الحرب في أوكرانيا: قراءة تحليلية في آخر التطورات الميدانية
علاء اللامي*
كتبت هذه المتابعة في اليوم الرابع للحرب في أوكرانيا. في أجواء الهستيريا الحربية المدلهمة بسُحُبِ المبالغات والأكاذيب والأرقام المتضاربة يحاول البعض المنحاز إلى أحد الطرفين المتحاربين، الجيش الروسي ومليشيات القوات الشعبية في لوغانتسك ودونتسيك من جهة، والجيش الأوكراني وقوات المنظمات القومية اليمينية، أن يعطي النصر لهذه الجهة أو تلك في حين العمليات الحربية لم تكمل يومها الرابع بعد: هنا محاولة لرصد آخر التطورات ومقاربة حقيقة ما يحدث تحليليا: من الواضح ان القوات الروسية قد حققت الهدف السياسي الرئيس الذي انطلقت من أجله، وهو إفشال محاولة أوكرانيا الانضمام إلى الحلف الأطلسي والتسلح بالسلاح النووي، فقد وافق الرئيس الأوكراني على جعل بلده محايداً وبادر الى طلب مفاوضات مباشرة مع الكرملين. وافق الكرملين وحدد مينسك أرضا للتفاوض، وأوقف تقدم قواته. لكن القيادة الأوكرانية تملصت من عرضها وقطعت الاتصالات بالروس. أعاد الروس إطلاق عملياتهم العسكرية فوصل عرض جديد من كييف ببدء التفاوض. وافق الروس وأرسلوا وفدا الى بيلاروسيا ولكنهم لم يوقفوا عملياتهم هذه المرة وأعلنت كييف أنها سترسل وفدا، وأعلنت واشنطن أنها ستراقب هذه المفاوضات. في الواقع فإن الخلط بين هذا الهدف الروسي المركزي وهو منع أوكرانيا من الانضمام لحلف الناتو وبين البلاغات الإعلامية الحربية كإقصاء الرئاسة الأوكرانية واستبدالها ومعاقبة المنظمات والمليشيات القومية الفاشية الأوكرانية لم تكن في صميم الأهداف الروسية بل جزءا من الحرب الدعائية، وإلا كيف توافق موسكو على التفاوض مع زيلينسكي وهي تريد الإطاحة به؟
*هذا التخبط الأوكراني بين طلب التفاوض والتراجع عنه ثم طلبه مجددا يؤكد حقيقتين: الأولى أن الروس حسموا الموقف عسكريا مبكرا كما قلنا ولكن ليس بشكل نهائي، وأجبروا القيادة الأوكرانية على التفاوض تحت النار. والثانية هي أن القيادة الأوكرانية خضعت للضغط الغربي وابتزاز الناتو فتراجعت عن التفاوض ثم وافقت تحت الضغط العسكري الروسي. ومن الواضح أن القيادة الأوكرانية خسرت وقف العمليات العسكرية ثم جاءت للتفاوض تحت النار وهذا لا يدل على أنها اليوم في وضع ميداني أفضل من وضعها يوم أمس.
*تبين حتى الآن أن الروس لا يريدون دخول المدن الأوكرانية الكبيرة وخاصة العاصمة ويريدون الاكتفاء بتدمير الماكنة الحربية الأوكرانية وتطويق المدن لتفادي الخسائر بين صفوفهم وصفوف المدنيين وعدم التورط في إدارة مدن محتلة. وتبين أيضا أن المقاومة الأوكرانية كانت أقوى مما توقعه الروس وهذا ما تسبب في تباطؤ التقدم الروسي وفي تطويق المدن وفشل محاولة دخول بعضها مثل خاركوف.
*أعتقد أن حساب الوقت ليس في مصلحة القيادة الأوكرانية وعليها ان تستثمر ما بيدها من أوراق ومنها المقاومة الجيدة التي أبدتها حتى الآن، فالضغط العسكري الروسي سيزداد والمدن الأوكرانية سيتم تطويقها وسيتم تدمير ما تبقى من الآلة الحربية الأوكرانية وهو قليل. ومن الأفضل لها الموافقة على وقف إطلاق النار والموافقة على خيار الدولة المحايدة وعدم التفريط بأراضيها مقابل تطبيق اتفاقية مينسك لتطبيع الأوضاع في منطقتي لوغانتسك ودونتسيك.
*لجوء الغرب إلى استعمال سلاح منظومة “سويفت” لتحويلات المالية بنسبة ثمانين بالمائة وضخ المزيد من الأسلحة الفتاكة وفتح باب تطوع المقاتلين الأجانب إلى جانب الأوكرانيين يعني أن الأمور ليست على مايرام عسكريا بالنسبة للقوات الأوكرانية. لا أحد يفكر باستجلاب المتطوعين الأجانب وهو على وشك الانتصار أو أنه نجح في صد هجوم العدو، أما ترحيب الرئيس الأوكراني بالمتطوعين واستعدادة لتشكيل فيلق عالمي لهم وأن تتولى الخارجية البريطانية الإعلان عن ذلك في سابقة تاريخية لم تحدث في كل تاريخ حروب أوروبا، فهي أمور تؤشر على مأزق الغرب والقيادة الأوكرانية لا العكس.
*لا أحد توقع ان تحسم روسيا الوضع العسكري في ثلاثة أيام وأكثر من مسؤول روسي قال ومنذ اليوم الأول أن الحسم قد يتطلب ثلاثة أسابيع فما فوق لتتضح الأمور على الأرض والرئيس الفرنسي حذر مبكرا من أن الحرب ستطول.
*قرار الرئيس الروسي بوضع أسلحة روسيا للرد النووي في حالة التأهب القصوى يمكن أن يقرأ في باب تحذير حاسم للغرب من التمادي في العقوبات وخصوصا بعد استعمال سلاح سويفت. ويلاحظ أن لهجة الغرب الإعلامية الحادة والمتشنجة قد تراجعت وتطامنت في الساعات الأخيرة.
*الوضع خطير ودخول التهديد بالسلاح النووي يجعله أخطر والعربدة الغربية الأميركية تتصاعد وتزج الإنسانية في مرحلة حساسة وكارثية لأن الغرب الأوروإنكلوساكساوني يدرك أن ما بعد هذه الحرب لن يكون كما قبله على الصعيد الجيوسياسي العالمي!