مناسبات كثيرة من قبل، ولكنه لم يكن موتا نهائيا وعلنيا وصريحا كما في هذه المرة، فقد ظلت هناك على الدوام أصوات كثيرة تعتز بالمُثل الحرة والمبادئ الإنسانية والليبرالية النقدية بنسختها التقدمية خلال حرب فيثنام والعدوان والحصار على العراق واحتلال فلسطين وتشريد شعبها على سبيل المثال، وحافظ حتى الإعلام القريب من الدوائر الحاكمة والمتحكمة بالمال والتشريع على مسافة معينة تمنعه من الاندماج مع دوائر القرار السياسي والأمني. ولكن ومع ممهدات الحرب في أوكرانيا يمكن القول إن هذا الإعلام قد لفظ أنفاسه الأخيرة، فوضع قلنسوة العار على رأسه، وكتم الأصوات المختلفة والمخالفة ومنعت وسائل الإعلام الخصم الروسي ومن يؤيده من العمل والنشاط والبث في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وأستراليا، كما حدث مع محطات آر تي “روسيا اليوم” بمختلف اللغات وأوقف بثها من خلال بعض الأقمار الاصطناعية وتفاقمت حالة “الروسيافوبيا/ الرُّهاب من روسيا” القديمة في الثقافة الأوروبية الغربية والأميركية! إذن، لم يعد ثمة فرق عملي كبير بين الإعلام الأوروبي والإعلام المتهم بأنه سلطوي استبدادي ذو لغة خشبية في العالم الثالث، الذي كانت أوروبا تعير دول القارات الأخرى به! أما الإعلام الروسي، ورغم أنه وضع في حالة دفاع عن النفس ولكنه لم يكن أقل عبثا وتلاعبا بالحقائق وطريقة تقديمها بإصراره على استعمال نسخة مهترئة من الإعلام الخشبي السلطوي التي لا يطيق الاختلاف والخلاف وتلصق شتى التهم بالخصوم، ولا يريد شيئا آخر غير التصفيق للزعيم الفذ العبقري الذي “يعرف كل شيء والقادر على كل شيء” وبهذا فقد التقى الإعلامان الغربي والروسي في مستنقع واحد.
لقد انتقل الإعلام الأوروبي والأميركي – مع بعض الاستثناءات النقدية القليلة في الأميركي بسبب رسوخ التقاليد الاستقلالية فيه – من دائرة تقديم مقاربات إعلامية للحقيقة إلى دائرة تصنيع الحقيقة كما تريدها وتراها دوائر السياسة والمال والأمن الرسمية، حتى شاهدنا صحيفة ديرشبيغل الألمانية العريقة تخاطب المستشار الألماني بعبارة مهينة هي “شولتز عليك أن تشعر بالعار من نفسك!” لماذا؟ لأنه تردد في إرسال السلاح إلى أوكرانيا وتحفَّظ على إخراج روسيا من نظام سويفت المالي أو وقف استيراد الغاز الروسي من خط السيل الشمالي الأول! أما بعض وسائل الإعلام العربية فهي تتصرف كـ “صبي القواد” حيث باتت لا تشعر بالخجل من سيل الأكاذيب المقرفة التي تسوقها بأمر من الدوائر الأوروبية والأميركية والتي تراجع عن بعضها حتى الإعلام الغربي والأوكراني، كقصة الصاروخ “الروسي” الذي ضرب بناية سكنية والتي ظلت قنوات الجزيرة والشرقية والعربية تكررها طوال يوم أمس دون شعور بالحرج رغم تراجع الإعلام الأوكراني عنها، واعتراف محافظ كييف في تغريدة له بأن ذلك الصاروخ كان أوكرانيا وأصاب البناية بالخطأ ومثلها قصة المصفحة الروسية التي اصطدمت بسيارة مدنية صغيرة وتبين لاحقا إنها مصفحة اوكرانية مسلحة! وحتى صحيفة “ديلي ميل” البريطانية اعترفت لاحقا بأن العربة المصفحة أوكرانية ولكن جنودا روسا سرقوها، وقتل سائقها إثناء إطلاق النار وكان القتيل يرتدي ملابس عسكرية أوكرانية! وهكذا يراد لنا أن نصدق كل هذا الهراء ونصدق بقصة الجنود الروس الذين تحولوا الى لصوص مصفحات خلال حرب ضارية وكأنهم بحاجة إلى مصفحات وأسلحة! أما في مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وتويتر فحدِّث ولا حرج في طوفان التفاهات!
آليات الحرب الإعلامية:
أعتقد أننا، إذا أردنا أن نفهم ما يدور حولنا في ميدان الإعلام، فنحن بحاجة ماسة لأن نعرف وبشكل علمي الآليات السرية أو غير المعلنة في العمل الإعلامي الغربي المعاصر. هنا محاولة لخبير عربي شاب في الإعلام هو مصطفى كمال (Mustafa Kamal) وهو باحث مساعد بوحدة الدراسات الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام المصري، يقدم محاولة جدية وعلمية لتفحص وتفكيك هذه الاليات. اخترت لكم منها هذه الفقرات التي لا تغني عن الاطلاع على نصها الكامل وهي بعنوان “آليات المباغتة والصمود – استراتيجيات الإعلام الأمريكي والروسي في الحرب على أوكرانيا “:
أولا – آليات عمل الإعلام الأمريكي مع الحرب:
1–حق امتلاك كافة تفاصيل وأخبار الحرب: استفادت الولايات المتحدة من تجارب الحروب السابقة من خلال فرض الرقابة العسكرية فيما يتعلق بأخبار الحروب. إذ تعتبر الإدارة الأمريكية أن التغطية الإعلامية للحرب هي جزء لا يتجزأ من الحرب نفسها.
2. الحرب النفسية وتهيئة الرأي العام: هيأت الولايات المتحدة الأجواء النفسية والسيكولوجية للحرب بالاعتماد على الحرب النفسية والدعاية وتجنيد الإعلام للتأكيد على وجود الحرب قبل اندلاعها بالأساس.
3. صناعة العدو في شخص: ووفق هذه الآلية تحاول الآلة الإعلامية الأمريكية والغربية صناعة عدو قائد ممثل في شخصية بوتين وتسويقها للرأي العام العالمي على أنه هو الدكتاتور وليس البلد أو الشعب “الروسي“.
4. تهديد الأمن والاستقرار الدوليين: هنا يتم تضخيم استعمال الدعاية بحجة تهديد الاستقرار الدولي عبر تضخيم الآثار الناتجة عن توسع إطار العمليات العسكرية.
5. الجانب التكنولوجي الدعائى في الحرب: تركز الدعاية في هذه الآلية على القوة التكنولوجية الهائلة في تصوير العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا على أنها إبادة عرقية وموجهة ضد المدنيين.
ثانيا- آليات عمل الإعلام الروسي:
1–التضليل الاستراتيجي للخطاب الأمريكي: اعتمدت روسيا على سياسة الصمود إذ لم تجار دفاعا مع ما ظهر من الإعلام الأمريكي بأن روسيا تحشد للحرب، بل أخذت بسياسة تفكيك الخطاب وتضليله.
2. الاعتماد على سياسة المقاومة وليس الاعتداء: نجد هنا استيعاب الروس دروس الحروب السابقة، إذ ارتبط ظهور بوتين بخطاب إعلان استقلال جمهورتي دونيتسك ولوجانسك الشعبيتين، بمظهر المقاوم الذي يبحث عن مجد القومية الروسية لا الإرث السوفيتي، وعرض نفسه مقاوما قوميا.
3. إثارة الشكوك، وصناعة الحيرة: اعتمد بوتين على استراتيجية إثارة الشكوك في نواياه هل سوف يتم الإقدام على الحرب أم لا، حيث حددت الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية عدة مواعيد للاقتحام الروسي لأوكرانيا ولم يقدم بوتين على الحرب في المواعيد التي أعلنت.
ثالثا- مستقبل الحرب الإعلامية بين الإعلام الأمريكي والروسي حول أوكرانيا:
من المرجح أن يتخذ كل منهم ما يلي:
*الجانب الأمريكي: سوف يستهدف الجانب الأمريكي من خلال الآلة الإعلامية إطالة أمد الحرب إلى أقصى درجة ممكنة، لأهمية استنزاف الروس في حرب طويلة وإطالة أمد الحرب يفقدها شرعيتها ويكون رأيا عاما ضاغطا لإنهائها.
*أما الجانب الروسي: فسوف يعتمد على استراتيجية تطبيع السلوك، بمعنى جعل السلوك الذي كان لحدّ اللحظة منفرًا، شيئًا طبيعيًا.
*رابط يحيل الى النص الكامل للمقالة:
(Inget ämne)
Re: مقال